Monday, October 01, 2007

لوحات عالميـة – 137‏

ذكـــــرى
للفنان البلجيكي رينـيـه مـاغـريـت، 1945

هل يمكن أن يحبّ احدنا عملا تشكيليا ما دون أن يفهم معناه أو يحيط بمضمونه أو يدرك دلالته سواءً كانت فكرية أو أخلاقية أو فلسفية؟
الجواب هو نعم بالتأكيد.
يحدث أحيانا أن ننجذب إلى لوحة ما لمجرّد أنها تنطوي على متعة بصرية أو شعورية، دون أن نفهم بالضرورة معناها أو دلالتها أو الرسالة التي تتضمّنها.
وهذه اللوحة توفّر مثالا على ذلك.
ومنذ بعض الوقت وأنا أحاول تسجيل بعض انطباعاتي عن هذه اللوحة بعد أن اكتشفت أنني أصبحت مفتونا بها ومنجذبا إلى جوّها وتفاصيلها الغريبة والملتبسة.
وكنت قد شاهدتها في بعض المواقع الشعرية والأدبية وفي كلّ مرّة يخامرني نفس الشعور من المتعة والافتتان باللوحة الغامضة.
هنا، كما في كل أعماله السوريالية الأخرى تقريبا، يجمع رينيه ماغريت بين أشياء وعناصر لا رابط منطقيا في ما بينها: كرة مضرب وورقة من شجرة وتمثال نصفي مصنوع من الجبس على ما يبدو. وكل هذه الأشياء موضوعة فوق جدار.
وفي الخلفية هناك ستارة طويلة حمراء تحجب جزءا من السماء التي تبدو ربيعية وغائمة.
لكن الغموض يطلّ علينا من المشهد مجدّدا على هيئة سؤال: ترى ماذا قصد الرسّام بتلك البقعة المستطيلة من الدم التي تغطّي جزءا كبيرا من الخدّ الأيمن للتمثال النصفي ذي الملامح الأنثوية الفاتنة والدقيقة؟
للأسف ‏ ليس هناك جواب على هذا السؤال. لكن المؤكّد أن بقعة الدم تلك تثير إحساسا بالانزعاج والألم. ولولا تلك البقعة لتحوّل المشهد - ربّما - إلى صورة مجازية للهدوء والسكينة والتأمّل الصامت.
أيضا يمكن أن يثور سؤال آخر عن علاقة العنوان بمضمون اللوحة. وهو سؤال تتعذّر الإجابة عنه هو أيضا.
إذن من الأفضل، والحالة هذه، أن ننظر إلى هذه اللوحة باعتبارها قصيدة من الألوان والأشكال الجميلة التي تؤشّر إلى مهارة صاحبها العالية والى حسّه الابتكاري الواضح، رغم افتقاد اللوحة عنصر العفوية والتلقائية ورغم خلوّها من أيّة مشاعر أو انفعالات، وهو أمر قد يكون متعمّدا ومحسوبا بدقّة من قبل الرسّام..
في لوحاته، يحاول ماغريت ترجمة الأفكار المجرّدة إلى أشكال صورية. وغالبا ما تتضمّن أعماله صورا لأشخاص بلا وجوه ولغيوم وطيور وسلالم مرتفعة في الهواء. وكأنه يريد أن يقول إن الحياة ليست إلا حلما وعلينا أن نتعامل معها على هذا الأساس.
في إحدى لوحاته الرائعة الأخرى واسمها إمبراطورية الضوء The Empire of Light ، نرى منظرا لبيت في الليل وقد غطّت الأنوار واجهته. لكن في غمرة انشغال الناظر بالتأمّل في تفاصيل المشهد الليلي الجميل، فإنه لا يلبث أن يكتشف أن السماء فوق البيت نهارية، وأن المشهد بأسره سوريالي بامتياز ولا يمكن أن يخطر إلا بذهن فنّان ساحر ومتجاوز مثل ماغريت.
لوحات ماغريت كأنّها مقاطع من حلم أو أجزاء من لعبة مبعثرة، فالأشكال مهجّنة وغريبة والأشياء والمقاييس مقلوبة وليس هناك اعتراف بقوانين الفراغ والزمن.
إن ماغريت يجذب الاهتمام ويدغدغ الخيال ويثير الأسئلة، لكنها أسئلة لا تقدّم إجابات مقنعة بل ولا توفر أدلة ولا تفتح دروبا أمام المتلقي لإجلاء الغموض وفهم المقصود. "هذا على افتراض أن الفنان يجب أن يفعل ذلك".
وهو يطبّق مقولة اندريه بريتون الذي قال عن السوريالية إنها النقطة التي يتوقّف عندها العقل عن تخيّل العدم.

موضوع ذو صلة: نافذة على عالم ماغريت