Thursday, September 07, 2017

لوحات عالميـة – 413

بورتريه مدام ريمسكي كورساكوف
للفنـان الألمـانـي فرانـز ونتـرهـولتـر، 1864

من العوامل التي أكسبت الرسّام فرانز ونترهولتر ثناء النقّاد اهتمامه الشديد بتفاصيل الملابس والمجوهرات وعناصر الزينة الأخرى في لوحاته.
كان يميل إلى إضفاء قدر من اللمعان على صوره، ما يشي بمعرفته التامّة بوظائف الألوان والظلال. كما كان يخلع على شخوصه مظهرا ملوكيّا وحضورا مميّزا.
وقد عمل الفنّان معظم حياته على رسم بورتريهات للعائلات الملكية في اسبانيا وبلجيكا وروسيا وألمانيا. ومعرفته وخبرته واضحة في هذه اللوحة التي رسمها بعد أن تجاوز الستّين من العمر، وهي تُعتبر إحدى أشهر لوحاته.
وفيها يصوّر باربرا "باربي" ريمسكي كورساكوف، سليلة إحدى العائلات الروسية الكبيرة. وقد ساد اعتقاد لبعض الوقت أن المرأة كانت زوجة الموسيقيّ الروسيّ المشهور نيكولاي ريمسكي كورساكوف، ربّما لأن الشخصيتين عاشتا في عصر واحد. لكن الأمر لا يعدو كونه مجرّد تشابه في الأسماء.
كانت باربرا كورساكوف إحدى جميلات القرن التاسع عشر. وقد ولدت عام 1833 لعائلة موسرة من كوستروما في روسيا، وتزوّجت في عام 1850 من نيكولاي كورساكوف الذي كان ضابطا طموحا في الجيش الروسيّ.
كانت وقتها في السادسة عشرة من عمرها وهو في العشرين. وقد أنجبا ثلاثة أطفال، وكانا نجمين لامعين في حفلات الطبقة الرفيعة في روسيا. كانت عائلة الزوج مشهورة، والكثير من أبنائها تقلّدوا مناصب مهمّة في الدولة وفي قيادة الجيش.
وقد ذكر تولستوي الزوج في رواية آنا كارينينا بعد أن حرّف اسم عائلته إلى كورسنسكي، كما امتدح جمال الزوجة ووصفه بطريقة بليغة.
لكن زواج باربرا من كورساكوف لم يكن سعيدا كثيرا. لذا انتهت علاقتهما بالانفصال وقرّرت هي أن تهاجر إلى فرنسا في عهد الإمبراطورية الثانية. وعندما وصلت إلى باريس في شتاء عام 1863 ظهرت في العديد من الحفلات الخاصّة. وأصبحت معروفة في كلّ فرنسا وأسماها الفرنسيّون فينوس التتارية بسبب جمالها الغرائبيّ.
كان نابليون الثالث، ملك فرنسا وقتها، معروفا بشخصيته المزاجية وكان ينفق المال ببذخ على الحفلات الصاخبة كي يدهش جيرانه الأوربيّين. ولم تكن باربرا تفوّت حضور تلك الحفلات.
ومع مرور الوقت أصبحت مقرّبة من اوجيني زوجة نابليون. وكان ونترهولتر يعرف اوجيني وزوجها عن قرب. وقد رسم للزوجة العديد من البورتريهات صوّر فيها جمالها وأناقتها وكذلك افتتانها باقتناء المجوهرات، لذا جعلت منه رسّامها المفضّل.
رسم ونترهولتر هذه اللوحة لباربرا كورساكوف في باريس، ولم يكن عمرها قد تجاوز آنذاك الحادية والثلاثين. وفيها تظهر مرتديةً فستانا فضفاضا وشفّافا، وبلا مجوهرات، كما أنها بعيدة عن مواصفات الجمال المثاليّ. وملامحها تبدو مثل ملامح أسلافها من التتّار.
وربّما كان نسبها وبذخها وجرأتها من العوامل التي جعلت من هذه المرأة شخصية لا تُنسى في مجتمع باريس آنذاك. ويقال أنها لم تكن تذهب إلى مكان دون أن تلفت اهتمام الناس، وقد عُرفت بميلها لارتداء ملابس شفّافة. لكنها من خلال هذا حقّقت هدفها بأن تصبح شخصية مشهورة.
كان المعجبون بها كثيرين، وأشيع الكثير عن قصص حبّها المتعدّدة. لكنها كانت تفضّل أن تظلّ وحيدة ومستقلّة، وهذا كان امرأ غريبا على امرأة من القرن التاسع عشر.
توفّيت باربرا ريمساكوف في بلدة نيس وهي في عمر الخامسة والأربعين ودُفنت في المقبرة الروسية. وبعد وفاتها، ألّف الموسيقيّ الفرنسيّ اميل والدتيوفيل قطعة موسيقية بعنوان تذكار من بياريتز إحياءً لذكراها.
الرسّام فرانز ونترهولتر كان يعرف كيف ينقل إلى صوره تفاصيل الوجه والشعر ولمعان العيون. وقد انتُقد لهذا السبب بالذات، أي لأنه كان يطبّق مذهب الفنّ للفنّ. ومع ذلك لم يمنع كلام النقّاد رجال ونساء ذلك العصر من الاستمرار في تكليفه برسمهم.
ورغم أن اسم ونترهولتر سقط في غياهب النسيان بعد وقت قصير من وفاته، إلا أن الاهتمام به وبفنّه بُعث مجدّدا اعتبارا من منتصف القرن الماضي.

