Saturday, August 06, 2005

لوحـات عالميـة – 7

الــربيــع
للفنان الفرنسي بيير اوغست كوت، 1873

في هذه اللوحة الجميلة يصوّر اوغست كوت لحظات حبّ حميمة بين شابّ وفتاة يطوّق كل منهما الآخر، بينما يجلسان فوق أرجوحة ثُبّت طرفاها في فروع شجرة بإحدى الغابات.
لوحة "الربيع" يقال أحيانا أنها احد أفضل الأعمال الفنية التي تصوّر مشهدا رومانسيا. ولطالما خلبت هذه اللوحة خيال الكثيرين طوال الأعوام المائة والثلاثين الماضية.
بعد أن أكمل كوت رسم اللوحة أواخر القرن التاسع عشر، عرضها في صالون باريس حيث لقيت الكثير من الإعجاب والتقدير. وفي ما بعد، اشتهرت اللوحة كثيرا وذاع صيتها أكثر من الرسّام نفسه. وأصبحت مع مرور الأيام أيقونة ترمز إلى حسيّة ونكهة القرن التاسع عشر.
وقد تمّ استنساخ ملايين الطبعات من اللوحة واستخدمت لتزيين الورق الحائطي وأعمال البورسلين والبطاقات البريدية والبوسترات وغيرها.
عندما عُرضت اللوحة لأوّل مرة في باريس، اشتراها أحد الأثرياء ومن ثمّ بيعت لأحد جامعي القطع الفنية. ثم أعيرت اللوحة في ما بعد إلى متحف بروكلين حيث ظلت فيه أكثر من خمسة وثلاثين عاما قبل أن يستعيدها صاحبها الأول. وفي السنوات الأربعين التالية، اختفت اللوحة تماما وضاع كلّ اثر لها، إلى أن ظهرت مجدّدا وقد علاها التراب في مستودع فندق أمريكي قديم.
وقبل سنوات عُرضت اللوحة الأصلية في مزاد سوثبي اللندني. غيـر أنها لم تحقّق السعر الذي كان يطمع به صاحبها.
كان بيير اوغست كوت فنانا مجتهدا ونشطا. وقد درس الرسم في مدرسة الفنون الجميلة في تولوز قبل أن يذهب إلى باريس التي تعلّم فيها على يد كلّ من كابانيل وبوجيريو.
وكان من عادته أن يستيقظ فجر كلّ يوم ليرسم، مستفيدا من كمّية ونوعية الضوء المتوفّر باكرا. وكثيرا ما كان يذهب إلى الريف الفرنسي باحثا عن أجمل البائعات وخادمات المنازل كي يرسمهن في لوحاته.
وتتسم أعمال كوت بالأصالة وبمزجها بين السمات الكلاسيكية للرسم والأحاسيس الإنسانية البريئة. وقد اشتهر أيضا برسم البورتريه. ومن بين أعماله كلّها، لا تضاهي الربيع شهرة وانتشارا سوى لوحته الأخرى العاصفة الموجودة في متحف المتروبوليتان.

