Saturday, October 08, 2005

لوحات عالميـة – 62

العــروس
1950 ،للفنّان الروسي مـارك شاغـال

من أهم الخصائص التي تميّز لوحات مارك شاغال تلك المسحة من السوريالية والفانتازيا التي تخاطب اللاوعي، وميل الفنّان إلى تضمين أعماله بعض اللمسات الشاعرية التي لا تخلو من غرابة أحيانا.

ولد شاغال في روسيا، وكان اكبر أخوته التسعة. وفي الفترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، هاجر إلى فرنسا حيث قضى في باريس بقيّة حياته. هناك درس أعمال كبار الرسّامين في ذلك الوقت واطلع عن كثب على المدارس التكعيبية والسوريالية والوحشية قبل أن يحدّد السمات الخاصّة والمتفرّدة التي أصبحت علامة فارقة للوحاته.
وقد نقل الفنان في الكثير من أعماله جوانب من ذكرياته عن مظاهر الحياة في قريته الروسية الصغيرة حيث ولد. كما ضمّن بعضها الآخر تفاصيل لأحداث مرّ بها في حياته الخاصّة.

لوحة العروس يعتبرها النقّاد احد أفضل أعمال شاغال وأكثرها شهرة. وهي تصوّر فتاة في ثوب زفاف احمر لامع، وبيدها باقة من الورد.
في هذه اللوحة تتجلّى مقدرة الفنّان في اختياره المتميّز للّون والشكل. وهي صفة اكتسبها من التعبيرية الروسية، التي زاوج في باريس بينها وبين الأسلوب التكعيبي الفرنسي.
بالإضافة إلى الفستان الأحمر القشيب، هناك الوشاح الأبيض المنسدل على رأس الفتاة. أما خلفية اللوحة فهي عبارة عن مزاوجة فريدة بين الألوان الرمادية والزرقاء.
والجانب الفانتازي في المشهد يبدو جليّا في صورة الخروف الذي يعزف الموسيقى، والسمكة التي تضرب على ما يشبه الدفّ، والرجل الواقف عند رأس الفتاة محاولا في ما يبدو تعديل الوشاح على رأسها لجعلها تبدو في صورة أحسن.
وفي الزاوية البعيدة ثمّة بناء ربّما كان كنيسة، على اعتبار أن الكنيسة عنصر أساسي في مراسم الزواج. المعروف انه تمّ توظيف هذه اللوحة في أعمال أدبية وشعرية وموسيقية مختلفة، كما ظهرت في مشاهد من أفلام سينمائية كان آخرها فيلم نوتنغ هيل.

شخوص شاغال، من عمّال وعشّاق وموسيقيين وحيوانات وأزهار، تجريديون. لكنْ يمكن التعرّف عليهم وتمييزهم بسهولة. ورسوماته مرحة ومليئة بالعاطفة كما أنها تركّز على الجوانب الخفيفة والايجابية من الحياة.
وهو لم يكن من الرسّامين الذين يحرصون على تغيير أساليبهم وتقنياتهم مع مرور الوقت. غير انه مع ذلك نجح في ابتكار لغة جديدة من الأشكال المشوّهة والألوان الغنيّة والاستعارات الشاعرية التي طوّعها لتصوير العالم من حوله ببساطة حالمة وبكثير من الحنين والشغف والبراءة.
كان شاغال يستخدم الكثير من الوسائط. كما برع في تناوله للسيراميك والموزاييك والزجاج المعشّق. ومن أشهر مشروعاته الديكورية سقف دار الأوبرا في باريس وجدارياته في أوبرا المتروبوليتان في نيويورك.

شاغال كان شخصا متفائلا ومحبّا للحياة. البيوت الصغيرة والبسيطة في لوحاته ومشاهد عازفي الكمان والعشّاق الذين يحتضن بعضهم بعضا في إطار من الألوان الجميلة والزاهية، كلّ ذلك يجعل من كلّ واحدة من لوحاته نشيدا للفرح والاحتفاء بالحياة.

وقد اجتذبته باريس التي كانت في ذلك الوقت مدينة للثقافة والحرّية والحداثة. كانت باريس في السنوات المبكّرة من القرن العشرين مدينة جاذبة للفنّانين والمبدعين من كلّ أنحاء العالم.

المعروف أن شاغال كان يهتمّ كثيرا بتصوير المشاهد الدينية، وله العشرات من الأعمال الفنية التي تستند في مضامينها إلى قصص من الإنجيل والعهد القديم. ومع ذلك، يصعب كثيرا تصنيف شاغال ووضعه ضمن تيّار فنّي محدّد. فهو يبدو فريدا وخاصّا ولا يشبه أحدا. لكن بعض منتقديه يجدونه عاطفيا أكثر من اللازم ويكرّر نفسه.

