Saturday, September 03, 2005

لوحـات عالميـة – 36

ميـرانـدا والعـاصفــة
للفنان البريطاني جون وليام ووترهاوس، 1916

لم يكن جون ووترهاوس يُصنّف في عداد الرسّامين ما قبل الرافائيليين، لكنه على الرغم من ذلك كان يرتبط بعلاقة وثيقة معهم. ومن وقت لآخر كان يستعير منهم بعض موضوعاتهم في الرسم، خصوصا تلك المقتبسة من أعمال الكاتب المسرحيّ الكبير جون شكسبير.
في هذه اللوحة، يرسم ووترهاوس مشهدا لـ "ميراندا"، إحدى الشخصيات الرئيسية في مسرحية "العاصفة" التي مُثّلت لأوّل مرّة في العام 1611.
في المسرحية يخبرنا شكسبير عن قصّة بروسبيرو دوق ميلان الذي أطاح به شقيقه انطونيو. وقد تمّ طرد بروسبيرو بعد ذلك إلى البحر مع ابنته ميراندا. ثم يبدءان رحلة تيه في البحر قبل أن يهبطا أخيرا ارض جزيرة نائية ومعزولة يسكنها مخلوق غريب اسمه كاليبان.
وعندما يستقرّ بهما المقام على ارض الجزيرة يبدأ بروسبيرو في توظيف قدراته السحرية التي يملكها لجعل كاليبان وغيره من الأرواح المتواجدة في الجزيرة طوع أمره.
وبعد ذلك بسنوات، يحدث أن تمرّ سفينة انطونيو ومرافقيه من أمام شاطئ الجزيرة التي يعيش عليها الدوق المخلوع وابنته. وهنا يلجأ بروسبيرو لاستخدام سحره مرّة أخرى ليخلق عاصفة بقصد إغراق سفينة انطونيو ومرافقيه. وتتدخّل ميراندا عبثا لإقناع أبيها بالعفو عن عمّها والعدول عن خطته لإغراق السفينة.
و ووترهاوس في اللوحة يصوّر ميراندا وهي واقفة على شاطئ البحر تراقب العاصفة التي افتعلها والدها وتأثيرها في السفينة التي بدأت تترنّح بفعل الرياح القويّة.
هذا المشهد الذي رسمه ووترهاوس ابتدعه من مخيّلته وليس له وجود في المسرحية الأصلية. في المسرحية يبدأ المشهد الثاني بمنظر لميراندا وهي تتوسّل إلى أبيها كي يوقف عمل السحر ويعفو عن عمّها الشرّير انطونيو وبقيّة الرجال في البحر. والمتفرّج لا يرى ميراندا وهي تشهد غرق السفينة.
ووترهاوس في هذه اللوحة يمسك بدراما الطبيعة، حيث الأمواج على وشك إغراق السفينة وركّابها. وميراندا تنظر إلى البحر ونصف وجهها محجوب عن الناظر، لذا من الصعب قراءة تعبيراتها، لكن يمكن معرفة ما كانت تشعر به في تلك اللحظات من قراءة ما كتبه شكسبير على لسانها في المسرحية. كلماتها إلى أبيها وهي تناشده بالعدول عن خطّته تشي باليأس والحزن الشديد.
تقف ميراندا على الشاطئ وهي تضع يدها اليسرى على قلبها، تعبيرا عن مقدار الألم الذي تشعر به. ومع ذلك فإن الجوّ في اللوحة يوحي بأن كلّ شيء سيؤول إلى نهاية مطمئنة.
في اللوحة أيضا لا تبدو ميراندا مستثارة أو منزعجة كثيرا من مرأى السفينة وهي على تلك الحال. وحتى الأمواج لا تبدو قويّة بحيث تشكّل تهديدا جدّيّا. هذان هما أهم مأخذين للنقّاد على اللوحة. وبعضهم يأخذون على الرسّام أيضا انه ألبس بطلة من القرن السابع عشر مثل ميراندا ملابس أهل اليونان القديمة.
أما تصوير المرأة من الخلف فيبدو أن هذا في جزء منه يعكس تجارب الرسّام مع المنظور في تلك الفترة، بالإضافة إلى المقتضيات الفنّية للقصّة.
