Saturday, September 29, 2007

لوحات عالميـة - 136‏

الحـَــرَس الليــلـــــي
للفنان الهولندي رمبـرانــدت، 1642

هذه اللوحة هي أشهر لوحات رمبراندت على الإطلاق، بل ويمكن القول إنها من اكبر الأعمال الفنية حجما إذ تبلغ مساحتها أكثر من مائتي قدم.
ومثلما هو الحال مع بقية لوحاته لجأ رمبراندت، هنا أيضا، إلى لعبة الضوء والعتمة لإضفاء شيء من الحركية والدراماتيكية على المشهد.
اللوحة تصوّر مجموعة من الحرس ينتظرون الأوامر من قائدهم لمباشرة دوريّتهم الليلية المعتادة.
ويقال إن رمبراندت كُلّف بإنجاز هذه اللوحة من قبل قائد الحرس الذي يظهر في منتصف اللوحة معتمرا قبّعة سوداء و "جاكيت" اسود وياقة بيضاء.
تضمّ اللوحة 34 شخصية وهو رقم يندر أن نرى له مثيلا في أيّ عمل تشكيلي آخر.
ويُذكر أن رمبراندت تقاضى على اللوحة مبلغ 16000 غيلدر هولندي وهو مبلغ يعتبر كبيرا جدا في تلك الأيام.
وقد اعتُبرت اللوحة بعد انجازها عملا ثوريا وظلت على الدوام موضع اهتمام كبير من جمهور النقاد والمهتمّين بالفنّ التشكيلي.
فهذا البورتريه الجماعي الذي يُفترض انه يصوّر منظرا ثابتا تحوّل بفضل عبقرية رمبراندت إلى كرنفال صاخب من الضوء والحركة واللون، حيث يختلط فيه ضجيج الناس وقرع الطبول بنباح الكلاب وصرخات الأطفال.
بالإضافة إلى الشخصية المركزية في اللوحة، أي قائد الحرس، هناك مساعده الذي يقف إلى جواره متأهّبا وحاملا عتاده.
ثم هناك الفتاة الصغيرة باللباس الأصفر، ويلاحظ أنها ثبّتت في ثوبها دجاجة ميّتة قد تكون شعارا للحرس أو رمزا لشيء ما لا نعرفه.
عندما أتمّ رمبراندت اللوحة كان عليها طبقة كثيفة من الطلاء اللامع.
وعبر العصور التالية قام ذلك الطلاء بمهمّة الدرع الواقي، وبفضله نجت اللوحة من التلف عندما تعرّضت للهجوم مرّتين، الأولى في العام 1975 عندما قام شخص مختلّ عقليا بمهاجمتها بسكّين.
والثانية في العام 1990 إثر قيام رجل معتوه آخر برشّ حامض الاسيد على اللوحة بقصد إتلافها.
ولحسن الحظ تمكن الحرّاس في الحالتين من السيطرة على الرجلين ومنعهما من إتمام مهمّتها.
وقد لحق باللوحة بعض التلفيات والأضرار جرّاء الحادثتين، لكن أمكن إصلاحها وترميمها بطريقة مقنعة نسبيا.
كان رمبراندت مفتونا برسم الظلال الغامضة التي تستدعي المشاعر والانفعالات المتناقضة.
وكان يميل إلى استعمال الفرشاة العريضة ورسم مسارات من الألوان المتكسّرة واستخدام السكّين وحتى أصابعه في بعض الأحيان. وهذا ما دفع النقاد إلى وصفه بالمزاجية والخروج عن المألوف.
وكان من عادته أن يرسم على ضوء شمعة بعد أن يحكم إغلاق باب غرفته. وهذا هو السبب في انه أصبح يسمّى في ما بعد بـ "فنّان العتمة".
استقبلت اللوحة زمن رمبراندت استقبالا جيّدا، ويُذكر في هذا الصدد أن الخطوط الجوّية الهولندية استخدمت هذه اللوحة في أحد إعلاناتها الترويجية.
"الحَرَس الليلي" طافت بالعديد من متاحف العالم الكبرى وهي اليوم من ضمن مقتنيات متحف ريكس الهولندي.

