Tuesday, September 28, 2010

لوحات عالميـة – 261

كسـل لـذيـذ
للفنان الاسترالي روبـرت بَنِـي، 1897

روبرت بني إسم لا يتردّد الآن كثيرا في الثقافة وفي الفنّ الاسترالي. لكنه كان قد صنع لنفسه مكانة مميّزة في أوربّا التي عاش فيها أكثر من أربعين عاما قضى معظمها في فرنسا.
وبَنِي مشهور، بشكل خاصّ، بمناظره الباذخة التي صوّر فيها نساءً ينتمين إلى الطبقة الرفيعة ويرتدين ملابس منسدلة ورقيقة تذكّر بالقصائد الرعوية والمشاهد الأسطورية القديمة.
وفي لوحاته تبدو النساء وهنّ يرفلن في ثياب الدانتيل أو يرتحن في المخادع أو غرف النوم أو يسبحن في مياه البحيرات على مقربة من طيور البجع أو البطّ.
من أجمل أعمال روبرت بني هذه اللوحة التي يمزج فيها الرومانسية بقدر من المتعة الحسّية وقوّة الخيال. وفيها تظهر أربع نساء يقفن على شاطئ البحر بينما تكتسي ملامحهن بمسحة من الكسل والخمول. وما يعزّز هذا الإحساس شحوب وبرودة الألوان التي استخدمها الرسّام في اللوحة. الألوان الحمراء بخاصّة تضفي على المنظر هالة من الرّقة والغموض. والمرأة الأكثر إثارة للانتباه في اللوحة هي الثانية من اليمين، بوجهها ذي التقاطيع الجميلة وبنظراتها الهادئة والمتأمّلة.
هذه المرأة كانت زوجة الرسّام وملهمته وموديله المفضّلة. وهي التي ستظهر في العديد من لوحاته في ما بعد. وقد أصبحت المرأة، واسمها جين موريل، جزءا لا يتجزّأ من رؤية روبرت بَنِي عن النساء وكان يعتبرها مصدر إلهامه الأوّل والأخير.
جمال موريل الأنيق وشخصيّتها الآسرة حاضران في كلّ مكان من لوحاته بنظراتها الغامضة وتعابير وجهها التي يصعب قراءتها أو فهمها. لكن في أواخر عشرينات القرن الماضي، تعرّضت موريل لسكتة دماغية حادّة أدّت إلى انسحابها شيئا فشيئا من الحياة العامّة. وعندما أتاه نبأ وفاتها في ما بعد، وهو في استراليا، أصابه حزن شديد ووجد بعض السلوان في الكتابة التي شغل بها نفسه حتى وفاته.
حسّية روبرت بني وفلسفته كانتا محكومتين بنوعية التدريب الذي تلقّاه وبالبيئة التي كانت تحيط به. وقد عمل جاهدا من اجل خلق توازن وانسجام بين طبيعة أسلوبه وتقاليد الرسم الأوربّية. كما استفاد من جماليات الفنّ الحديث وما قبل الرافائيلي وأولى أهمّية فائقة لدراسة أعمال الرسّامين الكبار في عصره.
في البداية، ذهب الرسّام للدراسة في انجلترا. غير أن تجربته هناك كانت مخيّبة للآمال. فقرّر الانتقال إلى باريس، حيث درس على يد الرسّام جان بول لوران ووجد له مكانا في الأوساط الأدبية والفنّية للمجتمع الباريسي. وكانت تربطه علاقة صداقة مع بعض الرموز الثقافية المهمّة آنذاك مثل النحّات رودان والممثّلة سارا برنار والموسيقيّ كلود ديبوسي.
اندماج بني السهل في جماليات الحياة الباريسية أدّى إلى ازدياد قبوله كجزء من فعاليات الحياة الفنّية والثقافية. وكان أوّل رسّام استرالي ينال لقبا تشريفيا من صالون باريس، وهو انجاز غير مسبوق بالنسبة لفنّان مغترب.
كان بَنِي بارعا في رسم البورتريه والحياة الساكنة ومناظر الطبيعة. كما كان مفتونا على الأخصّ بالطبيعة الريفية في فرنسا. لكنه عُرف أكثر من أيّ شيء آخر بلوحاته النسائية المثيرة.
كان موتيف المرأة التي تستحمّ في الماء أو تقف تحت ضوء الشمس يروق كثيرا لـ روبرت بني كما ظلّ يهمن على لوحاته.
ومن الأشياء التي كان يتميّز بها تعامله مع ألوان البشرة التي كان يرسمها بأسلوب حسّاس ومبتكر، بالإضافة إلى البريق الذي يشعّ من لوحاته نتيجة للتفاعل الحميم بين الأضواء والألوان الغامقة.
نجاح بني العالمي على امتداد العقود الخمسة التي قضاها في باريس مكّنه من عرض أعماله في جميع أنحاء أوربّا، كما بادر عدد من المتاحف الرئيسية إلى اقتناء بعضها.
لوحات روبرت بني تتميّز بأناقتها الجميلة، ما دفع بعض النقّاد إلى إعطائها أوصافا أكثر حداثة تتراوح ما بين الانطباعية وما بعد الانطباعية. وهناك من وصف مناظره بأنها دراسات تفصيلية في اللون والضوء وقيل إن مبدعها لا بدّ وأن يكون شاعرا خبيرا بعالم الأحلام.
وفي معظم تلك اللوحات كان الرسّام يحاول الإمساك بلحظات من "الخمول الجميل"، وهو احد التعبيرات التي كان يفضّلها ويستخدمها كثيرا والذي ارتبط بنساء الطبقات المخملية اللاتي كنّ يبالغن في أمور اللباس ويرفضن الأعمال المفيدة كعلامة على تميّزهنّ وتفوّقهنّ.