Thursday, October 05, 2006

لوحات عالميـة - 105

العـشـيـقـــان
للفنان البلجيكي رينـيـه مـاغـريـت، 1928

في لوحاته يحاول رينيه ماغريت أن يفتح للناظر نافذةً يطلّ من خلالها على الجانب المظلم من العقل.
كان الفنّان ينظر إلى العالم باعتباره معينا لا ينضب من الأسرار والرؤى الشفّافة. ولهذا السبب لم يكن يشعر بحاجة إلى أن يستمدّ من الكوابيس والسحر والهلوسات مواضيع لأعماله.
وكان يرى أيضا أن مجرّد النظر إلى اللوحة يكفي للاستمتاع بها، دونما حاجة للوقوع في فخّ التنظيرات الجامحة والتفسيرات المبتسرة.
وبرأي ماغريت أن الحياة ليست سوى لغز كبير وأن من المتعذّر كسره أو فكّ طلاسمه. وكان يعتقد أن طبيعة الإنسان تدفعه لئلا يرى إلا ما يريد أن يراه أو ما يبحث عنه. ومن ثم فإن إدراكنا مرتبط إلى درجة كبيرة بطبيعة توقعاتنا.
كانت والدة ماغريت امرأة غير سعيدة في حياتها، وقد حاولت الانتحار مرارا.
وفي عام 1912، وكان عمر رينيه لا يتجاوز الثالثة عشرة، غادرت أمّه منزلهم ليلا وعندما بلغت أحد الجسور ألقت بنفسها في مياه النهر.
عندما انتشلت جثّتها بعد أيام، كان جسدها عاريا ووجهها مغطّى بطرف فستانها الذي كانت ترتديه ليلة خروجها من المنزل للمرّة الأخيرة.
وقد رأى ماغريت جثّة والدته عند استعادتها من الماء، ولم تبرح تلك الصورة المزعجة ذاكرته حتّى وفاته.
وبعد مرور سنوات على الحادثة، أي في العام 1928، رسم الفنّان مجموعة من اللوحات التي يظهر فيها أشخاص ُغطّيت وجوههم ورؤوسهم بقطع من القماش.
في هذه اللوحة نرى شخصين يقفان متلاصقين وجها لوجه، وفي نسخة أخرى من اللوحة يظهر الشخصان وهما يقبّلان بعضهما بعضا. والقاسم المشترك بين اللوحتين هو أن الشخوص فيهما بلا ملامح، فقد ُغطّيت رؤوسهم بقطع من القماش الذي يحجب ملامح وجوههم عن الناظر.
ورغم حميمية المشهد وتلقائيته، فقد أصبح رمزا للعزلة والانسحاق والموت.
غير أن غموض اللوحة دفع الكثيرين، ولغايات مختلفة وأحيانا متناقضة، إلى تحميلها بمضامين أخلاقية معاصرة.
فدعاة المثلية الجنسية، على سبيل المثال، يوظفون اللوحة للتعبير عمّا يصفونه بعداء المجتمع تجاههم وتجاهله "لحقوقهم".
والمنظّمات المعنية بمكافحة الايدز تستخدم نفس اللوحة للتحذير من أضرار الممارسات المثلية وأخطارها الكثيرة.
في حين لا يرى بعض نقّاد الفن في اللوحة أكثر من كونها تجسيدا بسيطا ومباشرا للمقولة الشائعة "الحبّ أعمى".
كان معروفا عن ماغريت براعته في تقنية مزج الصور، وكان يردّد دائما أن الكلمات بلا معنى، وأننا نحن من نخلع عليها المعاني التي نريد وبطريقة متعسّفة أحيانا.
وبعض النقاد ممّن درسوا لوحاته قالوا بأنها انعكاس لرغبة الفنان في التعبير عن اعتراضه على رتابة وعبثية الحياة. والبعض الآخر رأوا فيها ما يمكن اعتباره حيلة هروبية ونكوصا عن مواجهة الواقع. والبعض الثالث تحدّث عن دأب ماغريت ومثابرته في توظيف فنّه من اجل كشف بعض المناطق المظلمة والمعقّدة في الطبيعة الإنسانية.
وهناك فريق آخر من النقاد ممّن لا يخفون افتتانهم بجمال مناظره وجاذبيتها رغم كون بعضها مربكا ومستفزّا.