Wednesday, September 26, 2007

لوحات عالميـة - 135‏

بورتريـه بينـدو آلتـوفيـتــي
للفنان الإيطالي رافـائيــل، 1515

يعتبر رافائيل احد أعظم الرسّامين وأكثرهم أصالة وموهبة.
وكان يعتبر دا فنشي صديقه ومعلمه ووالده الروحي، بينما كانت علاقته مع ميكيل انجيلو عاصفة ومتوّترة معظم الأحيان بسبب التنافس بين الرجلين.
في هذا البورتريه الجميل رسم رافائيل صديقه بيندو آلتوفيتي الذي كان سليل عائلة عريقة من فلورنسا وصديقا للكثير من الفنانين المهمّين في عصره مثل ميكيل انجيلو ورافائيل.
وأوّل ما يلفت الانتباه في هذا البورتريه هو وسامة صاحبه اللافتة وتعابيره الوقورة وملامحه الواثقة وفخامة لباسه وأناقة مظهره بشكل عام. وكلها أمور تشي بثراء الرجل وأصله النبيل.
هناك أيضا التفاتة الرجل والطريقة التي ينظر بها والتي لا تخلو من مسحة مسرحية واضحة.
ومما يجذب الانتباه أيضا في البورتريه روعة وتناغم ألوانه المكوّنة من الكحلي والأصفر ودرجاتهما وكذلك أناقة خطوطه ونعومة تفاصيله. هنا أيضا يمكن أن نتلمّس تعامل الفنان المبهر مع الأثاث والألبسة التي تشعّ بالضوء والألوان المتوهجة والباذخة.
وكالعادة ركّز رافائيل على ملامح الرجل التي تعطي فكرة كافية عن مكانته وأهمّيته في مجتمع عصر النهضة الايطالي.
في ذلك العصر، كان الفنانون والمبدعون يركّزون على تمثيل الأفكار السامية والمثل الأفلاطونية باعتبارها تجسيدا لعظمة ونبل الإنسان.
في سنّ السادسة عشرة ورث آلتوفيتي مصرف والده الذي استطاع من خلاله تكوين ثروة طائلة مكّنته من أن يصبح شخصية متنفّذة عند البابا بول الثالث.
وظلّ نفوذه يمتدّ باطراد إلى أن أعلن على الملأ معارضته لأسرة ميديتشي وعزمه تأييد الحكم الجمهوري في فلورنسا.
غير انه لم يلبث أن قُبض عليه واتهم بالعصيان وصودرت جميع ممتلكاته في توسكاني.
في بعض الأوقات ساد اعتقاد خاطئ بأن رافائيل رسم هذا البورتريه لنفسه، ومما ساعد على رواج هذه النظرية حقيقة أن رافائيل نفسه كان معروفا بوسامته الفائقة وحسن مظهره.
وقد ولد هذا الفنّان رسّاما بالفطرة وكان دائما ميّالا للتفكير المتأمّل والحزين وأعماله جميعها، تقريبا، حتى تلك التي تتناول موضوعات دينية كانت تتمحور حول فكرتي الجمال والصفاء النفسي.
بورتريه بيندو آلتوفيتـي كان وما يزال موضوعـا للتناول والنقاش في أوساط نقّاد الفن والأكاديميين المتخصّصين، وقد ألف ديفيد براون كتـابـا عن قصّة البورتريه وخلفية العلاقة التي ربطت الفنّان المبدع بالمصرفي الوسيم.
توفي رافائيل بالحمّى في يـوم عيد ميلاده السابع والثلاثين ودُفن في البانثيون بروما وسط مظاهر حزن واسعة.