والذين كتبوا سيرته يقولون انه ابتكر لغة صورية سجّل من خلالها بعض لحظات الإثارة والرعب التي حفل بها القرن العشرين. كما أن لوحاته تؤشّر إلى انتصار الحداثة وتحوّل الرسم إلى أداة للتعبير عن المشاعر الداخلية. وقد مسّته هو شخصيا بعض فظاعات الحرب أثناء فترة الحربين العالميتين والثورات والاضطهاد العرقي والنفي . في ذلك الوقت، لجأ العديد من الفنّانين الكبار إلى التجريد كوسيلة للهروب من الواقع، بينما فضّل شاغال أن يحوّل تجاربه ومعاناته إلى صور فورية وبسيطة ورمزية يمكن أن يستجيب لها كل إنسان.

Wednesday, October 05, 2005

لوحـات عالميـة – 61


نـوم العقـل يوقـظ الوحــوش
للفنان الإسباني فرانشيسـكو دي غــويا، 1799

يعتبر فرانشيسكو دي غويا أحد كبار روّاد الفن الحديث الذين ظهروا خلال القرن التاسع عشر.
تميّز نتاجه الفني الذي امتدّ طوال اكثر من ستين عاما بالتنوّع والغزارة. وقد جرّب غويا الأساليب الكلاسيكية في بدايات احترافه للرّسم، لكنه تحوّل إلى الرومانسية التي طبعت جزءا مهمّا من أعماله.
ولد في ساراغوسا بإسبانيا وتتلمذ على يد خوسيه لوزان الذي تعلّم منه الرسم وتقليد أعمال الفنانين الكبار. ثم لم يلبث أن سافر إلى إيطاليا ليتعلّم فيها أساليب الروكوكو الزخرفية.
كان الفنان يتمتّع بشعبية كبيرة عند العامة، وعاصر ثلاثة أجيال من ملوك إسبانيا وكان مقرّبا من أوساط السّلطة ومراكز النفوذ. ورغم ذلك، فقد ظلّ غويا على خلاف مع البلاط والنظام الملكي والكنيسة. والكثير من لوحاته لم ترَ النور إلا بعد وفاته، لأنها اعتبرت مضادّة للأعراف الدينية والممارسات السياسية التي كانت سائدة في عصره.
ُعرف عنه ميله إلى ملاحظة السلوك الإنساني وتمثيل الطبيعة البشرية في لوحاته بأسلوب لا يخلو من السخرية والرؤى الفنتازية.
في العام 1799 رسم غويا مجموعة من 48 لوحة اسماها "الـنـزوات Los Caprichos"، كرسّها للسخرية من النبلاء ورجال الدين وكشف شرور وآفات المجتمع. وعندما عرض غويا مجموعته للبيع، سرعان ما تمّ سحبها بأمر من محاكم التفتيش الإسبانية، إذ كانت إحدى تلك اللوحات تصوّر مشهدا لاحد ضحايا تلك المحاكم، الأمر الذي كان يشي بتعاطف الفنان مع الضحايا ومعارضته للفظائع التي كانت ُترتكب في ذلك الوقت.
ومن بين لوحات تلك المجموعة حظيت هذه اللوحة بالذات بشهرة واسعة وأصبحت في ما بعد من أهمّ الأعمال الفنية في تاريخ الفن الأوربي. وفيها يظهر رجل نائم وقد أسند رأسه ويديه إلى طاولة بينما نحّى قلمه جانبا. وخلف الرجل تظهر مجموعة من البوم والخفافيش الضخمة وهي تصفق بأجنحتها وتصيح. كما يظهر في اللوحة وحشان غريبا الهيئة أحدهما رابض على الأرض وقد صوّب نظراته الشرّيرة إلى الرجل بينما قفز الآخر على ظهره وعيناه تلمعان في الظلمة.
وعلى مقدّم الطاولة التي ينام عليها الرجل ُكتبت عبارة: إذا نام العقل استيقظت الوحوش". هذه اللوحة اعتبرت ترجمة بسيطة ومباشرة لأفكار غويا الذي كان يحترم العقل ويؤمن بحرية الفكر ويدعو إلى نبذ الجهل والخرافة.
عاش غويا حياة تعيسة في غالبها، فقد مات سبعة من أبنائه قبل أن يبلغوا سنّ النضوج، كما تعرّض هو نفسه لأزمات صحية خطيرة، ثم ماتت زوجته. وكل تلك المآسي تركته هزيلا مشوّش الفكر يعاني الفقر والإحساس بالمرارة طوال السنوات الأخيرة من حياته.
وقبيل موته في سن الثانية والثمانين، أصيب غويا بالاكتئاب فاعتزل الناس ولزم بيته، وبدأ يرسم على جدران منزله ما ُعرف في ما بعد باللوحات السوداء، وهي سلسلة من الرؤى الكابوسية التي توجّها في النهاية بلوحته الشهيرة "ساتيرن يفترس أبناءه".

موضوع ذو صلة: غويا.. نوم العقل