Tuesday, February 07, 2006

لوحـات عالميـة - 80

السـونـاتـا
للفنان الأمريكي فريـدريك هاسـام، 1893

كان فريدريك هاسام شخصية رائدة في حركة الانطباعيين الأمريكيين. وكان غزير الإنتاج، إذ رسم أكثر من ثلاثة آلاف لوحة خلال حياته المهنية.
وقد رسم مناظر للمدن الأمريكية وكذلك للحياة في الأرياف، مع استخدام كثير للضوء واللون. وأشهر لوحاته هي ما تُسمّى "سلسلة العَلَم"، وهي عبارة عن رسومات لاحتفالات بعض المدن الأمريكية عند نهاية الحرب العالمية الأولى.
كان هاسام يؤمن بأن الطريقة المثلى التي يترك الفنّان من خلالها بصمة لا تُمحى هي أن يرسم عصره ويركّز على نقل مشاهد الحياة اليومية من حوله.
صُوَره لبعض المدن الأمريكية توفّر فكرة عن أواخر القرن التاسع عشر الذي شهد توسّع المستعمرات الأمريكية المبكّرة والنموّ الكولونيالي المتزايد.
وقد كسب أثناء حياته احترام النقّاد وحقّق نجاحا تجاريّا معتبرا ودفع بالانطباعية الأمريكية نحو مزيد من الشهرة والرواج.
من أجمل أعماله وأكثرها شهرةً هذه اللوحة التي لا تختلف كثيرا عن العديد من لوحاته الأخرى، كونه مزج فيها بين الألوان الساطعة التي تَميّز بها الانطباعيون وبين الأسلوب الأكاديمي، خاصّة في تمثيل الأشخاص.
واللوحة تصوّر امرأة تجلس منهكة أمام آلة بيانو بعد أن فرغت للتوّ من عزف مقطوعة موسيقية. ويُرجّح أن يكون الفنّان استوحى عنوان اللوحة من اسم مقطوعة موسيقية مشهورة لبيتهوفن هي سوناتا العاطفة ، التي تتّسم بطولها وصعوبة عزفها.
رسم هاسام اللوحة في محترفه في نيويورك في فترة كانت فيها فكرة الفنّ للفنّ قد وجدت طريقها إلى معجم طلبة الفنّ والغاليريهات وجامعي التحف أيضا.
واللوحة تحتفي بالجمال والهدوء وتُظهِر مدى أهميّة فكرة الجمال في حياتنا، وليس فيها ما يشير إلى درس وعظيّ أو أخلاقيّ.
والمعنى الذي تنطوي عليه يعتمد في الأساس على العلاقة بين المرأة والموسيقى والزهرة التي تظهر على حافّة آلة البيانو.
فكرة رسم نساء بملابس بيضاء كانت رائجة كثيرا في لوحات رسّامي القرن التاسع عشر، إذ كانت ترمز للبراءة والعفّة ونبل الفنّ.
ويبدو أن الفنّان مزج بين صورة المرأة ذات النظرات المنكسرة، والموسيقى الرقيقة التي تعزفها، والزهرة الهشّة المستقرّة على طرف البيانو، لكي يثير الإحساس بالعاطفة المتّقدة مقرونةً بالشعور الانفعالي الذي يتولّد عن التجربة الفنّية.
وقد أصبحت هذه اللوحة هي الموديل لعدد من اللوحات الديكورية التي تصوّر نساءً. وكان الرسّام مرتبطا كثيرا بها، فبعد أن باع كلّ مجموعته تقريبا لم يستطع أن يفرّط فيها ولم يتخلّ عنها إلا بعد مرور ستّة وعشرين عاما على رسمه لها.
وعندما عَرَضها للبيع اشتراها مليونير يُدعى دنكن فيليبس ويمتلك مجموعة فنّية مشهورة مسمّاة باسمه. غير أن خلافا نشأ بين هاسام والمليونير دفع الأوّل إلى استردادها باسم مستعار بعد ذلك بسبع سنوات.
ابتداءً من العام 1890 عمل الرسّام في أماكن "أكثر انطباعية" مثل جزيرة ابلدور التي كانت مشهورة آنذاك بوجود مستعمرة للرسّامين فيها.
ومواضيع لوحاته من تلك الفترة تتضمّن حدائق أزهار وطبيعة جبلية ومناظر منزلية، وكلّها تميّزها ضربات الفرشاة الانطباعية الناعمة.
كان هاسام مشهورا بتصويره للحواضر، غير انه أيضا وجد لنفسه ملاذا في الريف الذي كان يقضي فيه أوقاتاً للراحة يتخفّف خلالها من ضغوط المدينة وفي نفس الوقت يستلهم أثناءها مواضيع للوحاته.
ولد فريدريك هاسام في ولاية ماساتشوسيتس في اكتوبر من عام 1859 لأبوين من المستوطنين ذوي الأصول الانغلوسكسونية. وقد تلقّى تعليمه الأساسيّ في مدرسة الفنون في بوسطن، ثم أخذ دروسا على يد معلّم في حفر الخشب.
كان الرسّام منذ البداية مناصرا للمدرسة الانطباعية، تشهد على ذلك لوحاته العديدة التي استمدّ مواضيعها من أجواء الريف في نيو انغلاند.
وفي عام 1898 أصبح احد مؤسّسي جماعة العشرة، وهي مجموعة من الرسّامين الأمريكيين الذين كانوا يُعتبَرون مناصرين للانطباعية ومتمرّدين على الأساليب الأكاديمية المحافظة.
كما اجتذبته الانطباعية الفرنسية التي كانت وقتها قد بدأت في اجتذاب جامعي الأعمال الفنّية من الأمريكيين. لذا، بعد أن رسّخ نفسه كفنّان في بوسطن، ذهب عام 1886 ليدرس في باريس التي قضى فيها ثلاث سنوات دارسا في كلية الفنون الجميلة فيها ومتأثرا برسومات كلود مونيه.
ثم عاد إلى أمريكا في أواخر عام 1889 وأقام في نيويورك التي ظلّ فيها إلى أن توفّي في العام 1935.
وقبل وفاته أوصى بضمّ أعماله الفنّية المتبقيّة في مرسمه لأكاديمية الفنون في نيويورك. وبعض أشهر لوحاته موزّعة اليوم على اكبر المتاحف وغاليريهات الفنّ في الولايات المتّحدة.