Friday, August 05, 2005

لوحـات عالميـة – 6

السـاقـي المغـنـّـي
للفنان الاسكتلندي جاك فيتريانو، 1999

لا يوجد فنّان حديث انقسمت حوله الآراء واختلف بشأنه النقّاد بمثل ما اختلفوا وانقسموا حول الفنان جاك فيتريانو.
ورغم ذلك، يبدو الجمهور في حالة ترقّب دائم لاعمال هذا الفنان.
وتشير التقديرات إلى أن فيتريانو يجني سنويا اكثر من مائتي ألف جنيه استرليني من بيع نسخ لوحاته التي يتهافت على شرائها المشاهير والناس العاديّون.
قصّة فيتريانو تذكّرنا على نحو ما بالقول العربي المأثور: لا كرامة لنبيّ في وطنه". فنقاد الفنّ في اسكوتلندا، بلد الفنان، يبدون اقلّ حماسا واحتفاءً بلوحاته. بل إن بعضهم يصفها بأنها مجرّد إيحاءات جنسية فجّة ورخيصة، والبعض الآخر لا يرى فيها اكثر من تشكيلات لونية باردة وبلا روح..
لكن للسوق رأيا آخر مختلفا. إذ أن أعمال فيتريانو هي اليوم الأكثر تفضيلا لدى الجمهور.
بل إن عدد النسخ التي بيعت من اشهر أعماله، وهي لوحة "الساقي المغنّي"، تفوق بكثير ما بيع من أعمال اكثر الفنانين شهرة واحتفاءً وعلى رأسهم فان غوخ وبيكاسو.
وقد بيعت هذه اللوحة قبل أربع سنوات في مزاد علني بمبلغ مليون ونصف المليون دولار.
واللوحة تنطوي على سحر خاص بالنظر إلى تكوينها الفريد وألوانها الرائعة والمبهجة وجوّها الرومانسي البديع.
وهي تصوّر زوجين، أو لعلهما عاشقان، يرتديان ملابس السهرة الأنيقة وقد اندمجا في نوبة رقص حميمة على شاطئ يشبه الحلم، بينما أحاط بهما نادل وخادمة وهما يحملان مظلتين لحمايتهما من رذاذ المطر المتساقط.
ومع أن ملامح الرجل والمرأة غير ظاهرة، فإنه يمكن بسهولة تخيّل طبيعة انفعالاتهما في تلك اللحظة.
المعروف أن فيتريانو أصاب نجاحا عالميا باهرا، خصوصا في الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان.
لكن المشكلة في المثال الذي يجسّده فنان مثل فيتريانو هي أن الناس يفترضون في الفنان أن يكافح ويتعب ويناضل طويلا حتى يعترف الناس بموهبته ويحصل على الشهرة، وهذا لا يحدث في الغالب إلا بعد أن يموت أو يصاب بالجنون.
لكن فيتريانو، وهو بالمناسبة شخص على درجة عالية من الأدب والتواضع، رفض هذا النمط التقليدي، مما جلب عليه غضب وسخط المؤسّسة الفنية في اسكتلندا.
ورغم أن مؤيّدي فيتريانو من النقاد قليلون، فإن بعض الشخصيات المرموقة في ميدان الأدب والفن هبّوا إلى نجدته ومؤازرته، ومن بين هؤلاء المؤلف آل كينيدي الذي وصف منتقدي فيتريانو ومهاجميه بأنهم "جماعة من الحمقى الذين أعمى الحقد والحسد قلوبهم".
لوحات فيتريانو تفتح بوّابة إلى عوالم من الفتنة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وأعماله تستحضر من الروايات والأفلام مشاهد لرجال ونساء على الشطآن وفي الأندية والطرقات وفي البيوت ووراء الغرف الموصدة.
من غير المعروف ما إذا كان النقاد سيغيّرون موقفهم من فيتريانو وفنّه قريبا.
لكن من يدري! بعد مائة عام من الآن ربّما يكون لجاك فيتريانو وللوحاته ما لـ فان غوخ ورمبراندت من تقدير وشهرة وانتشار هذه الأيام.