أيضا تأثير ما قبل الرافائيليين واضح في اللوحة، من خلال طريقة وقوف ميراندا ونوعيّة ملابسها وشعرها، ما يذكّر بمواصفات لوحات جون ميليه وبيرن جونز وغيرهما.
الألوان الرائعة واللمعان المتدرّج يعطيان للوحة قوّة إضافية. أما الخلفية فتُظهر أسلوبا قريبا جدّا من الأسلوب النقطي الذي كان يوظّفه الانطباعيون، خاصّة في عملية تمثيل الأمواج.
المعروف أن ووترهاوس رسم شخصيات شكسبيرية كثيرة، مثل كليوباترا واوفيليا وسيّدة جزيرة شالوت. ويقال أنه اختار في البداية أن يسمّي لوحته هذه "انتظار". لكنّه غيّر الاسم في ما بعد.
وربّما كان احد أسباب شهرة اللوحة هو أنها كانت مخفية طوال أكثر من ثلاثين عاما ولا احد كان يعرف مكانها. وقد استخدم لها الرسّام موديلا شابّة وجميلة هي شقيقته "جيسي" التي ظهرت في بعض أفضل أعماله مثل لوحته كلمات مهموسة.
المعروف أن هناك لوحة أخرى للفنّان رسمها في وقت مبكّر يصوّر فيها ميراندا وهي تجلس على صخرة قبالة الشاطئ وتراقب السفينة الموشكة على الغرق، بينما تنعكس أنوار المساء الناعمة لتضيء البحر والسماء.
على عادة الرومانسيين، كان ووترهاوس يقدّر القوّة التحوّلية والسحرية للطبيعة. كان مفتونا، على وجه الخصوص، بالماء، ربّما لأن اسمه مشتقّ منه، وأيضا بسبب الطبيعة التقليدية للماء باعتباره عنصرا أنثويّا.
كما تناول الفنّان في العديد من أعماله السحر والخيمياء كجانبين آخرين من جوانب الطبيعة الإنسانية. ويقال أن شخصيّة بروسبيرو في "العاصفة" اقتبسها شكسبير من خيميائيّ مشهور يُدعى جون دي، وكانت له ابنة تُسمّى "مدينيا". وفي زمانه، كان جون دي هذا معروفا بنجاحه في افتعال عاصفة بحريّة يُزعم أنها كانت السبب في إغراق مدمّرة الأرمادا عام 1588.
اسم ميراندا يعني الأعجوبة. وهي المرأة الوحيدة التي تظهر في المسرحية. وفي اللوحة نراها وعمرها خمسة عشر عاما، بينما كان عمرها عندما وصلت إلى الجزيرة مع أبيها لا يتجاوز الثلاث سنوات.
شخصيّة ميراندا كثيرا ما يُستشهد بها كنموذج للبراءة الكاملة التي لم يؤثّر عليها فساد الحياة ومكر البشر. كما أنها المثال النسائيّ الكامل الذي يتمنّاه كلّ رجل، فهي جميلة جدّا وذكيّة وحنونة ومتواضعة.
وشكسبير يجعلها مرغوبة أكثر من حيث أنها لم ترَ ولم تتحدّث مع إنسان من قبل باستثناء والدها. كما أن المسرحية تقدّمها كتجسيد للخيرية والطيبة. ولذا قيل انه يستحيل العثور على امرأة أخرى بمثل هذه الصفات المثالية في جميع أعمال شكسبير.
وفي نهاية المسرحية يعاقَب عمّها القاسي، بينما يقع في هواها فرديناند الذي يتمكّن من إعادتها إلى العالم الواقعيّ بعد أن يتوّجها ملكة على قلبه.
المعروف أن "العاصفة" كانت آخر مسرحية كتبها شكسبير. وقد ألهمت أحداثها عددا من الفنّانين الفيكتوريين فصوّروا مشاهد منها في أعمالهم الفنّية، مثل فرانك ديكسي وجون ميليه وهنري فوسيلي وانجيليكا كوفمان وآخرين.
المسرحية ألهمت أيضا أجيالا عديدة من الأدباء والكتّاب. ومن عباءتها خرجت أعمال أدبيّة كثيرة منها رواية كلاسيكية خيالية بعنوان "الكوكب الممنوع" تحوّلت في ما بعد إلى فيلم سينمائيّ.