Tuesday, October 03, 2006

لوحات عالميـة - 104

مـدرسـة أثـيــنا
للفنان الإيطالي رافـائيــل، 1509

لوحة أخرى يعتبرها الكثير من النقّاد واحدةً من التحف الفنّية العالمية.
وقد ولدت فكرة هذا العمل عندما أوعز البابا يوليوس الثاني إلى الفنّان رافائيل برسم لوحة تكون محفّزا للنقاش الفكري ورمزا لأهميّة الثقافة، لكي يعلّقها البابا في مكتبته الخاصة.
واللوحة تصوّر ما ُيفترض أنه ندوة فكرية جرت أحداثها في مدرسة أثينا باليونان القديمة حوالي سنة 380 قبل الميلاد.
رافائيل حاول أن يجعل اللوحة تجسيدا للحقيقة المكتسبة من خلال العقل، وهو لم يختر للوحة شخصيات مجازية أو أسطورية كما درج على ذلك الفنّانون في زمانه، بل فضّل أن تضمّ اللوحة شخصيات حقيقية لمفكّرين وفلاسفة مشهورين وضعهم داخل إطار معماري كلاسيكي تتّسم تفاصيله بالفخامة والمهابة والجلال.
وكل الشخصيات التي صوّرها رافائيل في "مدرسة أثينا" تشكّل اليوم ركائز ودعامات مهمّة في الفكر الغربي المعاصر.
وبفضل قدرته الوصفية الفائقة، عمد الفنان إلى توزيع الشخصيات على مساحة اللوحة بشكل متساو.
فليس هناك رمز معيّن يلتفّ حوله الباقون ويحيطونه بعلامات الاحترام والتبجيل.
بل الجميع هنا متساوون وهم منشغلون، بلا استثناء، بالحركة الدائبة والتفاعل وتبادل النقاش في ما بينهم.
في هذا العمل جمع رافائيل ممثّلين لكافّة فروع المعرفة من هندسة ورياضيات وفلك وأدب وموسيقى وفلسفة وخلافه.
واختار كلا من أفلاطون وأرسطو، اللذين يظهران في وسط المشهد وهما منهمكان في الحوار، ليكونا محكّمين للنقاشات في الندوة.
في مقدّمة اللوحة الى اليمين نرى اقليدس وهو يشرح نظريّته لتلاميذه، وفوقه مباشرة يظهر زرادشت ممسكا بكرة أرضيّة مجسّمة، بينما يبدو ديوجين في الوسط متمدّدا على الدرج.
وإلى اليسار وغير بعيد عن ديوجين يظهر هيراكليتوس الفيلسوف المتشائم مستندا إلى قالب من الرخام ومسجّلا ملاحظاته على الورق.
وهيراكليتوس هنا يأخذ ملامح ميكيل انجيلو، وهي إشارة أراد رافائيل من ورائها تكريم انجيلو والإشادة بعمله الذي كان قد أنجزه للتوّ في سقف كنيسة سيستين.
ولم ينس رافائيل أن يرسم نفسه أيضا إذ يبدو واقفا في أقصى يمين اللوحة وقد اعتمر قبّعة سوداء.
وإلى اليسار يظهر فيثاغوراس وهو يدوّن ملاحظاته في كرّاس، وغير بعيد منه نرى بن رشد وهو ينصت باهتمام إلى ما يجري.
وفوق قليلا تظهر امرأة يقال إنها هيباشيا وهي أشهر شاعرة وخطيبة وفلكية وعالمة رياضيات من النساء، وقد برز اسمها وذاعت شهرتها زمن مكتبة الاسكندرية.
في اللوحة أيضا يظهر سقراط وزينوفون وابيكوروس "أو ابيقور بالعربية" وبطليموس وسواهم.
فور إتمام رافائيل "مدرسة أثينا" حقّقت اللوحة نجاحا مدوّيا وقوبلت بحماس بالغ. وأصبحت منذ ذلك الحين صورة مجازية ترمز لحرّية الفكر وتقديس العقل وأهمية الحوار.

موضوع ذو صلة: مدرسة أثينا