Wednesday, November 03, 2010

لوحات عالميـة – 266

عمّال يقشرون أرضيّة خشبية لغرفة
للفنان الفرنسي غوستـاف كايـّيـبـوت، 1875


لم يدم اشتغال غوستاف كايّيبوت بالرسم سوى فترة قصيرة نسبيّا. ومع ذلك فقد ترك عددا لا بأس به من اللوحات الرائعة ما بين بورتريهات ومناظر للطبيعة، بالإضافة إلى صوره الشاعرية الجميلة عن مظاهر الحياة في المدينة.
اهتمام هذا الرسّام بتصوير الأمكنة والأنشطة الاجتماعية دفع كثيرا من النقّاد إلى مقارنته بمعاصريه من الكتّاب الواقعيين أمثال اميل زولا وديورانتي.
لكن هناك من يتساءل عن مكانته بين الانطباعيين. البعض يقول انه لم يكن يملك مهارة إدغار ديغا في الرسم ولا براعة كلود مونيه في توظيف واستخدام الألوان.
لكن اعتمادا على القيم الجمالية، فإن الكثيرين يقدّرون أعماله ويرون فيها أصالة وتميّزا لا يقلان عمّا بلغه أقرانه من الرسّامين في ذلك الوقت. هذه اللوحة رسمها الفنّان بطريقة محكمة ومثالية. وهي نموذج لتقدير العمل الجادّ وروح العزيمة والإصرار. كما أنها من أوائل الأعمال التشكيلية التي صوّرت بروليتاريا المدينة. وفيها يرسم كايّيبوت ثلاثة رجال وهم يجثون على أيديهم ورُكَبهم ويعملون بجدّ ونشاط في تقشير الأرضية الخشبية لإحدى الغرف.
من الواضح أن الرجال الثلاثة يعرفون أن لديهم مهمّة، وهم يعملون بجدّ ودأب لتقشير وتمليس الأرضيّة الخشبية وإضافة التشطيبات الأخيرة عليها. الغرفة مظلمة والرجال متخفّفون من قمصانهم كي يحتفظوا ببرودة أجسامهم، وهناك زجاجة شراب موضوعة في الجوار لإطفاء عطشهم.
الفنّان رسم أجزاء اللوحة طبقا للأساليب الأكاديمية. والأجساد العارية للعمّال تشبه بُنية الأبطال القدماء، وهو شيء لم يكن من الممكن تصوّره عن عمّال باريس في ذلك الوقت.
كان غوستاف كايّيبوت منتميا لعائلة ثريّة. لذا لم يكن محتاجا لبيع لوحاته كي يعتاش من ريعها، بل كان يعهد بها إلى شقيقه الذي كان بدوره يوصي بأن تذهب إلى ورثته. وقد توقّف عن عرض لوحاته وهو في سنّ الرابعة والثلاثين. وعندما توفّي بعد ذلك باثني عشر عاما، أصبح من النادر رؤية لوحاته. بل انه عندما كُتب تاريخ الانطباعية، فإن اسم كايّيبوت تمّ نسيانه، أو على الأقلّ عُومل بالتجاهل إلى درجة كبيرة.
لكن في خمسينات وستّينات القرن الماضي، أعيد له الاعتبار مرّة أخرى وتجدّد الاهتمام بلوحاته. وترافق ذلك مع إقدام معهد شيكاغو للفنون على شراء لوحته الجميلة والمشهورة "شارع باريسي في يوم ممطر".
عرض الرسّام لوحته هذه في صالون باريس، إلا أن المحكّمين رفضوها لشدّة واقعيّتها. لذا قرّر الانضمام إلى الانطباعيين وعرض اللوحة في معرضهم الثاني. وقد أعجب بها الروائي زولا، إلا انه اخذ عليها دقّة تفاصيلها، ما يجعلها لوحة بورجوازية، من وجهة نظره.
ومع ذلك ظلّت اللوحة تروق لأصحاب الأفكار الاشتراكية والبروليتارية. فهؤلاء الرجال، من وجهة نظرهم، يعملون من اجل إعالة عائلاتهم. وهم موجودون في عالم من الثروة التي ليس لهم نصيب فيها. كما أنهم يعملون في منزل رجل غنيّ، أي أنهم في النهاية يكدّون ويكدحون كي يستمتع شخص آخر بثمرة جهدهم وتعبهم.
كان رسم الطبقة العاملة تقليدا شائعا في نهايات القرن التاسع عشر. فقد رسم ميليه الفلاحين، ورسم كوربيه كسّاري الحجارة. لكن نادرا ما كان يظهر عمّال المدينة في الرسم.
وعلى عكس كوربيه وميليه، كان من عادة كايّيبوت أن لا يضمّن لوحاته أيّ دروس أو مضامين اجتماعية أو سياسية أو أخلاقية.
كان يركّز أكثر على دراسة شخصيّاته وتصوير حركاتهم وأدواتهم، وهو ما حفظ اسمه كأحد مشاهير الرسّامين الواقعيين.