Saturday, June 18, 2011

لوحات عالميـة – 279

بورتريه الأميرة ماري دي برويي
للفنّان الفرنسي جـان دومينيك آنغـر، 1853



كان دومينيك آنغر قارئا نهما لكتب الأدب والتاريخ. وقد اطلع على كتب هوميروس ودانتي وفيرجيل في مراحل مبكّرة من حياته. ولم يكن مستغربا أن يختار للعديد من لوحاته مواضيع أدبية. كما كانت تستهويه قراءة سير حياة الرسّامين الذين أتوا قبله.
وكان يروق له، على وجه الخصوص، رسم اللحظات الإنسانية الحميمة، مقابل نفوره من تصوير المعارك ومشاهد العنف في لوحاته. لكنه أيضا رسم عددا من اللوحات التي تصوّر محظيّات، متأثّرا بكتابات الليدي ماري مونتغيو زوجة سفير انجلترا في تركيا آنذاك والتي وصفت بعض مشاهد وقصص الحريم في يوميّاتها ورسائلها. وقد فتنت تلك الكتابات عند نشرها المجتمع الأوربّي بأسره وأسهمت إلى درجة كبيرة في صوغ فكرة الأوربيين عن بلاد الشرق.
في بعض الأحيان، كان دومينيك آنغر يعبّر عن ضيقه من رسم الصور الشخصية. لكنه مع ذلك رسم العديد من الشخصيات البارزة في عصره. هذه اللوحة الرائعة للأميرة ماري دي برويي هي آخر لوحة كُلّف برسمها لامرأة.
بدأ آنغر رسم البورتريه عام 1851 عندما كان عمر المرأة ستّة وعشرين عاما، وكان هو وقتها في الثانية والسبعين.
كانت هذه الأميرة معروفة بسعة ثقافتها وبجمالها العظيم وكذلك برزانتها وتحفّظها. والبورتريه يلتقط هذه الصفات ويبرزها بوضوح.
قدرة آنغر على أن يختزل ببراعة الخصائص المادّية للأشياء واضحة في شكل الساتان والدانتيل الغنيّ الذي يظهر على ثوب المرأة، وعلى المفروشات الحريرية، وعلى وشاح المساء المطرّز بطريقة رائعة والمنسدل على الكرسي.
أيضا من الأشياء الأخرى المرسومة بتفصيل بارع المجوهرات الباذخة التي ترتديها الأميرة، بما في ذلك القلادة الحديثة التي تزيّن عنقها.
وعندما تتأمّل تفاصيل اللوحة عن قرب، ستكتشف أن كلّ خيط في الفستان الحريري الأزرق الخفيف، وكلّ ثنية ونمط في غطاء الكرسي الأصفر مرسومة ومسجّلة بدقّة.
لكن يبدو أن الرسّام كرّس الجانب الأكبر من براعته الفنّية في رسم الرأس، ابتداءً من الشعر الناعم إلى الأنف الارستقراطية وانتهاءً بشكل الفم المحتشم.
واللوحة تناسب معايير آنغر المستمدّة من الفنّ الكلاسيكي الإغريقي والروماني. وبعض النقّاد يعتبرونها أعظم لوحات الفنّان التي رسمها لنساء.
الشاعر بودلير قال مرّة عن دومينيك آنغر: كان يحبّ النساء كثيرا. وكان يرسمهنّ كما يراهن. ويبدو انه عندما كان يحبّ امرأة أكثر من اللازم، كان يعمد إلى تغييرها. آنغر يتعامل مع الجمال بحرص جرّاح، ويتابع تفاصيله الحسّية بإخلاص عاشق".
كان تأثير آنغر على الرسّامين الذين أتوا بعده كبيرا. ومن ابرز من تأثّروا به ديغا الذي درس على يد احد تلاميذ آنغر الكبار. وفي القرن العشرين كان من بين من تأثّروا به كلّ من بيكاسو وبوغرو وكابانيل، بالإضافة إلى هنري ماتيس الذي كان يعتبره أول رسّام استخدم ألوانا نقيّة.
ماري دي برويي لم تكن امرأة جميلة فقط، بل كانت سيّدة عظيمة أيضا. ومن ذرّيتها خرج بعض ابرز النقّاد والكتّاب والعلماء والفنّانين الفرنسيين المعروفين.
وقد توفّيت الأميرة على إثر إصابتها بمرض السلّ عن عمر لا يتجاوز الخامسة والثلاثين تاركة وراءها خمسة أبناء. واحتفظ زوجها بهذا البورتريه وفاءً لذكراها. وظلّت عائلته تتوارثه جيلا عن جيل إلى أن اشتراه قبل سنوات المليونير الأمريكي روبرت ليمان مع إطاره الأصلي المزيّن بزخارف جميلة اختارها آنغر بنفسه.
كان دومينيك آنغر معروفا أيضا بعشقه للعزف على آلة الكمان. وإليه يعود الفضل في إدخال مصطلح "فيولين آنغر" إلى اللغة الفرنسية، وهو تعبير يشير إلى إتقان الشخص مهارة ثانية إضافة إلى مهارته الأصلية التي يعرفه بها الناس.
وقد توفّي آنغر بالالتهاب الرئوي في يناير من عام 1867 ودُفن في إحدى مقابر باريس. وقبيل وفاته، أوصى بأن يؤول محترفه والمئات من لوحاته، بالإضافة إلى آلته للكمان إلى متحف مدينة مونتوبان الذي أصبح اليوم يحمل اسم متحف دومينيك انغر.