Tuesday, September 25, 2007

لوحات عالميـة - 134‏

بورتـريـه بـيـتـهوفــن
للفنان الألماني جوزيـف كـارل شتـيلـر، 1820

من المؤكّد أن الكثيرين منّا ألفوا رؤية هذا البورتريه أو انه سبق لهم رؤيته ولو مرّة واحدة على الأقل من قبل.
والبورتريه يمثل اليوم أشهر عمل تشكيلي يصوّر بيتهوفن، أكثر المؤلفين الموسيقيين تأثيرا وشهرة على مرّ العصور.
وأهمية البورتريه تكمن في انه أنجز خلال حياة بيتهوفن نفسه، وبالتحديد في ربيع العام 1820، أي انه ينقل لنا بكثير من الوضوح والدقّة ملامح وجه الموسيقي الشهير وبعضا من مظاهر عبقريته.
وقد استُنسخ وطبع من هذا البورتريه منذ انجازه ملايين النسخ ويمكن رؤيته على أغلفة الكتب والاسطوانات المدمجة التي تتضمّن أعمال بيتهوفن الموسيقية.
أمّا فكرة رسم البورتريه فكانت بناءً على طلب من فرانز برينتانور وزوجته اللذين كانا صديقين لبيتهوفن.
المعروف أن بيتهوفن كان يعاني دائما من آلام الظهر المزمنة بالإضافة إلى ظروف إعاقته. لذا فقد اضطرّ إلى أن يجلس أمام الرسّام أربع مرّات وفي أوقات متفاوتة لكي يتجنّب آلام الجلوس الطويل على الكرسي.
في اللوحة يظهر بيتهوفن ممسكا القلم بيد وباليد الأخرى كراسّ نوتة موسيقية مكتوبا على غلافها اسم إحدى مقطوعاته الموسيقية بالألمانية.
وطريقة وقوفه وطبيعة نظراته توحي بأنه مستغرق في تأمّل عميق انتظارا لما قد يجود به الإلهام من موسيقى وألحان.
وليس مستغربا أن الرسّام اختار رسم بيتهوفن في غابة، حيث عُرف عن الأخير افتتانه الشديد بالطبيعةُُُُ وقد خصّص العديد من مقطوعاته الموسيقية لوصف الطبيعة والتغنّي بجمالها.
في بدايات القرن التاسع عشر كان الفنان جوزيف شتيلر يحظى بشعبية واسعة، وقد عمل في إحدى فترات حياته رسّاما في بلاط امبراطور بافاريا ورسم بورتريهات لكل من الشاعر والفيلسوف غوته والملكة اليونانية اماليا وملك نابولي بالإضافة إلى عدد من النبلاء وأفراد العائلات الملكية في النمسا وبروسيا والسويد.
وكما هو الحال في أعماله الأخرى، ابتعد جوزيف شتيلر عن النواحي الزخرفية واستخدم الألوان الفاتحة والداكنة معا لكي يبرز أكثر الملامح المميّزة لوجه الشخصية.
ذات مرّة قال احد الكتاب واصفا هذا البورتريه أن بيتهوفن يبدو فيه مثل عالم مجنون يجلس في معمله ويمزج مكوّناتٍ وعناصرَ لا يمكن أن تجتمع كلها في مكان واحد. انه يطلق طاقته المكبوتة ليأتي لنا بهذا المزيج المتفجّر والمدهش من الموسيقى والألحان التي لا تخطر على بال".
بيتهوفن كان احد مؤسّسي الرومانسية الموسيقية في القرن التاسع عشر، وكان عازفا بارعا على آلتي الفيولين والبيانو. وفي الفترة من 1800 – 1815 ألف أعظم أعماله الموسيقية على الإطلاق، أي سيمفونياته الشهيرة من الثانية إلى الثامنة.
وفي نهايات حياته أصبح يهتم بتأليف الترانيم المقدّسة والموسيقى الجنائزية، كما كتب أيضا السيمفونية التاسعة والتي استوحى فكرتها من قصيدة للشاعر شيللر يمجّد فيها الأخوّة الإنسانية والأفكار المثالية.

موضوع ذو صلة: بين بيتهوفن وغوته