Sunday, December 27, 2009

لوحات عالميـة – 229

بورتريه شخصي مع تمثال نصفي لـ مينيرفا
للفنانة السويسرية أنجيـليكـا كوفمــان، 1780

فنّانون كثر كانوا مشهورين جدّا في زمانهم ثم نسيهم التاريخ لفترة طويلة. وفجأة ولسبب ما، يتذكّرهم الناس مرّة أخرى وتسلّط الأضواء على حياتهم وفنّهم من جديد.
ومن بين هؤلاء الرسّامة انجيليكا كوفمان التي احتفلت الأوساط الفنّية مؤخّرا بمرور مائتي عام على وفاتها.
كانت كوفمان تتمتّع بشهرة عظيمة في عصرها. بل لقد قيل إنها كانت أشهر فنّانة في روما وكان صالونها ملتقى لأبرز الأدباء والمثقّفين في ذلك الزمان. كما ربطتها علاقة صداقة خاصّة مع الفيلسوف والشاعر الألماني غوته الذي كثيرا ما امتدح ثقافتها ومواهبها الكثيرة. وقد ردّت على ثنائه عليها بأن رسمت له بورتريها عندما كان عمره 38 عاما.
كانت كوفمان رسّامة الملوك والملكات في أوربّا وكانت ترتبط بعلاقة وثيقة مع معظم الأسر الملكية الأوربية. وأينما حلّت كانت تجد الترحاب والحفاوة بسبب موهبتها وجمالها، وأيضا بسبب تلك الهالة من القداسة والبراءة التي كانت تحيط بشخصيّتها.
كانت تلقّب بالآنسة انجيل أو مِس انجيل. وقد قيل إن ملامحها تعطي انطباعا عن امرأة لا تنتمي إلى هذا العالم. وكانت تلك الشهادة بالنسبة لها سلعة غالية ولا تقدّر بثمن. وبسبب حضورها الكبير وجاذبيتها الطاغية كان البعض يلقبّها بربّة الإلهام العاشرة لروما.
في هذا البورتريه الذي رسمته الفنّانة لنفسها تبدو هادئة وواثقة من نفسها. مظهرها العام يشبه مظهر سيّدة مجتمع مثقّفة وعصرية. وهي تنظر إلى المتلقّي بينما تمسك كرّاس الرسم بيد وباليد الأخرى قلما من الشمع. وإلى يمينها تمثال نصفي لـ مينيرفا الإلهة الأسطورية المناط بها رعاية الفنّانين وأرباب الحِرَف. وثمّة احتمال بأن الرسّامة أرادت من خلال التمثال أن تؤكّد أوّلا على أنها فنانة ولكي تعلن عن تعاطفها وانحيازها للرسم الكلاسيكي.
المعروف أن مينيرفا خاضت حربا مع نيبتون للسيطرة على أثينا. وقد كسبت الحرب في النهاية رغم كونها إلهة أنثى. وفي هذا - ربّما - تلميح إلى حتمية نجاح النساء في الفنّ وتبوّئهن مكانة شبيهة بتلك التي للرجال.
في البورتريه أيضا تظهر الرسّامة مرتدية فستانا بلونين بنّي وأبيض زُينّت أطرافه بالفراء.
شكل القماش والسوار الفضّي والبشرة الشفّافة وقلم الألوان واليدين اللتين تمسكان به والألوان المتناغمة، كلّ هذه العناصر مرسومة بدقّة ونعومة. النظرات ذكيّة والابتسامة خفيفة، والانطباع العامّ الذي تثيره اللوحة هو أننا إزاء امرأة تكشف الطريقة التي تقدّم بها نفسها مع أدوات حرفتها عن قدر وافر من الثقة والإصرار والعزيمة.
تلقت كوفمان تدريبا في الرسم على يد والدها الذي كان يعمل بتزيين الكنائس وزخرفتها. وقد أتقنت الرسم وهي في سنّ العاشرة وسافرت مع أبيها إلى عدّة دول أوربية حيث دأبت على استنساخ العديد من لوحات كبار رسّامي عصر النهضة.
وقد عاشت الرسّامة في لندن ستّة عشر عاما وكانت احد مؤسّسي الأكاديمية الملكية، كما كانت المرأة الوحيدة التي تُختار لعضوية كل من الرويال أكاديمي في لندن وأكاديمية روما للفنون.
كانت انجيليكا كوفمان بالإضافة إلى اشتغالها بالرسم امرأة مثقفة. كانت تقرأ بنهم وتعزف الموسيقى وتتقن العديد من اللغات، الأمر الذي قرّبها كثيرا من مجتمع الأدباء والكتّاب في أكثر من بلد أوربّي.
وقد رسمت شعراء وروائيين ومسرحيين بالإضافة إلى لوحاتها الأخرى التي اختارت لها مواضيع تاريخية وأسطورية. وقد الفت عنها كتب عديدة أشهرها كتاب مِس انجيل الذي تناول حياتها وفنّها ودورها في تشكيل الثقافة البصرية الأوربّية.
وقد رسمت الفنانة لنفسها أكثر من بورتريه، وكانت تحاول من خلال رسم نفسها إضفاء طابع درامي على شخصيّتها. وقد أعطت ملامحها لبعض الشخصّيات النسائية التي رسمتها مثل هيلين أميرة طروادة و سافو الشاعرة اليونانية المشهورة.
ويقال إن حياتها المثيرة والمتعدّدة الألوان تصلح موضوعا لأكثر من رواية بسبب قصص الحبّ الكثيرة التي عاشتها، وأشهرها قصّة زواجها من رجل زعم انه "كونت" ثم تبيّن انه كان مجرّد شخص محتال.
وعندما توفّيت في روما عام 1807 نُظّمت لها جنازة قيل إنها أضخم جنازة شهدتها ايطاليا منذ وفاة رافائيل.
ولوحاتها تتوزّع اليوم على عدد من المتاحف الكبيرة في أوربّا مثل الارميتاج والناشيونال غاليري ومتحف ميونيخ للفنون.