Friday, September 02, 2005

لوحـات عالميـة – 35


نسـاء تاهيـتـي
للفنان الفرنسي بـول غوغـان، 1899

في بدايات حياته كان بول غوغان بحّارا ثم عمل لبعض الوقت في التجارة.
وفي عام 1874 بدأ يرسم. وعندما بلغ الخامسة والثلاثين، وبتشجيع من زميله الفنان كميل بيزارو، كرّس نفسه نهائيا للرسم متخلّيا عن مهنته ومنفصلا عن زوجته وأطفاله الخمسة.
وقد ربط غوغان نفسه بالانطباعيين فعرض أعماله معهم طوال ثمان سنوات.
وفي عام 1887 أبحر إلى بنما وجزر المارتينيك. واحتجاجا منه على ما كان يصفه بأمراض الحضارة، قرّر غوغان أن يعيش حياة بدائية. لكن المرض اضطرّه للعودة إلى فرنسا.
قضى الفنان السنوات التالية في باريس وبريتاني. وشهدت هذه الفترة لقاءه الغريب والمأساوي مع فان غوخ.
في عام 1891 باع غوغان 30 لوحة من أعماله وادّخر قيمتها لكي يذهب إلى تاهيتي. هناك قضى سنتين عاش خلالهما حياة فقر وعوز.
لكنه أنتج في تلك السنتين أفضل لوحاته على الإطلاق، كما كتب مذكراته الشخصية.
بعد ذلك عاد غوغان إلى باريس يعرض فيها أعماله ويشغل نفسه ببعض الاهتمامات الأخرى. لكنه لم يجن من المال سوى النزر اليسير.
وتحت وطأة إحساسه بالحزن والكآبة ونتيجة معاناته الطويلة مع مرض الزهري، اضطرّ غوغان في العام 1895 للرحيل مرّة أخرى إلى البحار الجنوبية حيث قضى هناك السنوات الأخيرة من حياته فقيرا بائسا.
وبعد سنتين حاول الانتحار لكنه فشل. وعاش خمس سنوات أخرى قضاها في الرسم قبل أن يموت أخيرا في جزر الماركيز.
اليوم يتبوّأ غوغان مكانة عالمية مرموقة بين مؤسّسي الفن الحديث وروّاده البارزين.
وقد رفض تقاليد المدرسة الطبيعية الغربية، واستخدم الطبيعة كنقطة بدء لرسم شخصيات تجريدية وخلق حالة من الإحساس العميق بالغموض لدى المتلقي.
لوحته "ثلاث نساء تاهيتيات" تعتبر من أشهر أعماله وهي رمز لتلك الفترة التي قضاها في تاهيتي.
وقد فُتن غوغان بنساء الجزيرة واكتشف أن قوامهن مشابه كثيرا لقوام الرجال وعمل جهده على أن يجسّد ملامحهن وسماتهن في لوحاته.
في هذه اللوحة، حاول غوغان أن يبرز الفروق الواضحة بين المرأة الفرنسية ذات الملامح الأنثوية الواضحة والمرأة البولينيزية التي تتمتّع بقوام رجولي فارع ومنكبين عريضين وُبنية بدنية قوية.
النساء التاهيتيات في لوحات غوغان يرفضن الموضة السائدة ومعها سلوكيات الايتيكيت الصارمة.
فهن يمِلنَ إلى ارتداء الملابس الفضفاضة التي لا تقيّد حركتهن. لكنها تسمح للناظر برؤية شيء من أجسادهن القويّة من خلال تلك الملابس التي أريد لها في الأساس أن تكبّل حركتهن وتخفي مفاتنهن عن الأنظار.

Thursday, September 01, 2005

لوحـات عالميـة – 34


مــوت سقــراط
للفنان الفرنسي جاك لوي دافيد، 1787

رسم الفنان الفرنسي دافيد هذا العمل التاريخي وهو في ذروة شعبيّته وحماسه.
فقد كان هذا الفنان جزءا من دائرة ضيّقة من الأصدقاء من مفكّرين وساسة وعلماء وكان من بينهم شيرنيير ولافاييت ولافوازييه الذين كانوا يضغطون من اجل إصلاحات سياسية راديكالية في فرنسا الملكية.
في 1787 أنجز دافيد رائعته "موت سقراط" التي تصوّر اللحظات الأخيرة في حياة المفكّر والفيلسوف الإغريقي العظيم.
كانت حكومة أثينا قد أصدرت حكمها على سقراط وخيّرته ما بين الموت أو النفي، عقابا له على دروسه ومحاضراته التي كانت تثير الشكوك في نفوس تلاميذه وتحرّضهم على احتقار الآلهة والتمرّد عليها.
وقد رفض سقراط النفي في النهاية وفضّل عليه الموت بتناول السم.
واصبح سقراط مثالا آخر على التضحية بالنفس في سبيل المبدأ.
في اللوحة يبدو سقراط متماسكا وقد غمرته غلالة من النور رمزا للخلود، بينما سيطر على اتباعه الحزن واليأس. ومن خلال توزيع الضوء والعتمة استطاع دافيد تحويل صورة من صور الشهادة إلى دعوة مدوّية للنبل والتضحية والثبات على المبدأ حتى في وجه الموت.
ويبدو سقراط مستمرّا في الحديث إلى تلاميذه حتى وهو يمدّ يده إلى كأس السم، مؤكّدا استهانته بالموت والتزامه الذي لا يهتز بأفكاره ومبادئه.
وبدا اتباعه ومريدوه وهم ملتفّون حوله في حزن، كاشفين عن ضعفهم وعجزهم أمام ذلك الامتحان العسير.
بعض المصادر التاريخية تذكر أن التلاميذ حاولوا إقناع سقراط بتهريبه إلى الخارج لكنه رفض الفكرة على اعتبار أنها خرق للقانون لا يصحّ ولا يجوز.
في الزاوية البعيدة من اللوحة يمكن رؤية زوجة سقراط وهي تغادر السجن ، بينما جلس تلميذه الوفيّ أفلاطون عند مؤخّرة السرير، وراح كريتو يمسك بقدم سيّده وهو يواسيه.
بالنسبة لمعاصري الفنان دافيد فإن المشهد يستدعي الأحداث الكبيرة التي شهدتها فرنسا في ذلك الوقت أي في العام 1787، مثل وأد محاولات إصلاح النظام الملكي وحلّ مجلس الأعيان والعدد الكبير من السجناء السياسيين داخل سجون الملك وفي المنفى.
وقد أراد دافيد من خلال هذه اللوحة إيقاظ الأنفس الخانعة وتحريضها على البذل والتضحية. أي أنها بمعنى ما دعوة صريحة لمقاومة السلطة الغاشمة.
وعندما كشف الستار عن لوحة "موت سقراط" كان توماس جيفرسون حاضرا وقد بهره المشهد كثيرا، بينما وصفها السير جوشوا رينولدز بأنها لا يمكن أن تقارن سوى برسومات ميكيل انجيلو في سقف كنيسة سيستين وبلوحة ستانزي لرافائيل.
قبل أن يشرع دافيد في رسم هذه اللوحة استشار لأسابيع طويلة أصدقاءه المقرّبين بشأن تفاصيلها ودلالاتها وقرأ العديد من المراجع التاريخية التي تحكي عن وقائع المحاكمة التي جرت في العام 399 قبل الميلاد. وقد استند في الأساس إلى رواية افلاطون عن الحادثة، لكنه أيضا اعتمد على مضمون كتاب للفيلسوف الفرنسي ديديرو. بينما استوحى منظر أفلاطون الجالس على طرف السرير من مقطع من رواية للكاتب الإنجليزي ريتشاردسون.
كان الفنان جاك لوي دافيد مصنّفا في عداد الفنانين النيوكلاسيكيين، وكان يروّج في أعماله لقيم التنوير والثورة الفرنسية
وقد كان الفيلسوف سقراط نفسه أولّ زعيم لأوّل حركة تنويرية في التاريخ دعت إلى تغليب العقل على الجهل والخرافة.

