Tuesday, February 28, 2012

لوحات عالميـة – 300

بورتريه الفيلسوف دونيه ديدرو
للفنان الفرنسي جان اونوريه فراغونار، 1769


كان دونيه ديدرو فيلسوفا وكاتبا فرنسيا كبيرا خلال عصر التنوير. وإحدى إسهاماته المهمّة هي كتاباته النقدية عن الأعمال الفنّية التي كانت تُعرض في صالون باريس في ذلك الوقت.
كانت تلك الكتابات موجّهة إلى جمهور أوسع. وكان من بين قرّائه أعضاء البيوت الملكية في بولندا وروسيا والسويد وغيرها. ومعظم هؤلاء لم يكونوا قد رأوا تلك اللوحات، وغالبا لم يكن مقدّرا لهم أن يروها أبدا لولا كتابات ديدرو.
المسافة الجغرافية بين القرّاء والأعمال الفنّية دفعت ديدرو أن يكتب مطالعاته وشروحاته بأسلوب تفصيلي ومشوّق لم يكن يخلو من طابع استعراضي. وكان يضمّن كتاباته رسومات توضيحية، بحيث وضع تلك اللوحات أمام أعين القرّاء البعيدين.
كانت فلسفة دونيه ديدرو تتمحور حول الإرادة الحرّة. ومن آرائه أن السلوك تحدّده عوامل الوراثة. وقد حذّر زملاءه الفلاسفة من التركيز أكثر ممّا ينبغي على الرياضيات ومن التفاؤل الذي يرى أن نموّ المعرفة من شأنه أن يؤدّي تلقائيا إلى تقدّم الإنسان والمجتمع.
ومن أقواله المشهورة: لن يتحرّر الإنسان إلا بعد أن يُشنق آخر إقطاعي بأمعاء آخر قسّيس"، و"ما بين التطرّف والبربرية خطوة واحدة".
هذا البورتريه كان جزءا من سلسلة من البورتريهات التي رسمها جان اونوريه فراغونار لكبار الشخصيات في لحظات إلهامهم. كان ديدرو وقتها احد أشهر الكتاب في فرنسا ومحرّر وناشر موسوعة المعارف الفرنسية وكاتب عدد من الروايات وكتب النقد الأدبي.
كان ديدرو يريد أن يظهر في اللوحة وهو يعمل، وتلك كانت إحدى سمات شخصيّته. كانت الفكرة المثالية عنده هي العزلة. غير أن الرسّام ابرز في البورتريه طبيعة اهتمام الناقد في ديدرو واهتمام المتلقّي في نفس الوقت. وهو المفهوم المركزي في نظرية ديدرو عن الفنّ.
في البورتريه يتبدّى جمال ونعومة وتناغم ألوان فراغونار وبراعته في استخدام فرشاة حرّة، رشيقة وواثقة . الوجه الملوّن بكثافة والنظرات المتأمّلة وانحناءة الجسد وحركة اليدين تقدّم رؤية عن شخصية مفكّرة وملهمة.
لم يكتسب دونيه ديدرو شهرة أو مالا كثيرا أثناء حياته رغم عمله الفكري الشاقّ والمضني. بل لقد اضطرّ إلى الإعلان عن بيع مكتبته كي يوفّر مهرا لابنته. ثم تدخّلت كاثرينا الثانية ملكة روسيا واشترت المكتبة. وطلبت من ديدرو أن يحتفظ بالكتب في باريس إلى أن تطلبها منه، وعيّنته مسئولا على المكتبة براتب سنوي.
فراغونار كان نتاج المراحل اللاحقة من عصر الروكوكو الذي ارتبط بأنماط العمارة والأثاث التي كانت رائجة في أوساط الطبقة البرجوازية الفرنسية. كان هؤلاء يبحثون عن أعمال فنّية جميلة وفخمة تعزّز ثراءهم وتبرز استمتاعهم بمباهج الحياة.
كان فراغونار معلّما في رسم المشاهد المنزلية ومناظر الطبيعة الرعوية، وكذلك في رسم المَخادع بأسلوب ايروتيكي. وكان له معجبوه الكثر وتأثيره الكبير على الرسّامين الذين أتوا من بعده وخاصّة الانطباعيين.
بعد الثورة الفرنسية اختفى الرسّام من المشهد الفنّي في فرنسا لبعض الوقت. لكن أسلوبه الهوائي والبارع ظهر فجأة بعد ذلك، وبالتحديد في نهاية القرن التاسع عشر، من خلال جيل جديد من المقلّدين الذين أعادوا اكتشافه وغيره من فنّاني الروكوكو الآخرين.