Saturday, September 18, 2010

لوحات عالميـة – 259

ضـوء القـمـر
للفنان البولندي إيغـور ميتـوراج، 1986

ظلّ القمر حاضرا في وعي وذاكرة الإنسان منذ أقدم الأزمنة. وكان وما يزال يقوم بدور المرآة التي تعكس كلّ الأشياء الجميلة على الأرض. وقد تغنّى الشعراء والكتّاب والفلاسفة بالقمر منذ الأزل. وكان دائما مصدر إلهام لأشهر اللوحات والقصائد والأغاني.
في مقطع من قصيدة "الأرض اليباب" يقول تي إس إليوت: في هذه الحفرة المتغضّنة وسط الجبال، في ضوء القمر الخافت، يغنّي العشب فوق القبور الدارسة". ويقول شاعر آخر: الضوء الأخير غادر العالم. وحده ضوء القمر ينام فوق العشب وخلف ظلال الأشجار الطويلة".
وهناك حكمة قديمة تقول إن أجمل الوجوه هي تلك التي تُرى في ضوء القمر عندما يرى الإنسان نصف الأشياء بعينه ونصفها الآخر بخياله".
النحّات إيغور ميتوراج اختار أن يمثّل ضوء القمر بطريقة سوريالية عندما صوّره على هيئة وجه مكسور وساقط على العشب. الوجه يحمل ملامح الشخوص التي تصوّرها التماثيل الكلاسيكية القديمة من العصرين الروماني واليوناني.
في هذا العمل هناك إحساس واضح بالحداثة. لكنه يتضمّن أيضا إشارات إلى الجماليات الكلاسيكية التي أصبحت اليوم جزءا من الماضي.
يمكن أيضا ملاحظة أن أطراف وجه التمثال مكسورة أو متآكلة. وهي سمة تغلب على أعمال ميتوراج النحتية، وكأنه يذكّر بالتلف الذي لحق بالكثير من التماثيل الكلاسيكية بفعل مرور الزمن.
لكن لماذا هذه التسمية الغريبة، أي ضوء القمر؟ هناك أكثر من احتمال. وجه التمثال قد يكون وجه هيرميس إله النور في الأساطير القديمة الذي كان يلجأ إليه الناس عندما يحلّ الظلام كي يعيد لهم الضوء، الذي هو رمز للطريق أو الوجهة الصحيحة.
ويمكن أن يكون الفنّان أراد من خلال التمثال انتقاد الحضارة الحديثة والتحذير من أدوات الدمار التي أصبح أثرها لا يقتصر على الأرض فقط وإنما امتدّ ليشمل الفضاء والكواكب البعيدة.
وربّما أراد الإشارة إلى تضاؤل اهتمام الناس اليوم بالأساطير القديمة التي تتحدّث عن الظواهر الطبيعية ومن ثمّ ضعف ارتباطهم بالقوى العلوية أو الغيبية.
بعض الشعوب القديمة كانت تعبد القمر وترى في ضوئه الأنيس الذي يخفّف الإحساس بالخوف من الليل والظلام والمجهول. والشعوب الشرقية القديمة كالصينيين واليابانيين كانوا يرون في اكتمال ضوء القمر متعة جمالية وروحية تستحقّ أن تُقام من اجلها الطقوس والاحتفالات. ولم يكن مستغربا أن تُنسب أجمل قصيدة عن القمر لشاعر صيني، وأن يكون أشهر من رسم ضوء القمر رسّام ياباني.
اُقيم هذا التمثال على أرضية احد المنتزهات في ولاية ميشيغان الأمريكية. والمنتزه يضمّ مجموعة من الأعمال النحتية، بعضها لنحّاتين مشهورين مثل هنري مور ورودان واولدنبيرغ. وقد انشيء المنتزه في القرن التاسع عشر، وهو يضمّ جداول وشلالات ومروجا بالإضافة إلى عدد لا يُحصى من النباتات والأشجار.
في العصر الحديث أصبح منظر ضوء القمر يرمز للفقد أو الغياب وأحيانا للتأمّل والحنين. وهذه الأفكار والمشاعر نجد لها صدى في موسيقى بيتهوفن وشوبان وديبوسي وفي لوحات بعض الرسّامين المعاصرين مثل ويسلر وفان غوخ وإدفارد مونك.
إيغور ميتوراج ولد في ألمانيا لعائلة من أصول بولندية. وقد درس الرسم في وارسو وباريس. وفي ما بعد، وتحت تأثير افتتانه بالفنّ والثقافة اللاتينية، ذهب إلى ايطاليا. وهناك قرّر أن يترك الرسم ويمتهن النحت. وميتوراج يُعتبر اليوم من أبرز وأشهر الفنّانين البولنديين المعاصرين. ومنحوتاته موجودة في العديد من المتاحف والمؤسّسات الفنّية وصالات ومكاتب بعض أشهر الشركات العالمية.
وهو يصنع منحوتاته من الرخام والبرونز غالبا. ودائما ما تظهر على شخوصه آثار التلف أو الدمار، فيبدو بعضها برؤوس مكسورة أو وجوه تلّفها الضمادات أو جذوع متصدّعة، بينما يظهر البعض الآخر بلا أيد أو أطراف.
منحوتات ميتوراج، بأطرافها المبتورة وقطعها المتشظّية، قد تكون أكثر من مجرّد محاولة لتشريح الماضي. وربّما يكون لها ارتباط بالتجارب والانفعالات الشخصية للفنّان. وهناك احتمال آخر بأن تكون مظاهر التآكل والتلف فيها تعبيرا عن زمن وجودي أكثر منه تاريخي.
ومن أشهر أعماله الأخرى تمثال لـ ايروس إله الحبّ يظهر فيه معصوب العينين ولا يحمل سهماً كما جرت العادة، في إشارة إلى أن الحبّ أعمى ويختار ضحاياه بطريقة عشوائية.