Sunday, September 03, 2017

لوحات عالميـة – 412

زوجـان في الشـارع
للفنان الفرنسي شـارل أنغـرانـد، 1887

كان شارل أنغراند احد رموز تيّار الانطباعية الجديدة أو النُقَطية الذي ابتكره كلّ من جورج سورا وبول سيغناك في نهاية القرن التاسع عشر.
ومع ذلك كان أسلوب أنغراند مختلفا عن زملائه، فقد كان يرسم بألوان باردة أكثر من سيغناك وسورا اللذين كانا يستخدمان ألوانا ذات تباينات ساطعة في الغالب.
كان أنغراند مؤمنا بالفوضوية، وهي فلسفة سياسية تدعو لأن تحكم المجتمعات نفسها، وتعتبر أن الحكومات غير ضرورية، وأحيانا ضارّة، وأن الأفراد قادرون على تدبير شئونهم بأنفسهم من خلال التعاون والاحترام المتبادل.
والتزام الرسّام بمثل هذه الأفكار التي تبدو مستعصية على التطبيق دفعه لأن يولي أهمّية خاصّة بحياة الناس العاديّين، وخاصّة مواطني الطبقة الكادحة في الضواحي الذين كان يعتقد أن من حقّهم أيضا أن ينالوا نفس الاهتمام الذي يناله الارستقراطيون والأثرياء.
وكان أنغراند يعامل أفراد هذه الطبقات البسيطة بعاطفة وسخاء بالنظر إلى فقرهم وتدنّي مستوى معيشتهم.
وهذه اللوحة تعكس أفكار الرسّام، وفيها يرسم زوجين من أبناء الطبقة العاملة وهما يمشيان في احد شوارع باريس المتربة.
طريقة تصوير ملابس الزوجين البسيطة والشارع الرثّ الذي يمشيان فيه تنطوي على انتقاد ضمنيّ للفنّ الأكاديميّ الذي كان يميّز الصالون الرسميّ.
وعندما تنظر إلى تفاصيلها عن قرب سترى أنها تخلو من الألوان الأساسية اللامعة التي يستخدمها الرسّامون من نفس المدرسة عادةً. وقد وظّف الرسّام في اللوحة ألوانا ترابية فاتحة وباردة كالأخضر والأزرق والأحمر لتعميق الظلال، مع انعدام أيّ وجود للّون البنفسجيّ الذي يميّز لوحات الانطباعيين الجدد عادةً.
ومع ذلك فإن اللوحة تشعّ بالدفء والحميمية والبساطة. والاستخدام الرائع للضوء والظلّ هو نموذج للوحات أنغراند التي سبق أن وصفها زميله سيغناك بأنها قصائد من ضوء.
ومع أن هذه اللوحة لم تُعرض في حياة الرسّام، إلا أنها تمثّل نقطة تحوّل مهمّة في مساره الفنّي كرسّام. وكان قبلها قد رسم مناظر ريفية تشبه لوحات غوستاف كوربيه وجان فرانسوا ميليه مع مسحة انطباعية.
ولد شارل أنغراند في النورماندي في ابريل 1854 لأب كان يعمل مديرا لمدرسة. وبعد أن درس الرسم ليصبح معلّما، انتقل من روين إلى باريس التي رأى فيها لأوّل مرّة معرضا للوحات كميل كورو الذي يمكن رؤية تأثيره على أنغراند في لوحات الأخير المبكّرة.
ثم أصبح مدرّسا للرياضيات ليعيل نفسه في منطقة قريبة من المقاهي التي كان يؤمّها الفنّانون والكتّاب الطليعيون في باريس. وقد تقبّله هؤلاء بسرعة ضمن دائرتهم، وأصبح صديقا لفان غوخ وسورا وسيغناك وماكسيميليان لوس وهنري كروس وأوديلون ريدون. وفي عام 1884، أصبح احد الأعضاء المؤسّسين لصالون الرسّامين المستقلّين.
كان أنغراند يتمتّع بالقدرة على تحويل المناظر البسيطة إلى شعر. وقد تأثّر به فان غوخ في استخدامه للفرشاة السميكة وفي التوليف المتناظر المستوحى من الرسومات اليابانية.
لكن رغم نجاحات لوحاته التي رسمها بالأسلوب الانطباعيّ الجديد، إلا انه تخلّى عنه مع انتقاله إلى خارج باريس في عام 1896.
وقد قضى أنغراند آخر ثلاثين عاما من حياته في عزلة تامّة كان أثناءها يزاول الرسم باستخدام ألوان الباستيل التي كان صديقه سيغناك معجبا بها.
توفّي الرسّام في ابريل من عام 1926. ويمكن رؤية أعماله اليوم في عدد من المتاحف حول العالم مثل متحف كليفلاند ومتحف انديانا بوليس ومتحف المتروبوليتان.