Saturday, September 24, 2005

لوحـات عالميـة – 56


غــورنيـكــا
للفنان الإسباني بابلـو بيكـاسـو، 1937

غورنيكا هو اسم لقرية صغيرة في إقليم الباسك الإسباني تعرّضت في العام 1937 لهجوم بالطائرات والقنابل على أيدي القوات التابعة لنظام فرانكو بمعاونة من جنود المانيا النازية. وقد راح ضحيّة المذبحة اكثر من ألف وستمائة شخص.
الحادثة فجّرت في حينها ردود فعل شديدة في العالم مستنكرة ومندّدة بما حدث، من خلال المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية. ووصلت أخبار المذبحة إلى باريس حيث كان يقيم الفنان الإسباني بابلو بيكاسو.
كان بيكاسو يفكّر في إنجاز عمل فني يجسّد فظائع الحرب الأهلية الإسبانية وما جرّته من موت ودمار، لكن حالة الاضطراب والتشوّش النفسي التي كان يعيشها نتيجة ذلك كانت تمنعه من تحقيق تلك الرغبة.
وقد وفّرت له الحادثة فرصة مواتية لتحقيق ما كان قد فكّر فيه مرارا، مع انه كان يكره السياسة وينفر من فكرة توظيف الفن لأغراض سياسية.
في تلك السنة أقيم معرض باريس الفني وهو مناسبة أراد من خلالها منظمو المعرض الاحتفال بالفن الحديث الذي يستخدم التكنولوجيا الحديثة ويقدم رؤية متفائلة لعالم مختلف عن عالم الثلاثينات الذي تخللته الحروب والاضطرابات السياسية والكساد الاقتصادي العظيم.
وعندما أنجز بيكاسو غورنيكا، دفع بها لتمثل إسبانيا في معرض باريس لتلك السنة.
اللوحة تصوّر فراغا تناثرت فوقه جثث القتلى وأشلاؤهم الممزّقة. وهناك حصان في الوسط وثور إلى أعلى اليسار، بالإضافة إلى مصباح متدلٍّ من الطرف العلوي للوحة. وعلى الأرضية تمدّدت أطراف مقطّعة لبشر وحيوانات. بينما تمسك اليد الملقاة على الأرض بوردة وبسيف مكسور. والى أعلى يمين اللوحة ثمّة يد أخرى تمسك بمصباح. ويبدو أن وظيفة المصباح المعلق في أعلى اللوحة هي تسليط الضوء على الأعضاء المشوّهة لتكثيف الإحساس بفظاعة الحرب وقسوتها. أما الثور إلى يسار اللوحة فليس واضحا بالتحديد إلامَ يرمز، لكن ربما أراد بيكاسو استخدامه مجازيا للتعبير عن همجية المهاجمين ولا إنسانيتهم.
وهناك ملمح مهم في هذه اللوحة وهو خلوّها تماما من أي اثر لمرتكبي الجريمة، فليس هناك طائرات أو قنابل أو جنود. وبدلا من ذلك فضّل بيكاسو التركيز على صور الضحايا.
ردود الفعل الأولية على اللوحة اتّسمت بالنقد والهجوم الشديدين. فالنقاد الألمان قالوا إنها مجرّد هلوسات كابوسية لرجل مجنون، وان بوسع أي طفل في الرابعة أن يرسم افضل منها. أما الروس فقد تعاملوا مع اللوحة بفتور.
ويبدو أن المنتقدين كانوا يعتقدون بأن الفن الواقعي اكثر قدرة على تمثيل الصراعات والحروب ومآسيها.
حتى العام 1981، كانت غورنيكا ضمن مقتنيات متحف الفن الحديث بنيويورك، ومع ذلك فقد طافت بالكثير من المتاحف في أوربا وأمريكا.
وقد ُطلب من بيكاسو اكثر من مرّة أن يشرح مضمون اللوحة، لكنه كان يردّ دائما بأن تلك مهمّة المتلقي، وان اللوحة قابلة للعديد من التفسيرات المختلفة وحتى المتناقضة.
لكن رغم ذلك، أصبحت اللوحة تمثل صرخة بوجه الحرب وشهادة حيّة على حجم البؤس والخراب الذي تخلفه الحروب بشكل عام.
كان بيكاسو يطمح في أن تنتقل غورنيكا إلى إسبانيا في النهاية، لكنه كان يفضّل الانتظار إلى أن ينتهي حكم فرانكو العسكري.
وبعد سنتين من وفاة بيكاسو في العام 1973، توفي فرانكو نفسه. وفي 1981، قام النظام الجديد بنقل اللوحة إلى إسبانيا كأفضل احتفال بالذكرى المئوية لمولد بيكاسو.
وكانت تلك الخطوة رمزا لتحوّل إسبانيا الكبير من الديكتاتورية إلى عهد جديد من الحرية والديمقراطية.
غورنيكا هي اليوم من ضمن مقتنيات متحف الفن الحديث في مدريد.

