Friday, October 19, 2007

لوحات عالميـة – 139‏

نســاء الجـزائـــر
للفنان الفرنسي أوجيـن ديـلاكـــرو، 1834

في العام 1832 سافر أوجين ديلاكروا إلى اسبانيا وشمال أفريقيا في مهمّة ديبلوماسية.
وكان لتلك الرحلة اثر كبير في اختيار الفنان مواضيع لوحاته التي ستظهر في ما بعد، والتي سجّل فيها جوانب من ملاحظاته ومشاهداته الشخصية في تلك البلاد.
وحطّت به الرحال أخيرا في المغرب. حدث ذلك بعد فترة قصيرة من استيلاء فرنسا على الجزائر.
وفي المغرب تمكّن ديلاكروا من أن يشقّ طريقه إلى مجتمعات النساء وعالم الحريم الغامض.
في البداية لم تكن تلك المهمّة سهلة، بالنظر إلى التقاليد المحافظة والعادات الصارمة التي تلزم النساء بتغطية أجسادهن.
وعندما شاهد ديلاكروا عالم الحريم لأوّل مرة أسكره المنظر وأحسّ بالدهشة والافتتان. إذ كان يعتقد دائما أن ثقافة شمال أفريقيا وأسلوب حياة أهلها بما تنطوي عليه من حيوية و "إكزوتية" في منتصف القرن التاسع عشر، كانت صورة مصغّرة عن الحياة زمن الإغريق والرومان.
وبعد سنتين من ذلك التاريخ أنجز الفنان هذه اللوحة التي يعتبرها كثيرون إيذانا ببدء الحركة الاستشراقية في الثقافة والفن.
في "نساء الجزائر" نرى ثلاث نساء يجلسن على أرضية غرفة، بالإضافة إلى امرأة سوداء، لعلها خادمة.
وأكثر ما يلفت الانتباه في المشهد هو منظر المرأة الجالسة إلى أقصى اليسار مستندةً إلى أريكة، إذ تبدو ذات ملامح جميلة بنظراتها الحالمة وفستانها ذي الألوان الباردة والمتناغمة.
أما المرأتان الجالستان إلى يمين اللوحة فتبدوان كما لو أنهما تتبادلان حديثا شخصيا، فيما تمسك إحداهن بالارغيلة – وهو منظر نراه كثيرا في اللوحات التي تصوّر غانيات – بينما أدارت الخادمة السوداء ظهرها كـي تنظر إلى سيّدتها "في الوسط" وهي تهمّ بالخروج من الغرفة.
ولعلّ أهمّ ملمح في هذه اللوحة هو حركة الألوان والأشكـال فيها وتلقائية شخوصها وتفاصيلها.
"نساء الجزائر" اعتبرت دائما تحفة فنية من اللون والضـوء والتفاصيل الدقيقة الأخرى التي برع ديلاكروا في رسمها لينقل إلينا عبرها صورة من صور الحريم في بيئتهن الدافئة والمثيرة للغرائز.
بالإضافة إلى هذه اللوحة، رسم الفنان حوالي مائة لوحة أخـرى صوّر فيها جوانب مختلفة عن الحياة في شمال أفريقيا. وتمتلئ لوحاته المغاربية بمشاهد لخيول عربية وبشر يصارعون حيوانـات مفترسة ومعارك بين القبائل في الجبال.
كانت "نساء الجزائر" احد مصادر الهام الانطباعيين كما قام بيكاسـو بتقليدها. وحديثا ألفت الكاتبة الجزائرية آسيا جبّار كتابا مثيرا للجدل عن المرأة والثقافة واللغة استوحت عنوانه وغلافه من اللوحة، في إشارة إلى أن الظلم الذي تتعرّض له المرأة ما يزال قائما منذ زمن الاستعمار وعصر الحريم.
ديلاكروا كان احد أشهر رسّامي القرن التاسع عشر. ولم يكن يرسم فقط، بل اشتغل بالأدب والسياسة والديبلوماسية.
وكان من اقرب أصدقائه الموسيقي البولندي فريدريك شوبان والأديبة جورج صاند وعازف الفيولين الايطالي الشهير نيكولا باغانيني، وقد رسم للثلاثة بورتريهات.