موضوع ذو صلة: صورة مدام ريكامييه

Wednesday, August 31, 2005

لوحـات عالميـة – 33


الطـفــل البـاكــي
للفنان الاسباني جيوفـاني براغوليـن

ربما تكون هذه اللوحة مألوفة للكثيرين..
جيوفاني براغولين "ويُعرف ايضا باسم برونو اماديو" لا ُيعرف عنه سوى انه عاش في فلورنسا ورسم سلسلة من اللوحات الفنية الجميلة لأطفال دامعي العيون تتراوح أعمارهم ما بين سنّ الثانية والثامنة، تحت عنوان "الطفل الباكي".
هذه اللوحة بالذات هي اشهر لوحات المجموعة وتصوّر طفلا ذا عينين واسعتين والدموع تنساب من على وجنتيه.
من الواضح أن هيئة الطفل تشعر الناظر بالحزن والشفقة وتلعب على وتر المشاعر الإنسانية بعمق.
لكن لهذه اللوحة قصّة أخرى غريبة بعض الشيء.
ففي العام 1985 نشرت جريدة الصن البريطانية سلسلة من التحقيقات عن حوادث اندلاع نار غامضة كان البطل فيها هذه اللوحة بالذات.
كانت اللوحة ذات شعبية كبيرة في بريطانيا حيث كانت ُتعلق في البيوت والمكاتب باعتبار مضمونها الإنساني العميق.
لكن الصحف ربطت بين اللوحة وبين بعض حوادث الحريق التي شهدتها بعض المنازل والتهمت فيها النيران كل شئ عدا تلك اللوحة.
وتواترت العديد من القصص التي تتحدّث عن القوى الخارقة التي تتمتع بها اللوحة وعن الشؤم الذي تمثّله، وكلما وقع حريق في مكان تشكّل تلك اللوحة عنصرا فيه، كلما أتت النيران على كلّ شئ واحالت المكان إلى رماد.
وحده الطفل الباكي كان ينجو من الحريق في كلّ مرة ودون أن يمسّه أذى!
ولم تلبث الجريدة أن نظّمت حملة عامّة أحرقت فيها آلاف النسخ من هذه اللوحة، واستغلّ الناس الفرصة ليخلّصوا بيوتهم من ذلك الضيف الصغير والخطير!
لكن القصّة لم تنته عند هذا الحدّ. فقد أصابت لعنة الطفل الباكي جريدة الصن نفسها، ليس بسبب حريق وانما بفعل الإضراب واسع النطاق الذي قام به عمّالها ومحرّروها وانتهى بطريقة عنيفة، ما دفع أصحاب الجريدة إلى التفكير جدّيا في إغلاقها في نهاية الثمانينات.
ومن يومها اصبح كل من يعتبر الطفل الباكي نذير شؤم وعلامة نحس عازفا عن شراء أيّ منظر لطفل حزين ذي عينين واسعتين!
لكنّ ذلك كله لم يؤثر في الكثيرين ممن اعتادوا على رؤية اللوحة والإعجاب بفكرتها ومحتواها الإنساني، وافضل دليل على ذلك أن اسم اللوحة تحوّل إلى عنوان لـ موقع اليكتروني يضمّ نسخا مكبّرة من كافّة أعمال براغولين التي رسمها تحت نفس العنوان.