Friday, September 23, 2005

لوحـات عالميـة – 55


بورتريه جـان إيبيـتيرن
للفنان الإيطالي اميديـو موديـليـانــي، 1920

كان اميديو موديلياني رسّاما ونحّاتا ذا أسلوب متفرّد وخاص. ومن السهل التعرّف على لوحاته بفضل الطابع القوطي لشخوصها وبساطة تفاصيلها ودقّة خطوطها وأناقة ووضوح ألوانها.
ولد موديلياني لعائلة إيطالية يهودية ودرس الرسم في روما والبندقية، ثم هاجر إلى فرنسا حيث عمل لبعض الوقت مع النحّات الروماني كونستانتين برانكوزي. لكنه ما لبث أن تحوّل إلى الرّسم متأثرا بأعمال سيزان وبيكاسو ولوتريك ورولو.
انتهج موديلياني في البداية الاسلوب التكعيبي في الرسم لكنه لم يكن جزءا من الحركة التكعيبية في ذلك الوقت. وفي ما بعد اتبع أسلوبا هو مزيج من الكلاسيكية والحداثة ورسم جسد الأنثى بطريقة لم يسبقه إليها أحد من الفنانين. وقد ُعرف عن موديلياني بوهيميته وغرابة أطواره وإسرافه في تعاطي الكحول والمخدّرات، ما جلب له متاعب صحّية واجتماعية كثيرة.
وفي ما بعد وقع الفنان في حبّ جان إيبيتيرن وربطت بينهما علاقة حبّ قويّة. وقد ظهرت في العديد من البورتريهات التي رسمها. أما لوحاته الأخرى فتتضمّن مشاهد لنساء في أوضاع عارية ومتكشّفة.
موديلياني ُينظر إليه اليوم باعتباره أحد اكبر فنّاني القرن الماضي، وأعماله تزيّن قاعات متاحف العالم الكبيرة. وقد بيعت إحدى لوحاته منذ سنتين بمبلغ 27 مليون دولار، رغم انه هو نفسه عاش فقيرا ومعدما.
في بورتريه جان إيبيتيرن تبدو السيّدة مستندة إلى الأريكة بهيئة مريحة ومزاج مسترخٍ ونظرات هي مزيج من السلبية واللامبالاة. وكما هو الحال مع بقية البورتريهات التي رسمها لنساء، فقد تعمّد موديلياني إطالة اليدين والعنق وتدقيق الأنف فيما بدت الرأس صغيرة مقارنة بحجم الجسد والعينان لوزيتين بلون يتراوح ما بين الأزرق والبنّي والأخضر. واللوحة بشكل عام تختزل أسلوب موديلياني الخاص في التوظيف البارع للخطوط المتعرّجة والخلفيات ذات الألوان الباردة لتمثيل جمال الأنثى التي تتصّف بالغموض والجاذبية.
أما جان إيبيتيرن نفسها فتنحدر من عائلة ارستقراطية كاثوليكية، وقد تبرّأت منها عائلتها المحافظة بعد ارتباطها بالفنان.
توفي موديلياني بالسلّ في العام 1920 عن عمر لا يتجاوز الخامسة والثلاثين. وبعد وفاته عادت جان إيبيتيرن إلى منزل أبويها في مونمارتر. لكنها لم تلبث أن ألقت بنفسها من أعلى البناية التي كانت تقطنها عائلتها لتموت منتحرة مع طفلها الجنين. وبعد مرور عشر سنوات على وفاتها سمح أهلها بنقل رفاتها لتدفن إلى جوار زوجها.
كان موديلياني مصرّا منذ البداية على خلق نموذجه الصوري الخاصّ والشائك عن الجمال. وقد نجح في اختراع جنس جديد من الكائنات ذوات الأطراف المستطيلة والخصور الضّيقة والوجوه الدقيقة اللاتي يغلب على ملامحهنّ الهدوء والبرود وأحيانا الانفعالات الجامدة والمحايدة.
غير أن بعض أعماله لا تخلو من حسّية لإظهارها بعض المناطق الخاصّة من الجسد. ونساؤه إجمالا رقيقات مع شيء من الحزن والتأمّل. وميلان الشفاه الخفيف والأعين المظلمة أو الغائرة وسمات زوايا الجسد تعطي إحساسا بالهجر والغربة والانفصال.
اليوم ينظر إلى موديلياني باعتباره جسرا ما بين تولوز لوتريك ورسّامي الفنّ الديكوري الذين ظهروا في عشرينات القرن الماضي.
ولوحاته النسائية الممتلئة بالحبّ الرثائي والتوق والخشوع ما تزال تذكّر الناس به وبموهبته التي تستحقّ الإعجاب والاحترام اللذين ُحرم منهما في حياته. وقد بيعت إحدى لوحاته مؤخّرا بأكثر من 27 مليون دولار أمريكي.
وفي العام الماضي تحوّلت قصّة الحب المأساوي بين موديلياني وجان إيبيتيرن إلى فيلم سينمائي أخرجه ميك ديفيس ولعب دور الفنان فيه الممثل اندي غارسيا بينما قامت بدور إيبيتيرن الممثلة الفرنسية إلسا زيلبيريستين.

