Tuesday, January 24, 2006

لوحـات عالميـة - 74


يوم أحد في جزيـرة لاغـران جـات
للفنان الفرنسي جـورج بيـير سـُـورا، 1886

تُعتبر هذه اللوحة إحدى اكثر الأعمال الفنية العالمية شهرةً وتميّزا منذ أن رسمها جورج سُورا في العام 1886، إلى أن انتهى بها المطاف أخيرا في معهد شيكاغو للفن.
كان عمر سورا عندما أنجز اللوحة خمسة وعشرين عاما، ولم يعش بعد ذلك اكثر من سبع سنوات.
وقد اتبع الفنان في رسم اللوحة تكنيكا فنيا مبتكرا. فالأشخاص منعزلون عن بعضهم البعض نفسيا، وعلى امتداد مساحة اللوحة يظهر عمّال ونساء ورجال وأطفال وحيوانات وجنود بالزي الرسمي. وليس في اللوحة ما يشي بملامح الأشخاص أو انطباعاتهم. فكل ما نراه هو أشكالهم التي يبدو كما لو أنها تجمّدت في مشهد ُقطع فجأة.
سورا مزج في اللوحة بين العلم والفن، واستخدم الأشخاص ككتل لبناء اللوحة. والمشهد بعمومه يوحي بالعزلة، فالناس منعزلون عن بعضهم وعن جمال الطبيعة من حولهم. ولا يبدو الفنان مكترثا كثيرا بالارتباط الانفعالي والعاطفي بين شخوص لوحته، إذ كل واحد مشغول بنفسه. كما أن توظيف الفنان للنقط اللونية المبعثرة يكرّس الإحساس بالعزلة والاغتراب.
وأجواء اللوحة ليست بعيدة عن حياة الفنان نفسه، فقد كان سورا شخصا كتوما ومتأملا ومنعزلا.
كان هذا الرسّام ينتمي للطبقة الباريسية المتوسطة ويتمتّع بالوسامة والثراء كما تلقى تعليما ممتازا مكّنه من إظهار موهبته الفنية في سنّ مبّكرة.
وكان في طليعة الفنانين الذين انتهجوا الأسلوب النقطي، وقد عرف عنه اهتمامه الكبير بالتفاصيل وبالعلاقة بين الضوء الطبيعي وتفاصيل اللوحة.
كان لجورج سورا نظريته الخاصة في الفن وكان معنيا كثيرا بالتركيز وقوّة الملاحظة تاركا للمتلقي حرية تكوين انطباعاته الخاصة عن العمل الفني.
وكان يرى أن الرسم النقطي ينتج ألوانا اكثر سطوعا مما ينتجه الرّسم من خلال ضربات الفرشاة الواسعة.
وقد قضى سورا سنتين في رسم هذه اللوحة بدأها بدراسة ارض الحديقة ووضعيات الأشخاص في اشكالهم وليس في شخصياتهم، إذ لم يكن مهتمّا كثيرا بانفعالات الأشخاص بقدر اهتمامه بأناقة وتناغم هيئاتهم.
في هذه اللوحة التي نفّذها جورج سورا بشاعرية فائقة، يبدو العالم وكأنه توقّف فجأة ليكشف عن لحظة صفاء وسلام.
ولا يقلل من شاعرية المشهد حقيقة أن كلّ مجموعة فيه منشغلة بنفسها وتتحرّك ضمن فضائها الخاص.