Monday, April 17, 2017

لوحات عالميـة – 386

روحـان متآلفتـان
للفنان الأمريكي آشـر دورانـد، 1849

ظهرت مدرسة نهر هدسون للرسم الأمريكي عام 1850 بتأثير من الرسّام الانجليزيّ المهاجر توماس كول الذي وصل إلى نيويورك عام 1825. وبسبب التأثير الواسع للوحاته عن الطبيعة، فقد اعتبر كول المؤسّس الفعليّ لتلك المدرسة.
وقد أنتجت مدرسة هدسون لوحات لا تُنسى في الرسم الأمريكيّ. وكان من أقطابها بالإضافة إلى توماس كول كلّ من فريدريك تشيس والبيرت بيرستادت وآشر دوراند وغيرهم.
واستوحى هؤلاء إلهامهم من لوحات بعض نظرائهم الأوربّيين مثل كلود لورين وجون كونستابل، ومن أفكار مشاهير الكتّاب الأمريكيين في ذلك الوقت مثل هنري ثورو ورالف ايمرسون وغيرهما.
وكانت الأعمال الملحمية لهؤلاء تجسّد تقديسهم للطبيعة وتعكس القيم الوطنية الأمريكية وأفكار الاستكشاف والارتياد والاستيطان التي كانت سائدة في منتصف القرن التاسع عشر.
وقد خلّدوا في لوحاتهم الأراضي الرائعة لوادي هدسون وما وراءه، كما صاغوا رؤية جديدة عن إمكانيات بلد كان ما يزال يحاول التعرّف على هويّته.
كانت مناظر الطبيعة التي كانوا يرونها في تلك النواحي تثير الرهبة في نفوسهم وكانوا يعتقدون أن تلك الطبيعة غير المروّضة تعكس جوانب من الشخصية الوطنية لبلدهم.
آشر دوراند كان أكثر أعضاء مدرسة نهر هدسون تديّنا، وكان يؤمن بأن الله موجود في كلّ تفاصيل الطبيعة وأن رسم الطبيعة هو نوع من الصلاة أو التعبّد للخالق.
وعندما يُذكر اسم دوراند اليوم، فإن الناس يتذكّرونه بلوحاته التي رسمها للطبيعة الأمريكية البدائية، وخصوصا هذه اللوحة.
وكان قبل أن يرسمها قد تلقّى تكليفا من احد رعاة الفنّ الأمريكيّ آنذاك، ويُدعى لومين ريد، بأن يرسم بورتريهات لسبعة من رؤساء الولايات المتحدة.
ومن خلال ريد تعرّف دوراند إلى الرسّام توماس كول. كان كول ودوراند يجمعهما حبّهما المشترك لرسم المناظر الطبيعية. ثم أصبحا يذهبان معا في رحلات على الأقدام تستغرق أيّاما كي يرسما الطبيعة. وبحلول عام 1840 أصبح الاثنان يُعتبران أفضل رسّامي الطبيعة في أمريكا.
ومع ذلك كان هناك اختلاف بين أسلوبيهما، فلوحات كول كانت تمثّل التسامي وتجسّد المنظور الرومانتيكيّ في الرسم، وهو كان يؤمن بأن تصوير الطبيعة يجب أن يتضمّن رموزا ومفاتيح تعكس جلال وعظمة الخالق.
وفي المقابل، كان دوراند يفضّل رسم الطبيعة الرعوية التي تحتوي على مناظر وأشخاص ويميل إلى الرسم الواقعيّ الذي كان يدعو إليه الناقد الانجليزيّ جون راسكن.
في تلك الأثناء، كان يعيش في نيويورك تاجر يُدعى جوناثان ستورغيس، وقد كلّف دوراند بأن يرسم لوحة يصوّر من خلالها الصداقة التي كانت تربط بين كلّ من أستاذه وصديقه توماس كول والناقد والشاعر وليام برايانت.
