Thursday, May 18, 2017

لوحات عالميـة – 391

اجتمـاع عائلـي
للفنان الفرنسي فريدريك بازيل، 1867

كان يمكن أن يكون لفريدريك بازيل شأن في حركة الرسم الانطباعيّ الفرنسيّ، لولا انه قُتل في سنّ مبكّرة أثناء حرب فرنسا مع بروسيا عام 1870.
ورغم انه كان يُنظر إليه كرسّام هاوٍ وتابع للانطباعية، إلا أن كميل بيسارو وصفه ذات مرّة بأنه كان احد أكثر الرسّامين موهبة وحضورا. وعندما رسم عددا من أفضل لوحاته، وأشهرها الفستان الزهري ، لم يكن عمره قد تجاوز الثالثة والعشرين.
كان بازيل ابنا لعائلة موسرة. وقد انتقل، وهو فتى، إلى باريس كي يدرس في ورشة الرسّام شارل غلاير. وهناك التقى طلاب رسم آخرين كان من بينهم مونيه ورينوار وألفريد سيسلي. وقد ربطته بهؤلاء الثلاثة علاقة صداقة ممتدّة وكان معجبا بأعمالهم.
كان أستاذه غلاير رسّاما تقليديا من حيث انه كان يركّز على تصوير الجمال المثاليّ في لوحاته. لكنه كان أيضا من الداعين إلى الرسم خارج البيوت. وكان بازيل وأصدقاؤه يمضون الساعات الطوال في الرسم في غابات فونتينبلو.
ورغم أن الطبيعة لم تكن موضوعه المفضّل، إلا أن رسوماته لها رائعة. ومناظره الضخمة لأشخاص يجلسون في أحضان الطبيعة المفتوحة كانت مشهورة. لكن أفضلها هي لوحته هذه التي يمكن مقارنتها ببعض أعمال مونيه.
في "اجتماع عائليّ"، يرسم بازيل احد عشر شخصا من أفراد عائلته أثناء لقائهم في شرفة حديقة منزلهم في مونبلييه. والملاحظ أن كلّ شخص في اللوحة يمكن أن يُقرأ كما لو انه بورتريه منفصل.
العائلة مجتمعة تحت ظلّ شجرة ضخمة، وجميعهم يحدّقون خارج الصورة كما لو أنهم يواجهون آلة تصوير. إلى اليسار، يجلس والد الرسّام ووالدته. وحول الطاولة عمّته وابنتها. وحولهم يجلس الآخرون من أبناء وبنات عمومة وأصهار.
الضوء المتسرّب عبر أغصان الشجرة يزيد ألوان المكان سطوعا ويسقط على الملابس الشاحبة فيخلق تباينا مع ألوان الطبيعة المحيطة.
والألوان في الصورة مصطنعة بعض الشيء، لكنها جميلة. ولو حُوّلت إلى نسخة بالأبيض والأسود لما اختلفت في شيء عن أيّ صورة فوتوغرافية.
ورغم أن الاجتماع في اللوحة يُفترض أن يكون حميما وبسيطا، إلا انه يبدو رسميّا بعض الشيء. ولو حاولت أن تدخل اللوحة فستدخلها كزائر غير متوقّع أو كمتطفّل غريب وغير مرغوب فيه يحاول فجأة قطع مناسبة رسمية.
والرسّام نفسه يبدو فيها متحفّظا وغير سعيد كثيرا. وربّما الأصل البروتستانتي لعائلة بازيل هو الذي يفسّر ظهور أفرادها بهذا المظهر المحافظ والمتقشّف.
كان بازيل منجذبا كثيرا لأضواء منطقة جنوب فرنسا. وقد عمل على هذه اللوحة طوال موسم الشتاء من ذلك العام. ثم عاد إليها مرّة أخرى قبل سنة من عرضها في الصالون، واستبدل الكلاب الصغيرة التي كان قد رسمها أسفلها بأزهار وقبّعة ومظلة، كما أضاف بقعا لامعة من ضوء الشمس على الأرضيّة.
ويمكن أن تفسّر هذه التعديلات والتسويات لماذا قُبلت اللوحة في صالون ذلك العام بينما رُفضت لوحات مونيه الأكثر جرأة. بازيل نفسه اندهش من تلك المفارقة وقال بتواضع انه لا يعرف لماذا قُبلت لوحته، مشيرا إلى أن المحكّمين ربّما ارتكبوا خطئاً.
كانت أسرة بازيل غنيّة جدّا، ولهذا السبب لم يكن يبخل على زملائه الأقلّ حظّا، بل موّلهم ودعمهم ومنحهم جزءا من محترفه كي يرسموا فيه لوحاتهم.
هذه اللوحة تشبه كثيرا لوحة مونيه "نساء في الحديقة" التي اشتراها بازيل بعد أن أتمّ صديقه رسمها بفترة قصيرة. لكن التركيز فيها ليس على الأشخاص وإنّما على تأثيرات الضوء.
كان الاثنان، مونيه وبازيل، يعملان معا في الكثير من الأحيان، ولطالما استوحى بازيل الإلهام من بعض أعمال مونيه. كما كان متأثّرا بإدوار مانيه الذي كان صديقا للانطباعيين، على الرغم من انه لم يكن يصنّف نفسه منهم.
ممّا لا شكّ فيه أن فريدريك بازيل كان جزءا من تطوّر الانطباعية الفرنسية. لكن البعض ينظر إليه اليوم كانطباعيّ ضائع سقط اسمه سهوا من قائمة الرسّامين الانطباعيين.
وقد فقده الرسم عندما أصرّ على الالتحاق بالخدمة العسكرية بعد شهر من بدء حرب عام 1870 وعلى الرغم من نصائح زملائه له بألا يفعل.
وفي نوفمبر من ذلك العام، اُصيب بجرح وهو يقاتل في ميدان المعركة وتوفّي بعد ذلك وعمره لم يتجاوز الثامنة والعشرين.