Thursday, August 04, 2005

لوحـات عالميـة – 5

حديقـة المباهـج الأرضيـة
للفنان الهولندي هيرونيموس بوش، 1504

يتفق الكثير من نقّاد الفن على اعتبار هذه اللوحة واحدة من أعظم الأعمال في تاريخ الفن ومن أكثرها شهرةً وخلودا.
رسم هيرونيموس بوش اللوحة قبل خمسمائة عام، وما تزال إلى اليوم تحتفظ بأصالتها وجاذبيتها التي كانت عليها في العام 1504م.
وُيرجّح أن تكون اللوحة قد أنجزت بناءً على طلب أحد النبلاء الهولنديين آنذاك.
"حديقة المباهج الأرضية" تتألف من ثلاثة أجزاء وقد استمدّت اسمها من الحديقة المترفة التي تبدو في الجزء الأوسط المملوء بصور نساء عاريات وطيور ضخمة وفواكه عملاقة.
واللوحة تصوّر تاريخ العالم ومراحل تطوّر الخطيئة بدءا من آدم وحوّاء اللذين ارتكبا الخطيئة "الجزء الأيسر"، إلى عذاب الخاطئين في الجحيم الذي يبدو إلى يسار اللوحة منطقة مظلمة وكابوسية وباردة.
أما في الوسط فتظهر حديقة المباهج الأرضية التي تصوّر عالما منغمسا في الملذّات والخطايا، حيث تتجسّد الشهوة باعتبارها سببا في سقوط الإنسان.
في هذه اللوحة الفانتازية يبدو هيرونيموس بوش مهجوسا بالرؤى الكابوسية للجحيم والخطيئة، وهي فكرة كانت سائدة في القرون الوسطى بأوربا.
و اللوحة تبرهن على قدرة الفنان المدهشة في بناء طبيعة ذات تفاصيل ضخمة ودقيقة من خلال سلسلة من المبالغات والتشويهات الغريبة.
كما تزخر اللوحة بأكثر من ألف رسم لبشر وحيوانات وثمار ونباتات. ومع ذلك، فإنها تعطي انطباعا بحداثتها وجدّة موضوعها.
وليس بالغريب أن ينجذب إلى هذه اللوحة سورياليو القرن العشرين لانها تحمل بعض سمات مدرستهم.
كان هيرونيموس بوش، واسمه الحقيقي جيروم فان ايكين، رجلا متشائما وأخلاقيا إلى حدّ كبير، ولم يكن يؤمن بإمكانية عقلنة العالم الذي فسد بسبب وجود الإنسان فيه، كما كان يقول.
ولزمن طويل ظلّ النقاد حائرين في تفسير رسومات هذا الفنان. وبعضهم كان يعتقد بانتمائه إلى "فرقة ضالة" أو منظمّة سرّية غامضة، على الرّغم من المضامين الدينية للوحاته.
لكن آخر دراسة نقدية عن الفنان تكشف عن انه كان فنانا موهوبا يفهم أسرار النفس الإنسانية، كما كان أحد الفنانين الأوائل الذين قدّموا مفاهيم تجريدية في أعمالهم.
وأخيرا، هناك حوالي أربعين لوحة منسوبة إلى هيرونيموس بوش، لكن سبعا منها فقط هي التي تحمل توقيعه.

Sunday, July 31, 2005

لوحـات عالميـة – 4


اتصـال الذاكــرة
للفنان الإسباني سلفـادور دالــي، 1931

في شهر نوفمبر من العام 1988 دخل الملك خوان كارلوس إلى أحد مستشفيات مقاطعة كاتالونيا الإسبانية ليعود سلفادور دالي أحد اعظم الفنانين في التاريخ. جلس الملك ووضع يده فوق يد الفنان الذي قال بصوت هامس: اعد جلالتكم بأنني متى ما شفيت فإنّني سأرسم ثانية لكم ولمملكة إسبانيا.
غير أن وعد دالي لم يتحقق أبدا إذ سرعان ما توفي بعد بضعة اشهر بعد أن دبّ الوهن في جسمه ويديه وأصابته أعراض مرض باركنسون.
كان سلفادور دالي بنظر بعض النقاد اعظم فناني العالم قاطبة بينما ينظر إليه البعض الآخر باعتباره شخصا معتوها ومهرجا وغريب الأطوار! ويشير بعض النقاد إلى أن دالي كان قد مات معنويا قبل ذلك وبالتحديد عندما توفيت غالا زوجته الوفية وملهمته وتوأم روحه. وفي سيرته وأعماله وأقواله العديدة نجده دائم الحديث عن غالا باعتبارها "المرأة التي تدعوني إلى السماء".
كان دالي بالإضافة إلى لاواقعيته وسورياليته المفرطة وحديثه المتضخّم عن الذات فنانا متعدّد المواهب. فهو لم يكن يرسم اللوحات فقط وانما كان نحّاتا وحفارا بارعا وكان إيراد اسمه أو توقيعه كافيا لإنعاش السوق واشتداد الطلب على السلع التي يشتغل على دعاياتها وملصقاتها.
وكان يقول دائما: ارغب في شيئين، أن احبّ غالا والا أموت مطلقا!. وعندما ماتت غالا عاش بقية حياته مشتّت الذهن حزينا دامع العين وكان يرتدي عباءة وثيابا بيضاء دلالة على حزنه الأبدي عليها.
من اشهر أعمال دالي لوحته المسماة "اتصال الذاكرة" التي أنجزها في العام 1931م. بدأ دالي رسم هذه اللوحة بمنظر طبيعي لساحل البحر في مقاطعة كاتالونيا، ثم ضمّن الرسم مشاهد لثلاث ساعات جيب منصهرة على إحداها ذبابة، بالإضافة إلى ساعة رابعة يفترسها النمل. وفي وسط اللوحة وتحت إحدى الساعات المذابة يظهر معصم يد على هيئة وجه بشري مشوّه.
الفكرة التي أراد دالي إيصالها من خلال هذه اللوحة هي أن الزمن اقل صلابةً مما يفترضه الناس عادة..
وكان دالي قد رسم هذه اللوحة اثر حلم رآه بعد أن تناول عشاء خفيفا من الجبنة الطرية. ولهذا السبب تبدو الساعات طرية لدرجة الذوبان.
هذه اللوحة أصبحت منذ نهاية ثلاثينات القرن الماضي جزءا من الثقافة الشعبية الأوربية والغربية بعامة، حيث تمّ توظيفها في أعمال أدبية ومسرحية وسينمائية واعلانية كثيرة.
قبل وفاة سلفادور دالي بأيام أفضى لبعض أصدقائه بوصيته وكانت وصية غريبة فقد طلب منهم ألا يدفنوه بجوار غالا خلافا لوصيته السابقة بل أن يحنّطوا جثته ويضعوها قرب القبة البلورية في متحفه و يحيطوها بأشيائه الثمينة ومن بينها سيارته الكاديلاك.
السنة الماضية كانت سنة سلفادور دالي في أسبانيا، حيث تصادفت مع الذكرى المئوية لوفاة هذا الرسام الكبير الذي ملأ الدنيا وشغل الناس طيلة قرن كامل.