موضوع ذو صلة: نساء موديلياني

Wednesday, September 21, 2005

لوحـات عالميـة – 54


القبــلــة
للفنان النمساوي غـوستـاف كليـمـت، 1908

تعتبر لوحة القبلة لغوستاف كليمت من اشهر الأعمال الفنية العالمية التي أنجزت في القرن العشرين. بل إن كثيرا من نقاد الفن لا يتردّدون في تصنيفها ضمن افضل خمس لوحات في تاريخ الفن التشكيلي العالمي كلّه.
وقد أصبحت هذه اللوحة رمزا للأمل ومرادفا للجمال الأنثوي والانجذاب العاطفي بين الجنسين.
في "القبلة"، كما في أعمال كليمت الأخرى، ثمّة استخدام لافت للألوان الداكنة والخلفيات الذهبية والخطوط الزخرفية والعناصر الايروتيكية.
ورغم أن هذه اللوحة كانت في البداية مثار جدل واسع، فإنّها أصبحت في العقود التالية واحدة من اكثر الأعمال الفنية التشكيلية تفضيلا وشهرة.
وكان لها تأثير واسع على الحياة الثقافية في عصر كليمت، وضمنت له بالتالي شعبية كبيرة في أوساط مجتمع فيينا آنذاك.
اشتغل غوستاف كليمت في بدايات حياته الفنية بالديكور والزخرفة وتعلّم مهارات الحفر والنقش التي اكتسبها من والده، الفنان هو الآخر.
وهناك ملمح ثابت في كافة أعماله، يتمثل في غلبة اللونين الفضّي والذهبي عليها، كما كان يركّز بوضوح على تضمين لوحاته عناصر وتفاصيل زخرفية. ويبدو أن ميله للزخرفة كان بسبب افتتانه بالموازييك البيزنطي الذي اكتشفه أثناء تجواله في ضواحي فيينا والريف الإيطالي. وقد تمرّد كليمت على القواعد والأساليب التقليدية التي كانت رائجة في عصره، وكان مناصرا قويا لأساليب الفن الحديث.
في " القبلة"، استخدم كليمت الأشكال المسطّحة والأنماط الزخرفية بشكل عام، وتعمّد أن يرمز للأنثى بخطوط دائرية وللرجل بأشكال مربّعة ومستطيلة.
ورغم بساطة هذه اللوحة ظاهريا، فإن رمزيّتها العميقة والمهارة الفائقة التي ُنفّذت بها كانت دائما مثار حديث أوساط الفنّ التشكيلي ودارسيه.
لوحات غوستاف كليمت تغطي مواضيع متنوّعة، بدءا من ثراء الطبقة البرجوازية في فيينا ومرورا بالمضامين الأسطورية والإشارات الايروتيكية وانتهاءً بجمال الطبيعة.
وبالإضافة إلى الرسم، عمل كليمت في السياسة، وكان مدافعا عنيدا عن الفنانين الشباب الذين كان يشجّعهم على الثورة على الأساليب الفنية المحافظة في ذلك الوقت. كما أنشأ مجلة استقطب لها الآلاف من الفنانين الصاعدين من مختلف أرجاء العالم وعمل على نشر أعمالهم الثورية والتجديدية.
على المستوى الشخصي، كان كليمت منجذبا بقوّة نحو النساء، بل انه كان يستخدم بغايا كموديلات للوحاته. والكثير من رسوماته اعتبرت في عصره حسيّة اكثر من اللزوم وجريئة بما يكفي لتحدّي الأعراف والقواعد السائدة في مجتمع فيينا خلال السنوات الأولى من القرن العشرين.
في شهر يناير من عام 1918 أصيب كليمت بجلطة مفاجئة شلّت حركته وأضعفت قواه ليتوفّى بعدها بشهر عن عمر ناهز الخامسة والخمسين.