موضوع ذو صلة: لعنة الصبيّ الباكي

Tuesday, August 30, 2005

لوحـات عالميـة – 32


صقــور اللـيــل
للفنان الأمريكي ادوارد هـوبـر، 1942

هذه اللوحة تعتبر من أشهر الأعمال الفنية التي أنجزت خلال القرن العشرين.
وفيها يصوّر ادوارد هوبر مطعما ليليا على مفترق شارعين في أحد أحياء نيويورك الكبرى.
تفاصيل اللوحة رُسمت بعناية. والفكرة الكامنة فيها تتجاوز الحيّز أو المكان الجغرافي. فهي تصوّر مطعما بداخله أربعة زبائن، وكلّ منهم منشغل بنفسه.
لقاء الأشخاص هنا عارض، وعلاقتهم ببعضهم محض مصادفة. وهم لا ينظرون إلى بعضهم ولا يحسّون بوجود بعضهم البعض. بل يبدون وكأنهم مسجونون داخل قضبان إحساسهم بالغربة وفقدان الانتماء.
الضوء الصارخ يوحي بالانكشاف والأشخاص عالقون في مكان ما بين الظلمة والنور. ووجودهم يشبه وجود من نجا من عالم عدائي وفاسد.
وقد تعمّد الفنان عدم ترك اثر لبوّابة أو مدخل، ومن ثم فإن انتباه الناظر يذهب تلقائيا إلى الضوء فيما حُجبت بقية المشهد الداخلي بزجاج قاتم.
ادوارد هوبر أراد من خلال هذه اللوحة تصوير الشعور بالعزلة والغربة والخواء الذي يلفّ حياة البشر في المدن الكبرى، حيث الناس يعيشون في جزر منفصلة ويجهل بعضهم بعضا.
وعالم الرسّام هو عالم المدينة بتعقيداتها ونظمها وقيَمِها. وهو يقدّم رؤية عن مدينة مليئة بالحيوات المنعزلة والمتشظّية. وكلّ إنسان لا يعرف شيئا عن الآخر، تماما مثل قطع صغيرة رُكبّت في ماكينة ضخمة.
وفي بعض لوحاته يبدو الأشخاص منعزلين عن بعضهم حتى عندما يجمعهم نفس المكان. كما أنهم يتحاشون النظر إلى بعضهم وكأن كلّ واحد يريد أن يعيش لوحده في كونه الخاصّ به.يقول بعض نقاد الفنّ إن ادوارد هوبر يشبه إلى حدّ ما الفنان الميتافيزيقي دي كيريكو. غير أن مشاهد هوبر تبدو مألوفة أكثر كما أنها أكثر تماسّا واتصالا بواقع الحياة.
وهناك من يرى في لوحاته عزلة ووحدة واغترابا. لكنّ هوبر يفسّر الوحدة بأنها الإحساس بالذات باعتبارها مختلفة عن ذوات الآخرين. وهو شعور قد لا يقتصر على الأمريكيين وحدهم.
وهناك وجهة نظر تقول إن ميزة هوبر الأساسية هي أنه جعل العزلة والاستبطان ليس فقط ثيمة مهمّة في لوحاته، بل وموضوعا مقبولا لدى الناس، وهو ما يفسّر شعبية لوحاته الكبيرة.
على الجانب الشخصي، كان هوبر يوصف بأنه رجل هادئ جدّا ومتحفّظ للغاية. لم يكن بوهيمياً ولا فوضوياً. حتى عندما زار باريس، لم تجتذبه مقاهيها ولا صخبها وأضواؤها. وقد نُقل عنه انه قال ذات مرّة: أن تعشق العزلة، هذا يعني أن العالم ليس مكانا جيّدا بما فيه الكفاية بالنسبة لك".
بعض النقّاد يشيرون إلى أنه رغم ما تختزنه مشاهد هوبر من حزن وألم، فإنها لا تخلو أحيانا من بعض العاطفة والأمل. فالشخوص المنعزلون في غرَفهم نصف الفارغة لا يبدون في هيئة الضحايا. إن كلا منهم يبحث عن شيء ما من خلال النظر إلى النافذة أو إلى داخل الذات أو التأمّل في الظلام أو في العالم من حوله.
وكلّ واحد ما يزال يحتفظ بحلم ما، بتوق، وبإحساس أن هذه اللحظة ستعبُر إن آجلا أو عاجلا وأن ثمّة شيئا ما مجهولا، شيئا ليس له اسم ويصعب التنبّؤ به، على وشك أن يقع.
كان هوبر يكشف عن نفسه كمراقب عن كثب للناس وللأمكنة. وكان يرصد التغيير الاجتماعي الذي بدأ يعيد صياغة الحياة الحضرية في أمريكا أثناء وبعد فترة الكساد الكبير وما رافقه من انخراط نساء الطبقة الوسطى في سوق العمل وما أحدثه ذلك من تغيير في القيم العائلية والاقتصادية والاجتماعية.
وقد نشأ الفنان وعاش في نيو إنغلاند التي كانت دائما تتمتّع بمكانة مهمّة في الوعي الوطني للأمريكيين بقيمها الطهرانية وبكتابات رالف ايمرسون. بل لقد كانت توصف أحيانا بأنها التجسيد الكامل للشخصية الأمريكية النموذجية.
في ما بعد، زار هوبر باريس. حدث هذا في نهاية العام 1882 م. لكن لم يجذب انتباهه رسّاموها الطليعيون بل وأنكر في ما بعد انه سمع بـ بيكاسو. غير أن لوحاته تذكّر بـ مونيه وبيسارو وسيزان.
لوحة "صقور الليل" تعتبر نموذجا بليغا حاول هوبر من خلاله تصوير جدب الحياة ووحشتها في ضواحي المدن الكبيرة. والبعض يشبّهها بالمقهى الليلي لـ فان غوخ وبطرقات دي كيريكو المقفرة والموحشة.