موضوع ذو صلة: رأي جورج اورويل في دالي

لوحـات عالميـة – 3


المحـظيـّة الكبــرى
للفنان الفرنسي جـان دومينـيك آنغـر، 1814

كان اوغست دومينيك انغـر ابنا لنحات وقد درس مع جان لوي دافيد في مرحلة من المراحل. ثم سافر انغر إلى إيطاليا ليمكث فيها قرابة 18 عاما وكان يعيل نفسه وعائلته من خلال رسمه لصور الأشخاص.
وعند عودته إلى باريس واصل عمله في الرسم وتلقى العدد من الجوائز والمكافآت على تميّزه، إلى أن عاد إلى روما مرة أخرى ليتولى إدارة الأكاديمية الفرنسية في روما.
هناك قضى بقية حياته الطويلة في التدريس والرسم. وبعد موته تم تأسيس متحف انغـر في مسقط رأسه مونتوبان والذي يضم تشكيلة من رسوماته ولوحاته.
فيما بعد ولدت جماعة جديدة من الفنانين من حواريي انغـر والمعجبين بأسلوبه الأكاديمي، لكنهم كانوا جميعا يفتقرون إلى موهبته والى عبقريته. وبعد انغـر أتى فنانون كثر اعترفوا بفضله وبريادته ومنهم ديغا ورينوار وبيكاسو.
ويضم متحف اللوفر اليوم عددا كبيرا من أعمال انغـر لعل اشهرها الحمّام التركي، كما يحتوي المتروبوليتان هو الآخر على بعض أعمال الفنان.
المحظية الكبرى عمل فنّي رعته كارولين مورا ملكة نابولي والأخت الكبرى لنابليون بونابرت التي طلبت من انغـر إنجاز هذه اللوحة لتصاحب لوحة أخرى للفنان كانت تملكها وهي لوحته: امرأة نائمة.
كانت كارولين امرأة طموحة وقاسية ومتعطشة للسلطة وقد عملت جاهدة مع زوجها الذي كان من أعوان نابليون على ترسيخ نفوذهما وتكريس سلطتهما ولو على حساب قائدهما ووليّ نعمتهما.
المحظية كلمة تدلّ على الأنثى التي تعمل في قصر السلطان، والمفردة تعود إلى عصر العثمانيين الأتراك.
وقد أتم انغـر عدّة لوحات عن نفس هذا الموضوع، لكن المحظية الكبرى هي اشهرها جميعا.
أعمال انغـر تتراوح ما بين البورتريهات والمواضيع التاريخية والصور الاستشراقية، واحدى لوحاته وربما أكثرها استنساخا هي لوحته المسمّاة "نابليون يجلس على العرش الامبراطوري".
في لوحة "المحظية الكبرى" تبدو امرأة متكئة على أريكة وممسكة بمقشّة من ريش الطاووس بينما صوّبت نظرات هي مزيج من انفعالات مختلفة ومتباينة.
ومن الطريف أن نشير إلى أن النقاد زمن انغـر عابوا عليه مبالغته في إطالة ظهر المرأة عندما أضاف ثلاث فقرات كاملة إلى عمودها الفقري. ومع ذلك تبدو بشرة المرأة حقيقية إلى حد كبير والمشهد بأكمله يعطي إحساسا بالرومانسية والفانتازيا.
يقول بعض مؤرخي الفن إن كارولين مورا ربّما كانت هي الموديل الذي استخدمه انغـر في إنجاز المحظية الكبرى. لكن ليس هناك ما يسند هذا الزعم. وعلى أية حال فإن كارولين لم تتسلم اللوحة أبدا، فقد انهارت مملكتها الصغيرة بانهيار عرش شقيقها في العام 1815م. وُارسلت اللوحة بدلا من ذلك إلى فرنسا وانتقلت إلى اللوفر لتظلّ فيه إلى اليوم.