موضوع ذو صلة: المرأة التي ألهمت كليمت

Tuesday, September 20, 2005

لوحـات عالميـة – 53

الصـحــوة
للفنان الكندي جوناثان باوزر، 1998

في لوحات هذا الفنّان، لا تلمس أثرا لمعاناة الإنسان وهمومه ومشاغله. فهو يعتقد أن العالم، برغم ما ينوء به من صراعات ومشاكل، ما يزال مكانا يضمّ بين جنباته الكثير من مفردات وعناصر الجمال الذي لا تحدّه حدود.
ومناظر باوزر البديعة يمكن اعتبارها محاولة لاكتشاف قدسيّة الحياة ورمزية الأسطورة ودعوة للكشف عن غموض وجمال الكون المختبئ وراء المظاهر المادّية والمصطنعة للأشياء.
يقول واصفا مغزى لوحته "الصحوة": في اللوحة تعبر الآلهة عتبات الأبعاد لتدخل عالما مفقودا في الثلج والظلام. وعلى خطاها التي تحتضن العالم، تتناثر ستّون زهرة لوتس ترمز للخلق. وحولها هالة مضيئة بينما تمسك بيدها برعما مشعّا يرمز إلى حضورها الدائم الذي يولّد في العالم أمواجا من الضوء الواهب للحياة. وحول الهالة الشمسية العظيمة، تطير سبع حمامات بصحبة سرب من الفراشات المضيئة".
وظّفت هذه اللوحة في أعمال شعرية وأدبية كثيرة. وقد أثار وضعها منذ سنوات على غلاف رواية صدّام حسين "زبيبة والملك" خلافا قانونيا بين الرسّام والحكومة العراقية. إذ اتهم باوزر وزارة الإعلام العراقية وناشري الرواية بانتهاك حقوق الملكية الفكرية عندما وضعوا اللوحة على غلاف الكتاب دون إذن مسبق منه.
وفي ما بعد، أزيلت اللوحة من غلاف النسخة الانجليزية من الرواية واستبدلت بصورة للرئيس العراقي عند أسره. وقد ثار سؤال وقتها عن سبب إعجاب صدّام بامرأة غامضة ومسالمة. وقيل انه ربّما رأى في الأقواس التي تظهر في خلفية اللوحة ما ذكّره بأقواس مدينة بابل القديمة.
"الصحوة" لوحة تختزل رؤية الفنان الباحث دوما عن المعرفة القديمة والأزلية التي تتأتّى من خلال الكشف الشعري والوجداني كلّ ما هو مقدّس وسامٍ في هذا الكون.
وباوزر يعتقد بأن الميثولوجيا، سواءً كانت اعتقادا دينيا أو استعدادا نفسيا للحياة، يجب أن ُينظر إليها باعتبارها الروح الضرورية والدائمة لعالمنا المعاصر المدفوع بالتكنولوجيا والتغيير الدائم والمستمر.
كما انه يحاول في أعماله تمثيل الجمال وقوى الطبيعة والتاريخ والفلسفة ومزجها بالجوانب الروحية والسيكولوجية.
من الأشياء الملفتة في لوحات الرسّام هذا الحضور الدائم والمتكّرر للنساء وكأنه يؤكّد على صورة الأنثى باعتبارها رمزا للخصب والتجدّد والخلق والنماء.
ومن الواضح أنه متأثّر مثل كثيرين غيره من الفنانين المعاصرين بالفلسفات الشرقية القديمة التي تربط بين عناصر الطبيعة والأسرار الكلّية للكون ووحدة الوجود.
ولد جوناثان باوزر في كندا ودرس فيها الرسم والتصميم. وقد تأثر منذ بداياته بـ بوغورو ونسائه الصامتات المتأمّلات. كما تأثر بـ البيرت بيرشتادت الذي اشتهر بمناظره الطبيعية ذات السمات المقدّسة والغامضة.
وتتوزّع لوحاته اليوم على العديد من المتاحف والغاليريهات والمجموعات الفنّية الخاصّة.