Friday, September 17, 2010

لوحات عالميـة – 258

انتظــار
للفنان البلغاري فاليـري تسيـنـوف، 2007

بعض الأعمال التشكيلية تنظر إليها فتجذب انتباهك وتأسرك من اللحظة الأولى. وعندما تتأمّلها عن قرب تدرك أنها مختلفة وأنها تتضمّن قدرا كبيرا من الأصالة والابتكار.
وهذا الوصف ينطبق على لوحات فاليري تسينوف.
يكفي أن ترى إحدى لوحاته مرّة، ثم سيسهل عليك بعدها التعرّف على لوحاته الأخرى تلقائيا حتى عندما لا تكون ممهورة باسمه.
والحقيقة انه يصعب كثيرا وصف أعمال هذا الفنّان أو تصنيفها ضمن مدرسة أو تيّار أو أسلوب فنّي بذاته.
صحيح أنها تتضمّن سمات تجريدية وتعبيرية. غير أنها بنفس الوقت لا تخلو من مضامين رمزية.
كأن هذا الفنّان وهو يرسم يريد منك أن تأتي إليه ومعك تجاربك الشخصية والخاصّة. والطبيعة بالنسبة لـ فاليري تسينوف هي أعظم مصادر الإلهام. كما انه يعشق التنوّع في كلّ شيء. وهذا ليس بالأمر المستغرب. فقد ولد في بلغاريا منذ خمسين عاما. والثقافة البلغارية معروفة منذ القدم بتنوّعها وامتزاجها بالعديد من المؤثّرات الحضارية من الشرق والغرب.
لذا تبدو أعماله وكأنها تحمل رسالة حضارية عن أهمّية وثراء امتزاج الثقافات وتفاعلها في ما بينها.
فاليري تسينوف يعتبره الكثيرون اليوم ظاهرة في الرسم البلغاري. وقد درس الرسم في أكاديمية صوفيا للفنون وأقام معارض للوحاته في ألمانيا وسويسرا وفرنسا وغيرها من البلدان الأوربية. وقد أهّله تميّزه الفنّي لنيل أكثر من جائزة.
لوحات تسينوف إجمالا تتميّز بهدوئها وسكونها الغريب الذي ينعكس على ملامح نسائه الخالدات بوجوههنّ التي تشبه الايقونات. أحيانا يبدين مبتسمات. وأحيانا أخرى حزينات أو متأمّلات، بينما يأخذن الناظر إلى عالم من السحر والغموض يقع على الحدّ الفاصل ما بين الواقع والحلم، وبين الماديّ والروحي.
في هذه اللوحة يرسم تسينوف امرأة تمسك بكأس وتجلس متأمّلة على أريكة.
الألوان ساحرة. اللون الأحمر هو المهيمن هنا. الخلفية مليئة بالأنماط والنقوش والأشكال. طيور، أباريق، أزهار وأشجار.
في الجهة العلوية فواكه حمراء تشبه الكرز. وهناك حصان.
الخيول تتكرّر كثيرا في لوحات تسينوف. هل يكون الحصان رمزا للرجل الذي لا نجد له وجودا في جميع لوحات هذا الرسّام؟
الرموز الطافية والأشكال النقيّة والمجالات اللونية المتراقصة على امتداد مساحة اللوحة تخلق ارتباطات شاعرية وروحية في ما بينها. والمزج ما بين الشكل والمضمون فيه تناغم ومثالية.
من الواضح أن الرسّام يطوّع الإمكانيات التعبيرية للرموز من اسماك ومفاتيح وطيور وقواقع وأوان فخارية وفواكه وأزهار وخيول كي يشير إلى ما هو ابعد من الواقع الملموس.
هل نحن إزاء كشوفات روحية؟ محاولة للبحث عن الجمال في العالم؟
هل تكون لوحات فاليري تسينوف انعكاسا لنظرة الرسّام الفلسفية إلى العالم والتي يحاول من خلالها استكناه أسرار الوجود والبحث عن معنى باطني للأشياء واكتشاف العلاقة بين العوالم المنظورة والخفيّة؟
ثمّة طقوسية وبدائية ورمزية واضحة في لوحات تسينوف. وهي ولا شك تشيع السعادة وتبعث على التفاؤل والأمل. كما أنها تذكّرنا بأن الرسم، مثل الموسيقى، يمكن أن يأخذنا إلى عالم من الأحلام والفتنة.