موضوع ذو صلة: إدوارد هوبر.. شاعر العزلة

Monday, August 29, 2005

لوحـات عالميـة – 31

اورفيـوس
للفنان الفرنسي غوستاف مورو، 1949

كان غوستاف مورو رسّاما غير تقليديّ. وكان يفضّل دائما أن يكون له أسلوبه الخاصّ بدلا من إتباع التقاليد الفنّية التي كانت سائدة في عصره.
كما كان معروفا على وجه الخصوص برسوماته الرمزية والغامضة. وأكثر أعماله تعكس اهتمامه الكبير بالدين والأساطير.
وهناك ثيمات محدّدة تتكرّر كثيرا في رسوماته، وإحداها هي ما عُرف بفكرة المرأة القاتلة كما تجسّدها لوحته عن سالومي مثلا.
وهذه اللوحة هي واحدة من أشهر أعماله التي تُظهر ولعه بتصوير القصص والأساطير القديمة.
اورفيوس في الأسطورة كان معروفا ببراعته في العزف على القيثارة، إلى جانب إتقانه فنون السحر والحكمة. وكان عزفه يفتن الحيوانات وغيرها من الكائنات. وقد أحبّ يوريديسي وتزوّجها، لكنها سرعان ما ماتت بلدغة ثعبان.
وقد اعتبر اورفيوس أن ما حدث لحبيبته لم يكن عدلا، فقرّر الذهاب إلى العالم السفليّ وإعادتها إلى الحياة. وكان سلاحه في تلك المغامرة هو موسيقاه التي سحر بها الأشباح وآلهة الموت.
لكن أثناء عودته هو ويوريديسي إلى عالم الأحياء، التفت وراءه ليتحقّق من أن زوجته تتبع أثره. وكان في ذلك إخلال بالعهد الذي قطعه للإله هيدز، الأمر الذي دفع الأشباح إلى اختطاف يوريديسي وإعادتها ثانية إلى عالم الأموات.
وهنا يقع اورفيوس مرّة أخرى فريسة للحزن والأسى ويقرّر تجنّب مصاحبة النساء طيلة حياته، ممّا يجلب عليه غضب المينادات اللاتي هجمن عليه في أحد الاحتفالات ومزّقن جسده عقابا له على صدّه وتجاهله لهنّ.
العديد من الفنّانين الذين تناولوا هذه القصّة اختاروا أن يرسموا الحدث المروّع، أي مشهد النساء الغاضبات وهنّ يقتلن اورفيوس. غير أن مورو فضّل أن يرسم فكرته الشخصية عن ما الذي حدث بعد القتل المأساويّ. وفي مقاربته للأسطورة، رسم فتاة ترتدي ملابس أنيقة وهي تحمل رأس اورفيوس المقطوع والموضوع فوق قيثارته وتنظر إليه وكأنها منوّمة مغناطيسيّا.
المرأة، بشخصها الطويل وملابسها الشرقية وقدميها الضخمتين نسبيّا، تقف في طبيعة ايطالية بألوان ضبابية وتنظر إلى الرأس بحزن، متأمّلة أغصان نبات الغار التي تطوّقه والقيثارة ذات الزخارف الجميلة.
وجها اورفيوس والمرأة متشابهان بعيونهما المغلقة وملامحهما الحزينة. وتدرّجات الألوان على فستان المرأة وأنماط الأزهار الشائكة التي تزيّنه لافتة وتنمّ عن براعة خاصّة.
بعض النقّاد يقارنون تجسيد مورو لأورفيوس بلوحته عن سالومي ورأس يوحنّا المعمدان. كما يشير البعض الآخر إلى أن الكثير من تفاصيل الطبيعة التي رسمها في هذا العمل تستند إلى لوحة دافنشي "عذراء الصخور".
إلى اليمين وبين التشكيلات الصخرية، نلمح نهرا جليديّا صغيرا يتلوّى عبر الطبيعة البعيدة. والسماء المخيّمة تضفي هالة صفراء على المنظر المتخيّل.
وهناك في اللوحة بعض التفاصيل الأخرى الغريبة، مثل منظر الرعاة الواقفين فوق القوس الصخريّ الضخم في خلفية الصورة وهم يعزفون الموسيقى. وفي أسفل الصورة إلى اليمين تظهر سلحفاتان يوحي شكلهما بأنهما من عصور ما قبل التاريخ، وفي هذا تلميح إلى ما يقال من أن أوّل قيثارة في العالم صُنعت من أصداف وذيل سلحفاة.
هذا المنظر الهادئ والمغمور بالضوء والذي تغلب عليه الفانتازيا والغموض اختار له الرسّام توليفا معقّدا وخلفية خيالية تذكّر بأسلوب دافنشي أو رافائيل.
