Wednesday, July 14, 2010

لوحات عالميـة – 243

شاطـئ تـروفيـل
للفنان الفرنسي كلـود مونيـه، 1870

في هذه الصورة الرائعة من القرن التاسع عشر، يرسم كلود مونيه منظرا تذوب فيه الأشكال وتُطمس الهويّات. واللوحة هي إحدى خمس لوحات تصوّر طبيعة ساحلية رسمها مونيه في العام 1870م.
وقد رسم الفنّان اللوحة في الهواء الطلق على شاطئ تروفيل بالنورماندي في صيف نفس العام الذي شهد بداية الحرب بين كلّ من فرنسا وبروسيا.
وبعد أشهر قليلة، سيسافر مونيه وزوجته وطفلهما إلى لندن هربا من التجنيد الإلزامي. وهناك سيرسم سلسلة لوحاته المشهورة عن بعض معالم العاصمة البريطانية في ذلك الوقت.
شاطئ تروفيل لوحة يمكن وصفها بأنها تختزل في لحظات عالما كاملا بكلّ مباهجه وأتراحه ذات يوم صيفي قائظ على شاطئ البحر. السماء من بعيد تبدو صافية والشاطئ نفسه مهجورا.
المرأة إلى يمين اللوحة هي كميل زوجة الفنّان، والمرأة إلى اليسار يُرجّح أنها زوجة صديقه الرسّام اوجين بودان.
من الواضح أن في اللوحة قدرا من التوتّر، كما أن تكوينها والتكنيك الذي نفّذت به غير مألوفين كثيرا. وجها الشخصيّتين أيضا غير واضحين بفعل سماكة الطلاء.
كان مونيه الشخصية الرئيسية في حركة الانطباعيين الفرنسيين. وقد اظهر ميلا واضحا للرسم وهو بعدُ في سنّ العاشرة. غير أن والده لم يكن يؤمن بجدوى الرسم وكان يرى أن العمل الجادّ وحده هو أفضل وسيلة لكسب الإنسان رزقه. لكنّ عمّته شجّعته على أن يصبح رسّاما بل وحاولت إقناع والده بأن ابنه يمكن أن يصبح في يوم من الأيام رسّاما ذا شأن.
ومنذ بداياته، كان مونيه يجد متعة كبيرة في رسم الطبيعة وتصوير الأشخاص.
وفي ما بعد، قابل زوجته الأولى كميل وربطت بينهما قصّة حبّ لم تلبث أن توجّت بالزواج.
وقد عاش الزوجان في البداية حياة فقر وعوز، إذ لم يكون مونيه قد ذاع اسمه واشتهرت لوحاته. وعندما حملت زوجته بطفلهما الأوّل، كان مونيه يعاني من الحزن والاكتئاب. وقد ترك البيت وذهب للعيش في بيت عمّته وكان يبعث إلى زوجته ببعض المال كي تنفقه على نفسها وعلى الطفل.
ولوحاته الأولى تشير إلى انه كان يحبّ كميل كثيرا. فهي تبدو في لوحاته التي رسمها لها سيّدة محبوبة وعلى قدر وافر من الجمال.
في هذه اللوحة، تبدو كميل مرتدية فستانا ابيض وممسكة بمظلّة زرقاء بينما تضع على وجهها خمارا خفيفا لاتقاء حرارة الشمس. وعلى وجهها يبدو انعكاس المظلة فيما تنظر إلى البحر أو لعلّها تتابع حركة ابنها من بعيد وهو يلعب. ملامح المرأة تشي ببعض الحزن كما أن عينيها تحوّلتا بفعل قناع الألوان السميك إلى مجرّد بقعتين سوداوين.
المرأة الأخرى، مدام بودان، ترتدي فستانا اسود وتبدو منشغلة بقراءة جريدة. تعبيرات وجهها تعطي انطباعا بأن الأخبار قد لا تبعث على الارتياح.
كان مونيه خير من مثّل الانطباعية من الرسّامين. وقد نهض بهذا الاتجاه الجديد وطوّره وروّج له أكثر من أيّ رسّام آخر. كما كان بارعا في تصوير إدراكه للواقع من خلال تعامله المبهر مع الأضواء الساطعة والمتوتّرة التي تذوب فيها أشكال وألوان العالم. وقد امتدحه سيزان ذات مرّة بقوله: مونيه هو عين فقط. لكن أيّ عين"!
كانت شعبيّة مونيه منسجمة مع عظمته الفنية. وتغلب على لوحاته موتيفات معيّنة مثل أكوام القشّ والكاثدرائيات والأبراج الطويلة وأزهار سوسن الماء.
وبعض النقاد اعتبره إنسانا غريب الأطوار إلى حدّ ما. فقد أصرّ على أن يرسم زوجته في لحظات احتضارها كما رسم أطفالا ونساءً بلا وجوه.
مع مرور السنوات، زاد الاهتمام بـ كلود مونيه وبأعماله التي أثبتت على الدوام فخامتها وتميّزها وجاذبيّتها التي لا تقاوم. ويجمع الكثيرون على اعتبار لوحاته من أفضل الأعمال الفنية الكلاسيكية التي تستحق الاقتناء. وقد بيع بعضها في بعض الأحيان بعشرات ملايين الدولارات.