Thursday, September 16, 2010

لوحات عالميـة – 257

ايفـان الرهيـب يقتـل ابنـه
للفنان الروسي إيـليـا ريـبـيـن، 1873

كان ايفان أوّل حاكم لروسيا يُلقّب بالقيصر. وقد أتى إلى الحكم وعمره ثلاث سنوات. كانت والدته هي الحاكم الفعلي. ولم يتوّج هو حاكما إلا عندما أتمّ السادسة عشرة من عمره.
في بدايات حكمه تبنّى ايفان نهجا إصلاحيا وتحديثيا وأسّس جيشا قويّا واخضع الكنيسة بالكامل لسلطة الدولة.
لكنه لم يلبث أن انشغل بالحروب، فغزا أراضي السويد وليتوانيا وبولندا. ودامت حروبه تلك أكثر من عشرين عاما، ما أدّى إلى إضعاف البلاد وتدمير اقتصادها.
ولكي يعزّز سلطته، أنشأ ايفان البوليس السرّي ووضع على رأسه مجموعة من السفّاحين والمجرمين. وقد بطش هؤلاء بالناس ولم يكونوا يفرّقون بين مذنب أو بريء.
كان ايفان يفرط في الشراب وحياة التخلّع والمجون. وشيئا فشيئا، أصبحت انفعالاته غير متّزنة وأصبح يُظهر ميلا متزايدا إلى العنف.
وعندما ثارت عليه إحدى المدن قام بقتل جميع سكّانها في مذبحة رهيبة ذهب ضحيّتها أكثر من ثلاثين ألف إنسان.
زوجته الأولى كانت قد أنجبت له ستّة أطفال. غير أنها ماتت وهي دون الثلاثين بسبب قسوته وإهاناته المتكرّرة.
وعندما احتجّ رجال الكنيسة على تصرّفاته، قام بقتل بعضهم وتعذيب البعض الآخر. كان هو نفسه منتسبا للكنيسة الاورثوذوكسية. والغريب انه لم يكن يتأخّر عن الصلاة على أرواح ضحاياه من الكهنة والرهبان.
كانت الكنيسة تسمح للرجل بالزواج ثلاث مرّات. لكن ايفان الرهيب استثنى نفسه من ذلك القانون واتخذ له في الكرملين أكثر من ألف محظيّة، رغم انه كان متزوّجا من ستّ نساء. وكان مصير كلّ من يطلّقها من زوجاته إما القتل أو النفي إلى دير ناء ومنعزل.
ويقال انه بعد أن أكمل بناء كاثدرائية باسيل استدعى المهندسين الذين شيّدوها ثم أمر بسمل عيونهم كي لا يبنوا لأحد آخر مثلها.
وكان ايفان يصرّ على أن يشهد أعداؤه عذابهم الأخروي في الدنيا. وكان يُطبّق بحقّهم ما ورد في الإنجيل من أساليب التعذيب والبطش التي تنتظر الخاطئين في الجحيم، من خنق وإغراق وضرب حتى الموت وإعدام على الخازوق وغمر في الماء المغليّ وهم أحياء.