وعندما عرضه في صالون باريس لأوّل مرّة حرص على أن يرفق معه شرحا يقول فيه: فتاة تحمل رأس اورفيوس وقيثارته بعد أن حملتهما مياه نهر هيبروس إلى شواطئ جزيرة ثريس".
صاحب القصّة الأصلية، أي اوفيد، يذكر في "التحوّلات" أن المينادات غضبن من اورفيوس ومزّقن جسده وألقينه في النهر. ثم جرفت المياه الرأس والقيثارة إلى جزيرة ليزبوس. لكنّه لا يذكر أن فتاة من جزيرة ثريس عثرت على الرأس. وواضح أن هذه الجزئية أتى بها الرسّام من خياله.
كان مورو يشبّه لوحاته بالقصائد السيمفونية من حيث انه يشحنها بالتفاصيل كصدى للفكرة الرئيسية لكي يضفي عليها أكبر قدر من الرمزية.
وقد كتب عنه احد النقّاد في زمانه قائلا انه رسّام غير عاديّ، وهو اقرب ما يكون إلى متصوّف حبيس في بيته الذي لا يدخله شيء من صخب الحياة اليومية. وفي نشوته تلك يرى أحلاما خيالية".
لم يكن من عادة مورو أن يكشف عن أيّ من لوحاته قبل أن تكتمل. وكان بطبيعته شخصا متكتّما، وقد قاوم إغراء عرض أعماله على الملأ أثناء حياته. ورسم أكثر من أربعمائة لوحة، ولم يكن ينوي أبدا أن تباع أو يراها احد. وعندما استشعر دنوّ الموت، قام بإتلاف بعض أوراقه بالإضافة إلى عدد من دراساته وتصاميمه الأوّلية، لأنه كان يؤمن بأن الناس لا يجب أن يروا سوى اللوحات الكاملة.
ولد غوستاف مورو عام 1826. وعندما أكمل الثامنة من عمره، كان قد بدأ يرسم كل ما تقع عليه عيناه. وقد شجّعه والده بعد أن أيقن أن ابنه سيغدو رسّاما حقيقيّا، وساعده على أن يقرأ في الأدب والفلسفة والتاريخ والشعر لكي تنمو مخيّلته وحسّه الجماليّ. ويقال انه تأثّر بديلاكروا الذي كان معاصرا له.
وفي شبابه ذهب الرسّام إلى ايطاليا، ومكث فيها عامين درس خلالهما أعمال كبار رسّامي عصر النهضة. وقد أصبح عاشقا لميكيل انجيلو بعد أن رأى رسوماته في سقف كنيسة سيستينا.
كما قضى بعض الوقت في فيللا ميدتشي التي قابل فيها إدغار ديغا الذي كان بدوره يبحث عن معلّم ووجده في شخص مورو. وقد جمع الاثنين همّ مشترك يتمثّل في كيفية إعادة رسم المواضيع التاريخية بروح جديدة.
ظلّ مورو عازبا طوال حياته بعد أن كرّس كلّ وقته واهتمامه لرعاية أمّه المريضة وحتى وفاتها. لكنه قابل في ما بعد امرأة تُدعى الكسندرين دورو، لعبت في ما بعد دور الملهمة بالنسبة له. وقد ظلا معا لأكثر من عشرين عاما، لكنّهما لم يتزوّجا أبدا لأسباب غير معروفة. وعندما توفّيت المرأة بنى لها صرحا في المقبرة التي كان يعرف مسبقا انه سيُدفن فيها.
قصّة هبوط اورفيوس إلى العالم السفليّ كانت رائجة كثيرا في خمسينات وستّينات القرن قبل الماضي، وكانت فكرة مفضّلة عند الرمزيين بشكل خاصّ. وقد تحوّلت إلى فكرة ترمز للعاشق الذي يحاول استعادة حبيبته وتخليصها من براثن الهلاك، لكنه يفقدها ويفقد نفسه في النهاية نتيجة تسرّعه وحرصه المفرط.
وعبر العصور المتعاقبة، كانت الأسطورة موضوعا للكثير من القصص والمسرحيات وقصائد الشعر والأعمال التشكيلية والمعزوفات الموسيقية. ومن بين من رسموها كلّ من لويس فرانسيز واميل ليفي وجان ديلفيل والكسندر سون. ومن أشهر من كتب عن القصّة من الأدباء كلّ من بول فاليري وستيفان مالارميه. كما استلهمها بعض مشاهير الموسيقيين أمثال سترافينسكي وأوفنباخ وفاغنر وغيرهم.
وبحلول نهاية القرن قبل الماضي، كان قد أصبح هناك ذخيرة من الأعمال التشكيلية التي تمتلئ بالرؤوس المقطوعة والنساء الشيطانات والصمت المخدّر والأساطير المستبطنة والتي يمكن أن يعزى أثرها إلى لوحة مورو هذه.

