Sunday, October 22, 2006

لوحات عالميـة - 111

فتـاة باكيـة
للفنّان الأمريكي روي ليكتنـشتايـن، 1963


مثل زميله ومواطنه اندي وارهول، كان روي ليكتنشتاين يستمدّ مواضيع أعماله الفنيّة من تفاصيل النمط الاستهلاكي ومن مفردات الثقافة الشعبية التي كانت رائجة في الولايات المتحدة خلال ستّينات القرن الماضي.
كان ليكتنشتاين يتابع الأفلام السينمائية ومسلسلات التلفزيون والإعلانات التجارية ويقرأ ما ُينشر في الصحف والمجلات من قصص ورسومات كاريكاتيرية. ثمّ يحوّل اللقطات إلى أفكار وانفعالات يعبّر عنها برسومات رمزية أو تجريدية.
ولد الرسّام في نيويورك في العام 1923 لعائلة تنتمي إلى الطبقة الوسطى وأبدى ميلا للرّسم وهو بعدُ في سنّ مبكّرة. ثم تلقّى دروسا في الرسم في مدرسة بارسونز للتصميم. كما درس لبعض الوقت على يد ريجنالد مارش قبل أن يتابع تعليمه في جامعة ولاية أوهايو. وفي عام 1943، دخل التجنيد الإلزامي وخدم في أوروبّا. وعندما عاد إلى الولايات المتحدة عمل محاضرا في الجامعة.
كان ليكتنشتاين يركّز في رسوماته على استخدام الألوان الأحمر والأزرق والأصفر وأحيانا الأخضر. وكان يستعيض عن ظلال الألوان باستخدام النقاط المكثّفة. ولطالما تحدّث عن تأثّره بكلّ من مونيه، وبيكاسو في مرحلتيه الزرقاء والزهريّة. إحدى خصائص لوحاته المبتكرة ذات المضامين الاجتماعية هي أنها تمزج بين سمات العديد من الحركات الفنية التي ظهرت في أواخر القرن العشرين.
"فتاة باكية" هي مثال نموذجي على طريقة وأسلوب ليكتنشتاين في الرّسم. وهي تصوّر فتاة دامعة العينين وعلى وجهها علامات الخوف، بينما راحت تقضم أظافرها من فرط شعورها بالتوتّر والصدمة.
تفاصيل اللوحة وطريقة الفنّان في رسم الخطوط وتوزيع الألوان تذكّرنا بالرسومات الكاريكاتيرية. لكن التعابير الانفعالية هنا قويّة ودراماتيكية.
بعد أن أنهى دراسته الجامعية، رسم ليكتنشتاين لوحات تجريدية وتعبيرية. وكانت مواضيعه المفضّلة آنذاك تتراوح بين النباتات والنساء في الحدائق والحيوانات البرّية، فضلا عن تصويره لفرسان ومعارك من القرون الوسطى. وكان في بعض تلك اللوحات يحاكي أساليب كاندينسكي وبول كلي وبيكاسو وخوان ميرو. وبعض أعماله يمكن اعتبارها تفسيرا للأساليب الفنّية المتأخّرة مثل التكعيبية والمستقبلية والسوريالية.
في الثمانينات والتسعينات، بدأ الرسّام يمزج ويقارن بين أساليب مختلفة. وأصبحت أعماله تعتمد غالبا على الحيل البصرية، وكأنه يدعو المتلقّي للدخول في نقاش حول طبيعة وكنه الواقع. وكثيرا ما كانت تلك الأعمال ممزوجة بروح الدعابة والعبث التي تميّز بها دائما.
استمرّت مسيرة روي ليكتنشتاين الفنّية خمسة وثلاثين عاما تمكّن خلالها من تطوير لغة بصرية جديدة وخاصّة به، ما سهّل له الطريق نحو الشعبية والرواج. وقد تسابق على شراء لوحاته الكثير من المتاحف والمجموعات الخاصّة، الأمر الذي عُدّ اعترافا بانجازاته. كما دُرست أعماله مرارا وعُرض بعضها في العديد من المعارض والمزادات الفنية.
لوحته التي رسمها عام 1964 بعنوان "اووه.. حسنا"، والتي تصوّر بطريقة هزلية امرأة يائسة تمسك بجهاز هاتف، بيعت قبل فترة في مزاد بـ لندن بمبلغ ثلاثة وأربعين مليون دولار. وهو رقم قياسي يتفوّق على لوحة وارهول عن علبة الحساء الشهيرة.
بعض بواكير أعمال ليكتنشتاين كانت عبارة عن رسوم ساخرة عن ميكي ماوس ودونالد داك. ويبدو انه وجد في تلك الرسومات علامته الفارقة، بالإضافة إلى أنها كانت تثير في نفسه إحساسا ساحرا ببساطة وبراءة الطفولة.
الغريب انه بعكس الانطباع الذي قد يكوّنه المرء عند رؤية أعماله، كان الرسّام يمهّد للوحاته بالكثير من الدراسة والتحضير.
كان ليكتنشتاين يهتمّ كثيراً بتصوير انفعالات ونزوات الناس في حياتهم اليومية. ولهذا السبب ُيصنّف على أنه أحد الممثّلين الكبار لما أصبح ُيعرف في ما بعد بالفنّ الشعبي.
وقد تعرّف على لوحات هنري ماتيس في مرحلة مبكّرة. ووجد فيها ما يتّفق مع رغبته في تبسيط جوهر الأشياء. ومن خلال استخدامه للألوان الأوليّة والخطوط السميكة، كان يسعى لأن يجعل عمله اليدويّ أشبه ما يكون بعمل الآلة. وقد طبّق نفس هذا الأسلوب لإنتاج نسخ حديثة من أعمال كبار الرسّامين مثل بيكاسو وسيزان وموندريان.
وعلى الرغم من أن لوحات ليكتنشتاين كانت تحظى بقبول شعبي واسع، إلا انه بدأ في منتصف ستّينات القرن الماضي تجاربه مع الأساليب التجريدية والتعبيرية. لكن تلك التجارب أنتجت لوحات صعبة وضعيفة.
ظهر ليكتنشتاين في العديد من الأفلام الوثائقية وصمّم ملصقات بعض الأفلام السينمائية، بل وحتى ملصقات الحملات السياسية لبعض مرشّحي الرئاسة الأمريكية.
صور الرسّام مألوفة جدّا بالنسبة لنا اليوم. لكنّها كانت في زمنها صادمة وشاذّة، لدرجة أن إحدى الصحف في ذلك الوقت وصفته بأنه أسوأ رسّام في الولايات المتحدة. كان ليكتنشتاين دائما عرضة لهجوم وتسفيه النقّاد. وبعضهم كان يرى أن لوحاته تفتقر إلى الأصالة والجدّية.
وقد توفّي الفنّان فجأة في شهر سبتمبر من عام 1997 إثر إصابته بالتهاب رئوي حادّ. وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على وفاته، ما يزال الناس مختلفين على تقدير أثره وتقييم فنّه.