في هذه اللوحة، يصوّر ايليا ريبين حادثة قتل ايفان لابنه الأكبر الذي كان مرشّحا لخلافته على العرش. ففي احد الأيّام سمع الابن زوجته تصرخ. وعندما أتى لاستطلاع الأمر وجد والده يضربها بالسوط. كان ايفان منفعلا بسبب ارتداء المرأة ملابس غير محتشمة. وكانت هي حاملا في شهرها السابع. وقد حاول الابن إيقاف والده وتهدئته. لكنه كان ثائرا. وفي ذروة غضبه تناول آلة معدنية حادّة وضرب بها ابنه على رأسه، الأمر الذي تسبّب في موته عن غير قصد.
وقد رسم ريبين تلك الحادثة بشكل دقيق ومعبّر. علامات الرعب المرتسمة على وجه العجوز تُظهر إحساسه بالصدمة والندم جرّاء ما فعله. واختيار الرسّام لطبيعة المكان الذي تجري فيه الحادثة وكذلك للإضاءة والظلال ولألوان الديكور الداكنة في الخلفية، كلّها عناصر تعبيرية أضافت إلى المشهد الدرامي المزيد من العمق والواقعية.
في اللوحة لا نرى ايفان الساديّ والمتوحّش، بل رجلا مجنونا يبدو وكأنه يرثي نفسه ويتحسّر على ضياع آخر أحلامه.
وقعت هذه الحادثة في السنوات الأخيرة من حياة ايفان الرهيب ولم يعش بعدها أكثر من أربع سنوات. في ذلك الوقت كان قد أصبح عجوزا ضعيفا ومريضا وكانت إصلاحاته قد فشلت. وتحت تأثير أعراض البارانويا، كان يرى نفسه محاطا بالمتآمرين والخونة.
كان الروس، ومن بينهم ريبين، يرون في تلك الحادثة كارثة، لأنها آذنت ببداية حقبة جديدة من المشاكل. فقد أعقبها غزو الجيوش الأجنبية لبلدهم قبل أن تمزّقها الحرب الأهلية.
ربّما لا يتفوّق على ايفان الرهيب في وحشيّته وقسوته سوى جوزيف ستالين الذي يقال بأنه قتل خلال سنوات حكمه أكثر من عشرين مليون شخص وكان يرى في ايفان مثله الأعلى.
وعندما شرع سيرغي ايزنستاين في إخراج فيلمه المشهور عن حياة ايفان الرهيب قال له ستالين: كان حاكما مثيرا للإعجاب، لكنه كان ضعيفا لأن الله وقف في طريقه". كان ستالين يشير إلى نوبات الندم التي كانت تعتري ايفان وصلواته على ضحاياه.
حَكَم ايفان الرهيب روسيا خمسين عاما. وقد بدأ كملاك وانتهى كشرّير. ويشاع انه مات مسموما. وبعد موته دُفن في ثياب كاهن أملا بأن يحصل على عفو وأن تُغفر خطاياه.
وكانت سيرته موضوعا لأكثر من فيلم وبرنامج وثائقي. كما ألّف الكاتب والروائي الفرنسي من أصل روسي هنري ترويا كتابا يقال انه أفضل مرجع يؤرّخ لحياة ايفان وفترة حكمه.