موضوع ذو صلة: الفنّ الاستشراقي.. يقظة بعد سُبات

Tuesday, October 16, 2007

لوحات عالميـة – 138‏

بورتـريه ســاره برنــارد
للفنان التشيـكي الفـونس مـوشــا، 1904

يعتبر الفونس موشا احد روّاد ما يُعرف بالفنّ الحديث الذي كان يهدف إلى إزالة الحواجز ما بين الرسم والجمهور. وكانت نظرية رموز هذا المدرسة تتلخص في أن الفن يمكن أن يستمدّ موضوعاته من مفردات الحياة الشعبية مثل إعلانات السلع وملصقات الشوارع والمترو وديكورات المسرح والسينما وخلافه.
وأهمّية هذا البورتريه تعود إلى كونه يصوّر ساره برنارد، أشهر ممثلة فرنسية في منتصف القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
وقد طلبت الممثلة من الرسّام انجاز ملصق يروّج لإحدى مسرحياتها من تأليف الكاتب المسرحي ادمون روستان.
وكان البورتريه بمثابة نقطة التحوّل التي عرّفت الجمهور بـ موشا ودخل على إثره دائرة الأضواء والشهرة.
كان البورتريه بعد إتمامه عملا تشكيليا يقترب من الكمال. ومن الواضح انه لا يخلو من الإثارة والشاعرية، بألوانه الشفّافة وخطوطه الناعمة وتموّجاته الرقيقة. وتبدو الممثلة هنا بنظرات واثقة وملامح جذّابة ومفعمة بالأنوثة. وقد عمد الرسّام إلى تضمين اللوحة انحناءات حسّية استوحاها من عناصر الديكور وألوان الطبيعة.
وبعد انجاز البورتريه استمرّت العلاقة ما بين الرسّام والممثلة لاكثر من ستّ سنوات عمل أثناءها على ملصقات ولوحات من وحي المسرحيات التي قامت ببطولتها.
وكان أيضا يصمّم ملابسها ومجوهراتها وديكورات مسرحياتها.
وقد أصاب الفونس موشا الكثير من النجاح والشهرة وهو لم يتجاوز بعد سنّ الخامسة والثلاثين.
ولد الفونس موشا في مدينة مورافيا ضمن ما يُعرف اليوم بجمهورية التشيك، وبدأ حياته موسيقيا لكنه سرعان ما تحوّل إلى الرسم بعد أن استهوته الرسومات والايقونات التي كانت تزيّن جدران الكنائس والأديرة في بلدته.
وفي مرحلة لاحقة انتقل إلى باريس حيث تعّرف إلى غوغان واثبت تفوّقا على نظرائه رغم انه كان يصغرهم سنّا.
في ذلك الوقت كانت باريس تشهد ذروة صعود الفنّ الانطباعي وبدايات تبلور المدرسة الرمزية.
وفي أيامه الأولى هناك عانى من الفقر والبطالة وعاش على الإعانات والتبرّعات.
اليوم ينظر التشيك إلى موشا باعتباره رمزا وطنيا وثقافيا. ومكانته في الروح التشيكية المعاصرة لا تقلّ عن مكانة مواطنيه الآخرين ممّن حقّقوا شهرة عالمية مثل الروائي فرانز كافكا والمؤلف الموسيقي الكلاسيكي انتوني فورجاك والرسّامة تمارا دي ليمبتسكا.
ومن أشهر أعماله الأخرى "الملحمة السلافية" وهي سلسلة من اللوحات استغرق إتمامها 18 عاما صوّر من خلالها المحطّات الرئيسية في مسيرة تاريخ السلاف كأمّة.
وعندما غزا الألمان تشيكوسلوفاكيا كان موشا من أوائل من تعرّضوا للاعتقال والمضايقة. وبعد التحقيق معه لبعض الوقت أطلق سراحه وسُمح له بالعودة إلى منزله.
لكنه سرعان ما توفّي بعد ذلك بفترة قصيرة، أي في يوليو من العام 1939، وكان عمره يناهز الثمانين عاما.
أما سارة برنارد فقد كانت امرأة متعدّدة المواهب والاهتمامات إذ كانت تمثل وتغنّي وترسم. ويقال إن قائمة عشّاقها والمعجبين بها تجاوزت الألف اسم، وكان بينهم ساسة ونبلاء ومتنفّذون. ويُعرف عنها أنها كانت تصطحب معها في رحلاتها وأسفارها جيشا من الكلاب والقطط والنمور والتماسيح والأسود. وقد تخطت شهرة برنارد حدود فرنسا وكان لها جمهور ومعجبون في مختلف أرجاء العالم كما طافت مسرحياتها أمريكا وعددا من الدول الأوربية. وكانت صورها وقصص مغامراتها العاطفية حديث المجتمع والصحافة اليومية.
وفي أخريات حياتها عانت مشاكل صحية بُترت على إثرها إحدى ساقيها ثم لم تلبث أن أصيبت بجلطة في الدماغ شلّت نشاطها ودفعت بها إلى العزلة والابتعاد عن الأضواء إلى أن توفّيت في سنّ التاسعة والسبعين.

موضوع ذو صلة: فنّ البورتريه.. صورة المبدع