Monday, September 19, 2005

لوحـات عالميـة – 52

حـدائق خلف بوّابـة الخـريف
للفنان الأمريكي تومـاس كينـكيـد، 1994

كان توماس كينكيد من أكثر الرسّامين شعبية ورواجا في الولايات المتحدة. ولوحاته توصل إحساسا بالسكينة والتفاؤل والسلام بفضل الضوء الذي يشعّ من ألوانه التي تبعث الأمل والإلهام في النفس.
وتصوّر رسوماته قمم جبال مغطّاة بالثلوج وسماوات ذهبية ومنارات مضيئة وغابات وأنهارا حالمة وبيوتا وأكواخا مغمورة بالضوء. وهذه اللوحات ليست من ذلك النوع الذي يتطلّب منك النظر إليها طويلا كي تفهمها، كما لا يلزمك شهادة في الفنّ كي تقرّر إن كانت جيّدة أو رديئة.
كينكيد يركّز في رسوماته على القيم العائلية والإيمان بالله من خلال الجمال المضيء للطبيعة. وعادة ما يُطلق عليه لقب رسّام الضوء بالنظر إلى مهارته العالية في توظيف الضوء في لوحاته.
وهناك ما يربو على التسعين ورشة فنّية تعرض جميعها أعمال الرسام التي يتسابق هواة الفنّ والناس العاديّون إلى شرائها واقتنائها. ويقال إن لوحاته تُعلّق في واحد من كلّ عشرين منزل أمريكي. كما أن دخل لوحاته السنوي يُقدّر بأكثر من مائة وخمسين مليون دولار.
وهناك من النقّاد من يقارن كينكيد بـ مونيه ورينوار من حيث انه عاش حياة صعبة في البداية وجاهد وتعب كثيرا وهو يبحث لنفسه عن أسلوب فنّي متفرّد.
في بداياته، درس كينكيد باستفاضة أعمال رمبراندت وكارافاجيو وتعلّم منهما طريقتهما في توظيف الضوء والظلّ، كما تجوّل طويلا في الطبيعة الأمريكية دارسا ومنقّبا ومتأمّلا.
من بين أشهر لوحاته وأكثرها رواجا هذه اللوحة التي يصوّر فيها بركة ماء صغيرة تتوسّطها مزهرية عبر ممرّ تتناثر على جانبيه الورود والأزاهير في كرنفال لونيّ بديع. وفي الأعلى قليلا نرى منظرا لمنزل صغير تتسلّل عبر نوافذه الأنوار التي تشعّ مبدّدة بعض ما علق في الأجواء من ضباب الليلة الفائتة.
المعجبون بـ كينكيد والذين يبتاعون لوحاته يقولون إنه يقدّم لهم الجمال في عالم قبيح. وهم يجدون فيها ما لا يجدونه في الفنّ الحديث الذي يركّز على بؤس الحياة وقبحها وعدميّتها.
لكن على الرغم من الشعبية الكبيرة التي يحظى بها الفنّان في أوساط الجمهور، ظلّت المؤسّسة الفنّية تتجاهله والنقاّد يرفضونه ويعتبرونه رسّاما تقليديا وغير جدير بالدراسة. وبعضهم يصف أعماله بأنها ساذجة وتعكس نظرة هروبية بإغراقها في الخيال وابتعادها عن الواقع وعن مشاكل الناس.
في البيوت التي يرسمها توماس كينكيد، لا نرى أشخاصا أو أشياءً في الداخل. فقط الضوء الذي يأتي من النوافذ، وأحيانا دخان المداخن الذي يرمز إلى الدفء الإنساني. وثمّة احتمال بأن الأشخاص الذين يهوون اقتناء هذه المناظر يتماهون مع أجوائها لا شعوريّا ويتخيّلون أنهم هم من يسكن هذه البيوت ويتمتّعون بالدفء والحميمية اللذين تشيعهما.
مناظر كينكيد المشبعة بألوان الباستيل تخلو من أيّ اثر للحزن أو التوتّر. وربّما كان هذا هو احد أسباب افتتان الناس بها. فهو ينقل الناظر إلى أماكن مثالية تشبه الجنّة. كما انه يثير في نفس من يرى هذه المناظر حلم العودة إلى هذه الأماكن برغم أنها قد لا توجد إلا في الخيال. ومن الواضح أنه يشيّد عوالمه الفانتازية من آثار الماضي ومن مفاهيم الأدب القديم والحكايات الخيالية.
وعندما انتشر خبر وفاة كينكيد المفاجئة في السادس من ابريل عام 2012 عن أربعة وخمسين عاما، تدفّق الناس بالآلاف على الغاليريهات والمعارض والمتاجر لشراء نسخ من لوحاته.
كان توماس كينكيد يطمح لأن يرى أثناء حياته تقييما أكثر ايجابية لفنّه من قبل النقّاد. ولكنّه كان يشكّ في أن هذا سيحدث. النقّاد يفترضون أن على الفنّان أن يعاني الفقر والتشرّد. ومثال كينكيد هو على النقيض تماما، لأنه لا يجسّد الصورة الرومانسية عن الفنّان المكافح والجائع. فقد كان ناجحا في الترويج لفنّه واستطاع طوال سنوات أن يراكم ثروة تقدّر بمئات ملايين الدولارات من بيع أعماله. وهناك من يقدّر قيمة مبيعاته السنوية من نسخ لوحاته بحوالي مائة مليون دولار.
توماس كينكيد يظلّ أيقونة ثقافية، على الرغم من كلّ ما قيل ويقال عنه وعن فنّه. في الأيّام القليلة التي تلت وفاته، تقاطر المعجبون بفنّه على المتاجر والمعارض الفنّية وعلى موقعه الالكتروني للبحث عن لوحاته واقتنائها.