لوحـات عالميـة – 2


تـمثـال مـوســى
للفنان الايطالي ميكيل انجيـلو، 1516

يجمع المؤرّخون على اعتبار ميكيل انجيلو الوريث الشرعي للفن الكلاسيكي الروماني والإغريقي.
كان ميكيل انجيلو متفوّقا خصوصا في أعمال النحت، وهناك من يعتبره اعظم نحّات ومصوّر عرفه العالم في جميع العصور.
يشهد على ذلك منظومته النحتية الفريدة التي توّجها بإنجاز تمثال موسى.
استعار ميكيل انجيلو نظريات أفلاطون في الهندسة وطبقها على تكويناته التي تغطي كنيسة سيستين في تناسق وتناغم رائع قل أن نجد له مثيلا.
كان الإنسان محور إبداعات ميكيل انجيلو ونقطة الارتكاز التي اعتمدت عليها كافة أعماله النحتية والتصويرية. ويروى عنه انه عندما اكمل نحت هذا التمثال في كنيسة القديس بطرس وقف أمامه وقال له بلهجة واثقة: هيا . انهض الآن يا موسى!
ولد ميكيل انجيلو بوناروتي في العام 1475 في توسكاني وتعلم في فلورنسا، ويعتبر تمثال موسى اعظم واشهر أعماله النحتية، وقد قام بإنجاز التمثال في العام 1516 نزولا عند رغبة البابا يوليوس الثاني، الذي كان، رغم طبيعته المقاتلة، يحب الفنون ويرعاها.
وبالإضافة إلى التمثال، أمر يوليوس ميكيل انجيلو برسم سقف كنيسة سيستين ونحت قبره.
موسى كما هو معروف كان النبي الذي خرج بقومه اليهود من مصر وتلقى الوصايا العشر عند سفح جبل سيناء.
في التمثال تبدو يد موسى اليمنى وهي تحمي الألواح الحجرية التي كتبت عليها الوصايا، فيما تبدو يده اليسرى بعضلاتها المشدودة وعروقها النافرة كما لو أنها ارتدّت إلى وضعها الأول بعد حركة عنيفة.
عندما نزل موسى من جبل سيناء وجد قومه يعبدون العجل الذهبي الذي صنعوه بأنفسهم.
ويبدو في التمثال غاضبا مهتاجا كأنه يتحدّى سجن الحجر وضيق الحيّز. ولا بد وان السيّاح الذين يأتون لزيارة التمثال يشعرون بنظرات صاحبه الغاضبة والمتحدّية، وهي نفس النظرات التي واجهها عالم النفس سيغموند فرويد الذي قضى في المكان ثلاثة أسابيع في العام 1913 محاولا دراسة التأثير الانفعالي للتمثال.
من مظاهر قوّة هذا التمثال الأخرى اللحية الطويلة التي يصعب عادة تمثيلها في عمل نحتي. لكن عبقرية ميكيل انجيلو تجاوزت هذه الإشكالية إلى عنصر الفكر نفسه، عندما يدفع الناظر إلى التساؤل عن السبب الذي يجعل موسى يطيل لحيته..
ميكيل انجيلو رسم في الواقع نهرا من الشعر المتدلي كالحبال العريضة والمتشابكة بالإضافة إلى القرنين البارزين من الرأس، وهي سمة تقليدية أريد بها إعطاء موسى لمحة شيطانية، ومن ثم فوق-إنسانية.
فرويد كان يرى في موسى صورة بطولية من صور الجسارة وضبط النفس، وهي سمة لم يكن يتمتع بها النحات ولا البابا نفسه الذي رعى هذا العمل الملحمي الكبير.
إذ كانت تنشب بين الاثنين الخلافات والمنازعات المستمرة أثناء إنجاز التمثال ورسومات الكنيسة.
ويقال إن ميكيل انجيلو تعمّد إضفاء ملامح غاضبة ومتوترة على وجه التمثال كتجسيد لصورة يوليوس الثاني نفسه الذي كان يتصف بالتقى الممزوج بالثورة والفظاظة.
ويبدو أن ميكيل انجيلو كان يفهم البابا جيدا، إذ كان هذا الأخير، مثل موسى، ينظر إلى الناس نظرة تعال وازدراء، كما تذكر بعض المصادر التاريخية.