وكان هؤلاء الأربعة يشكّلون حلقة واحدة ويجمعهم حبّهم المشترك للأدب والفنون.
وبالفعل رسم دوراند هذه اللوحة التي تصوّر صديقيه كول وبرايانت وهما يقفان فوق حافّة صخرة تشرف على منظر طبيعيّ رائع في منطقة جبال كاتسكيل في نيويورك.
العنوان الذي اختير للوحة مقتبس من بيت شعر ورد في إحدى رباعيّات الشاعر الانجليزيّ جون كيتس بعنوان "عزلة" يتحدّث فيه عن الأرواح المتآلفة والمتحابّة.
وقد طلب دوراند من صديقيه أن يأتيا معه ليرسمهما في ذلك المكان الذي تكثر فيه المنحدرات والشلالات. وكان كول نفسه قد استكشف ذلك المكان ورسمه في حياته أكثر من مرّة بعد أن أعجب بطبيعته.
جبال كاتسكيل تُعتبر من أقدم مناطق الجذب السياحيّ في أمريكا. وكان المهاجرون الهولنديّون أوّل من وصل إلى المنطقة في القرن السابع عشر. ولزمن طويل، كانت غاباتها وجبالها وبحيراتها وشلالاتها مصدر إلهام للعديد من علماء الطبيعة والفنّانين والكتّاب والرسّامين، وظهرت كثيرا في الأدب والشعر والرسم خلال القرن التاسع عشر.
ولطالما اعتُبرت تلك المنطقة صورة نموذجية للحياة الفطرية النقيّة وللأفكار المثالية عن البرّية، بينما رأى البعض فيها شكلا من أشكال الجنّة البدائية.
وكان السكّان الأصليّون من الهنود الحمر يتجنّبونها بسبب ارتفاعها الشاهق وانعدام المراعي فيها. أما المهاجرون الأوربّيون الذين وصلوا إلى العالم الجديد في وقت مبكّر فقد اعتبروا هذه الجبال مناطق خطرة وغير آمنة ولا يجرؤ على سكناها سوى الهنود البدائيين.
وكان من أوائل من كتبوا عن جبال كاتسكيل وامتدح شلالاتها وطبيعتها الكاتب المعروف واشنطون إرفنغ الذي ذكرها في إحدى قصصه المنشورة عام 1819م.
غير أن المنظر الذي رسمه دوراند في هذه اللوحة ليس حقيقيّا تماما ولا يعكس تضاريس المنطقة بدقّة، لأن الرسّام اختار على ما يبدو أن يرسم أفضل ما في ذلك المكان ولم ينسَ أن يضفي على طبيعته مسحة مثالية.
كان الغرض الأساسيّ من اللوحة تصوير الرابطة الحميمة بين شخصين يتشاركان في نفس الأفكار وتجمعهما رؤية فنّية ترتبط بحمال الطبيعة وبالإحساس بروح المكان. كما يمكن اعتبار اللوحة تجسيدا وتخليدا للأخوّة الفكرية والفلسفية بين كول وبرايانت.
بعض الكتّاب يقولون إن هذه اللوحة تُمسك بقصّة بروز نيويورك كعاصمة أدبيّة وفنّية لأمريكا. فوليام برايانت كان من المؤسّسين لمتحف المتروبوليتان في المدينة، مع أن كول نفسه كان معروفا بكراهيته للحياة في المدن وبحبّه للأرياف وللطبيعة التي ما تزال تحتفظ بجمالها البكر.
الجدير بالذكر أن هذه اللوحة ظلّت في عهدة عائلة برايانت إلى أن تبرّعت بها ابنته بعد وفاته إلى مكتبة نيويورك العامّة عام 1904م. وبقيت اللوحة بحوزة المكتبة حوالي مائة عام إلى أن ابتاعها عام 2005 مشترٍ مجهول بمبلغ خمسة وثلاثين مليون دولار.