(تمّ تحديث الموضوع في فبراير 2013م).

موضوع ذو صلة: توماس كينكيد.. أماكن في القلب

Sunday, September 18, 2005

لوحـات عالميـة – 51


أزهــار الـريــح
للفنان البريطاني جون وليام ووترهاوس، 1903

ظلت أعمال الفنان جون ووترهاوس تحظى بالشعبية والتفضيل دائما، وقد تخصص في تصوير مشاهد من أساطير القرون الوسطى والعالم القديم.
وفي العام 1902 ظهرت هذه اللوحة الهامة "أزهار الريح" في مقدمة سلسلة من اللوحات التي تعالج فكرة جديدة تتمثل في تصوير فتيات في ملابس فضفاضة وهن يجمعن الأزهار في طبيعة مفتوحة.
ووترهاوس كان يحب الأزهار وهناك العديد من الدراسات النقدية المكرسة لتحليل هذه الظاهرة اعتمادا على تفاصيل بعض لوحاته.
ولد الفنان ووترهاوس في روما، وعندما أتى إلى انجلترا درس في استديو والده، الفنان هو الآخر، ثم في أكاديمية الفنون الملكية.
تأثر بـ لورانس تاديما ورسم مشاهد من الحياة في إيطاليا حيث كان يقيم.
في 1891 اكتشف "موديلا" جميلة ظهرت في معظم لوحاته التي رسمها في ما بعد.
يغلب على لوحات ووترهاوس الطابع الكلاسيكي، لكنه مصنف بكونه منتميا للأسلوب ما قبل الرافائيلي بسبب تركيزه على رسم النساء الجميلات وافتتانه بفكرة الأنوثة وتبنيه للاتجاه الواقعي في الرسم.
لوحته الجميلة "أزهار الريح" تتميز برومانسيتها الفائقة ورقة خطوطها وأناقة توزيع الألوان فيها.