لوحـات عالميـة – 1

منظـر ساحـة بعد المطـر
للفنان الأمريكي بـول كورنـوير، 1910

يعتبر بول كورنوير احد أهمّ أقطاب الانطباعية الأمريكية. وقد درس الرسم في الولايات المتحدة قبل أن ينتقل إلى باريس التي ظلّ فيها خمس سنوات تلقى خلالها دروسا على يد الفنان جول لوفافر.
يغلب على رسومات هذا الفنان الطابع الغنائي، وكان يميل إلى رسم المناظر الحضرية والطبيعة.
ولطالما استهواه تصوير مدينة نيويورك بساحاتها المبللّة بالمطر وشوارعها وأشجارها وعربات النقل التي تجرّها الخيول.
كانت الانطباعية تركّز على رسم المناظر في الهواء الطلق بعيدا عن الاستديوهات المغلقة.
وكان على الفنان أن يعمل بسرعة وتلقائية لكي ينقل صورة الضوء المتغيّر دائما في منظر طبيعي. غير أن الأمر كان يتطلّب سرعة اكبر في حال رسم منظر لساحة أو شارع.
وغالبا ما يكون العمل الناتج عن ذلك ضربا من الشعر الغنائي أو التصويري. وخير مثال على ذلك هذه اللوحة الشهيرة. فـ كورنوير لم يحقّق فقط هدفه الانطباعي الرامي إلى إظهار تأثيرات الضوء والجوّ في المشهد، وإنما نجح أيضا في إيصال صورة متعاطفة وإنسانية لسكّان المدينة.
الناظر إلى هذه اللوحة لا يرى طبيعة صامتة وألوانا ناعمة فحسب، بل إن المشهد يكشف أيضا عن ألوان تضجّ بالحيوية، كاللون الأخضر الفاتح للأوراق الصغيرة التي تؤطّر الجزء العلوي من اللوحة واللون الزهري الفاتح كما تعكسه المباني في الخلفية.
واللوحة تنزاح تدريجيا لتكشف عن لحظة إنسانية حقيقية يصبح الناظر مشاركا فيها. فهو يحسّ بالمطر الربيعي الدافئ ويتنسّم رائحة الهواء الطلق.
والفنان يحاول من خلال هذا المنظر الشاعري الجميل أن يوصل إحساسا بالسعادة والأمل في صباح يوم ربيعي في المدينة.
في بعض مراحل حياته، عمل كورنوير مدرّسا للرسم ومحاضرا في أكثر من معهد ومؤسّسة.
وكان يتمتع بدقّة الملاحظة وهو يرسم وبتحكّمه الفائق بالألوان والظلال.
وفي الكثير من مناظره تبدو الشوارع إما مغسولة بالمطر أو مغمورة بالضباب أو الثلج.
وقد عاصر الفنان بعض أشهر الرسّامين في زمانه مثل وليام تشيس وتشايلد هاسام. كما عرض أعماله في الكثير من المتاحف والأكاديميات وصالات العرض وتلقى عددا من الجوائز.
وتتوزّع لوحاته اليوم على العديد من المتاحف أهمّها متحف معهد بروكلين ومعهد كانساس وغاليري جامعة ييل.
ومن أشهر لوحات كورنوير الأخرى منظر لميناء، وبدايات الربيع في سنترال بارك وأزهار التفّاح في النورماندي.