Wednesday, November 17, 2010

لوحات عالميـة – 268

منظـر للغسَـق مع ضـوء قمـر واهـن
للفنان الروسي إيـسـاك ليفـيتـان، 1899


يعتبر ايساك ليفيتان احد أعظم رسّامي الطبيعة الروس. ولوحاته تتميّز بسحرها وشاعريّتها. كما أنها تثير الحزن أو التأمّل من خلال تصويرها للطبيعة الرعوية التي تخلو غالبا من حضور الإنسان.
كان ليفيتان يحبّ الطبيعة ويقدّرها كثيرا. ولوحاته لا تخلو من صور لجسور وأديرة وقوارب وممرّات تقود الناظر إلى شطآن ذهبية بعيدة.
وقد اكتشف الفنّان سحر الطبيعة الروسية ورسمها وصوّر جمال الأنهار والشواطئ وأحزان الخريف ونداءات الربيع الغامضة. وسجّل كلّ هذا بطريقة لا تختلف كثيرا عمّا كتبه شعراء وكتّاب روسيا الكبار أمثال بوشكين وتورغينيف وغوغول، وهو ما اكسب لوحاته جاذبيّة عالمية.
في هذه اللوحة الجميلة يرسم ايساك ليفيتان صورة للطبيعة وقت الغسق وتحت ضوء قمر خافت. وفي اللوحة يظهر بوضوح تأثّر الرسّام بالأسلوب الانطباعي من خلال الفرشاة الديناميكية والألوان الساطعة والمتوهّجة. وقد رسم اللوحة بعد عودته من باريس التي اكتشف فيها عالم الانطباعيين.
أضواء المساء، وأحيانا أضواء الصباح الباكر، هي احد الموتيفات التي ظلّ ليفيتان يرسمها باستمرار. وكثرة الأضواء في لوحاته ربّما تشي بأنه كان إنسانا سعيدا بالرغم من حياته القصيرة.
كان ليفيتان يؤمن بأن الإنسان خُلق من اجل الطبيعة، وليس العكس. وقد كان ميّالا إلى مزج جمال الطبيعة بالمشاعر المتناقضة التي تعتري روح الإنسان.
وبعض لوحاته لا تخلو من مناظر لقرى مبعثرة وسط التلال وحقول محروثة وغيوم بيضاء منخفضة تثير إحساسا بالسلام والطمأنينة وتشعِر الناظر برحابة الطبيعة وضآلة الإنسان وسط مساحات الماء الأزرق الذي يغمر كلّ شيء.
كان ليفيتان دائم البحث عن إجابات لتأمّلاته وتساؤلاته الفلسفية العميقة حول معنى الوجود الإنساني والقدَر ومكان الإنسان في العالم. وبعض لوحاته تنطوي على رمزية ما. في إحداها، يرسم جزيرة صغيرة بين السماء والماء تتعرّض للرياح من جميع الاتجاهات، بينما تظهر مقبرة مهجورة وكنيسة تبدو في نافذتها شمعة تجاهد للبقاء مشتعلة.
كان الرسّام دائم التردّد على منطقة الفولغا التي اعتاد أن يقضي فيها فصلي الربيع والصيف من كلّ عام. هناك أمكن لموهبته أن تنمو بسبب الفراغات الكبيرة التي يفيض فيها النهر، ما ألهمه رسم مناظر معبّرة ومملوءة بمشاعر الضوء والفرح. تنظر إلى بعض تلك الصور فتشعر بقوّة الريح التي تدفع الغيوم في السماء وتعبث بماء النهر.
عانى الفنّان من الفقر والحرمان معظم حياته. وجرّب مرارة اليُتم عندما توفّي والده وأمّه وهو بعد في سنّ صغيرة. لكنه اظهر منذ الصغر ميلا قويّا للرسم فدخل كلّية موسكو للفنون الجميلة ودرس على يد فاسيلي بيروف. وفي ما بعد طوّر أسلوبه الخاصّ في الرسم. وقد ربطته بالكاتب انطوان تشيكوف علاقة صداقة استمرّت حتى وفاة الثاني.
عانى ليفيتان من مرض القلب ومات قبل أن يكمل عامه الأربعين ولم يترك وراءه زوجة أو أطفالا. وإنفاذا لوصيّته، دُفن إلى جوار ضريح تشيكوف. وكان قد مُنح قبيل وفاته لقب أستاذ من أكاديمية سانت بيترسبيرغ.
وبعض لوحاته هي اليوم من ضمن مقتنيات متحف تريتياكوف، بينما يستقرّ عدد من لوحاته الأخرى في منزله على ضفاف نهر الفولغا والذي تمّ تحويله في ما بعد إلى متحف يحمل اسمه.