Tuesday, September 14, 2010

لوحات عالميـة – 256

ملكـة الطـوارق
للفنان الجزائري حسيـن زيّـانـي، 2007

في كتب التاريخ والأدب، كثيرا ما يُوصف الطوارق "أو الأمازيغ" بالرجال الزُرق بسبب ميلهم لارتداء ملابس يغلب عليها اللون الأزرق.
وفي تقاليد الطوارق فإن الرجال هم من يرتدي الخمار بينما تكشف النساء عن وجوههن.
والكثير من الأعمال الأدبية ترسم للطوارق صورة لا تخلو من رومانسية بالنظر إلى ارتباط تاريخهم منذ القدم بالصحراء وما ترمز له من جلال وغموض وخطر.
غير أنهم أيضا مشهورون بشجاعتهم وشدّة بأسهم في الحروب والمعارك. وكانت نساؤهم وما زلن يتمتّعن بالكثير من مظاهر المساواة مع الرجال. وفي حالات كثيرة كانت النساء هنّ من يتدرّبن على القتال وخوض المعارك بينما يُعهد للرجال بتولّي الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال.
وبعد دخول الأمازيغ في الإسلام، فقدت نساؤهم بعضا من قوّتهن. لكنّهن ما يزلن يلعبن الكثير من الأدوار الاجتماعية والاقتصادية فيتزوّجن بإرادتهن ويُحترم رأيهنّ في المجالس التي تناقش مسائل القبيلة والمجتمع. كما أن تقاليد الأمازيغ ما تزال تحرّم تعدّد الزوجات وتعتبر ذلك انتهاكا للعرف العشائري.
في هذه اللوحة يرسم حسين زيّاني "تين هينان" أشهر امرأة في تاريخ الأمازيغ. وقد أشار إلى هذه المرأة العديد من المؤرّخين ومن بينهم ابن خلدون في بعض كتبه. ويعود الفضل إلى تين هينان في توحيد قبائل الأمازيغ وتأسيس أوّل مملكة لهم في الجبال تحت زعامتها خلال القرن السابع الميلادي.
وتُروى عن هذه المرأة قصص غريبة تشبه الأساطير وتتحدّث عن حكمتها ودهائها وقدراتها الخارقة. بعض المصادر تذكر انه عندما وصلت جيوش الأمويين إلى المنطقة في بدايات الفتح الإسلامي، خاض الطوارق بقيادة تين هينان حرب مقاومة ضارية ضدّ الجيوش المهاجمة.
وبسبب استماتة الأمازيغ في القتال، اضطرّت الجيوش العربية إلى التراجع والمرابطة في الصحراء لسنوات. لكن مع وصول المدد من مصر، تمّ إلحاق الهزيمة النهائية بالأمازيغ ولم يمض وقت طويل حتى اعتنقوا الإسلام.
في اللوحة تجلس تين هينان على كرسيّ من الخشب المزخرف وتمسك بريش طاووس بينما يحرسها مجموعة من الرجال الملثّمين الذين يحملون تروسا ورماحا طويلة. نظرات المرأة وتعابير وجهها تشي بالجسارة والنبل والاعتداد بالنفس.
بعض التفاصيل في اللوحة مثل الملابس التقليدية والحليّ والمجوهرات الأنيقة التي ترتديها المرأة توحي بأنها هنا لحضور احتفال ما أو مناسبة اجتماعية. جمالها وأناقتها اللافتة تعيد إلى الأذهان ما قيل من أنها استطاعت توظيف جمالها سياسيا لإخضاع قبائل الأمازيغ ودمجهم في كيان واحد.
خلفية اللوحة باهتة وليس فيها تفاصيل كثيرة، ما يدفع الناظر إلى التركيز على موضوع اللوحة الأساسي، أي المرأة.
كان للنساء الأمازيغيات حضور مهمّ زمن الخلافة الإسلامية في بغداد واسبانيا ومصر. وكنّ مشهورات بذكائهن وبجمالهنّ الخاصّ. وكانت والدة احد الخلفاء العباسيين امرأة أمازيغية تُدعى سلامة.
وتاريخ الأمازيغ عموما يحفل بالعديد من النساء المقاتلات. إحداهنّ، واسمها بارشاكو، اشتهرت بارتدائها ملابس الرجال وغاراتها المتكرّرة على القبائل الأخرى. وهناك امرأة مشهورة أخرى اسمها "الكاهنة" عُرفت بشجاعتها ودهائها. وعندما تعرّضت ارض قومها للاحتلال عرضت على قائد الجيش الغازي أن يقترن بها ثم قامت بذبحه ليلة الزواج.
ويقال إن هؤلاء النساء ينحدرن من سلالة النساء الأمازونيات اللاتي تذكر بعض المصادر التاريخية أن موطنهنّ الأصلي كان غرب ليبيا حيث عاش الأمازيغ وما زالوا.
ولد الرسّام حسين زيّاني في الجزائر قبل خمسين عاما لعائلة متوسطة الحال. ومنذ صغره كان يظهر ميلا خاصّا للرسم. كان أوّل ما رسمه بعض مظاهر الحياة اليومية في قريته الصغيرة. ثم أصبح يرسم الطبيعة والمواضيع التاريخية وأحيانا الفانتازية.
كما رسم صورا من تاريخ الجزائر، من أهمّها لوحة للأمير عبدالقادر الذي يوصف بأنه مؤسّس الجزائر الحديثة.
ولوحات زيّاني يغلب عليها الأسلوب الواقعي. وبعضها تذكّر بالرسم الاستشراقي ولوحات ديلاكروا على وجه الخصوص.
ومن الواضح انه يولي أهمّية خاصّة بالتفاصيل والألوان وتفاعلات الضوء والظل.
في بدايات القرن الماضي عثرت بعثة أثرية فرنسية على قبر تين هينان في احد المواقع القديمة في جنوب الجزائر. واكتُشفت داخل القبر عملات وأوان خزفية تعود إلى ذلك العصر. وفي ما بعد نُقلت رفاتها إلى احد متاحف الجزائر العاصمة حيث وضعت داخل صندوق زجاجي مع ثوبها وحليّها.

موضوع ذو صلة: محاربات الأمازون