Sunday, August 28, 2005

لوحـات عالميـة – 30

نـشـوة
للفنان الأمريكي ماكسفيلـد باريـش، 1930

في مطلع القرن الماضي كان ماكسفيلد باريش أحد ثلاثة فنانين كانوا الأكثر شعبية في العالم، اعتمادا على نسبة مبيعات أعمالهم. أما الاثنان الآخران فكانا فان غوخ وبول سيزان.
وبحلول عام 1925 كان بالإمكان رؤية لوحات باريش في واحد من كلّ أربعة بيوت في أمريكا. فقد كانت سماواته الزرقاء اللامعة وطبيعته القشيبة وشخصيّاته الحالمة علامة فارقة استمرّت في إثارة مخيّلة الناس لزمن طويل.
وفي ما بين الحربين العالميتين كان ُينظر إلى باريش باعتباره رمبراندت الثاني.
كان احد مصادره المهمّة طبيعة الشمال الأمريكي الشديد البرودة، حيث أشجار السنديان الكثيرة والجبال القرمزية ونوعية الضوء الذي يثير الخيال ويولّد الأفكار والصور.
وتتكرّر في لوحاته المناظر الرعوية والنساء الحالمات ومشاهد الغروب الأرجواني التي تستدعي جوّا من الهدوء والطمأنينة.
وعندما كانت لوحة من لوحاته توضع في صالة للعرض، كان الجمهور يتقاطر بالآلاف لمشاهدتها.
هذه اللوحة تعتبر من بين أجمل أعمال باريش وأكثرها رواجا، وفيها يصوّر امرأة حسناء تقف على حافة منحدر صخري محدّقة في السماء، بينما راح النسيم يداعب خصلات شعرها.
اللوحة تتسم بالحيوية والتناسق اللوني الجميل المكوّن من ظلال وتدرّجات الأزرق والبنفسجي والبرتقالي.
وقد استخدمت هذه اللوحة وغيرها من أعمال باريش في تزيين الكتب والتقاويم والإعلانات وأغلفة المجلات والروايات العاطفية على امتداد أجيال عديدة.
لم يكن باريش منتميا إلى مدرسة فنّية بذاتها، بل كان تقليديا أحيانا ومبتكرا أحيانا أخرى.
كان صاحب موهبة غير عاديّة في استخدام الألوان وخلق عوالم فانتازية تشدّ إليها الصغار والكبار معا.
وقد كان بارعا، على وجه الخصوص، في توظيف اللون الأزرق الذي يميّز لوحاته بظلاله المختلفة والمتدرّجة من اللازوردي والنيلي والأزرق.
وكثيرا ما امتدح النقاد تقنياته المتفرّدة في استخدام اللون والضوء. وبعض مشاهده أشبه ما تكون بانعكاسات بحيرة تتلامع على أسطحها الألوان المتموّجة والبديعة.
في مطلع ثلاثينات القرن الماضي، عندما كان باريش في أوج شهرته، قرّر انه ملّ من رسم الفتيات اللاتي يقفن فوق الصخور، وبدأ في رسم مناظر لطبيعة صامته لا تتضمّن أشخاصا. غير أنها لم تجذب اهتمام الناس كثيرا ولم تكن لها نفس شهرة أعماله الأولى.
من أهمّ لوحاته الأخرى الفجر Daybreak التي تعتبر من أشهر الأعمال التشكيلية التي ظهرت في القرن العشرين. ويقال إنها في وقتها كانت أكثر شعبية في أمريكا من لوحات وارهول ودافنشي. غير أن للفنان أعمالا أخرى لا تقلّ شهرةً مثل "ملك الجزر السوداء" و"النجوم" و"عازف العود" و"حدائق الله".
وقد كان باريش متميّزا كثيرا في الرسوم الإيضاحية وظهرت رسوماته في العديد من القصص والروايات الخيالية وأشهرها ليالي ألف ليلة وليلة وسندريللا.
كما اجتذبت لوحاته وما زالت كبار الموسيقيين الذين وظّفوها في تزيين أعمالهم الموسيقية مثل اينيا ومايكل جاكسون وإلتون جون وغيرهم.
يقال أحيانا إن لوحات ماكسفيلد باريش فقدت مع مرور الزمن بعض أصالتها وعفويتها. لكن الطلب المستمرّ عليها يؤشّر إلى إن الجمهور ما يزال مفتونا بصور الرسّام ومناظره الجميلة التي تجمع بين الرومانسية والفانتازيا.