Saturday, January 28, 2006

لوحـات عالميـة - 78


جــاكــي الحـمــراء
للفنان الأمـريكي انـدي وارهــول، 1964

اندي وارهول هو أحد رموز ما يعرف بالفنّ الشعبي الحديث. وقد ولد في ماساشوسيتس في العام 1928 لأبوين من اصل سلوفاكي، وأظهر موهبة فنية واضحة وهو ما يزال في سنّ مبكّرة.
ُعني وارهول في البداية برسم المنتجات التجارية بغرض الترويج لها، وربّما كان افضل مثال على ذلك هو لوحته التي تروّج لعلب الكامبل سوب (Cambell Soup Cans).
وسرعان ما حقّق وارهول المزيد من النجاحات واصبح الرسّام المفضّل لمجلات شهيرة مثل فوغ Vogue وغيرها..
وفي مستهلّ الستّينات من القرن الماضي بدأ وارهول في رسم لوحات لشخصيات مشهورة مثل مارلين مونرو و اليزابيث تايلور وغيرهما. وكان وارهول يركّز في أسلوبه الفني على إزالة الفوارق بين الفنّ التشكيلي والفنون التجارية التي تستخدمها المجلات والكتب الساخرة والحملات الإعلامية.
وفي العام 1962 أسّس وارهول ما ُعرف باستديو "المصنع"، حيث استعان بالكثير من العمال ذوي المهارات الفنية لانتاج لوحات وملصقات بكميات كبيرة تروّج لسلع ومنتجات تجارية وأفلام سينمائية.
وفي نهاية الستّينات تعرّض الفنان لمحاولة اغتيال على يد امرأة كانت تعمل في "المصنع". ورغم انه أصيب بثلاث رصاصات في صدره جرّاء المحاولة، فإنه نجا من الموت بأعجوبة، لكنه ظلّ يشكو من آثار ذلك الحادث بقيّة حياته.
وبعد تلك المحاولة، حدثت انعطافة حادّة في حياة وارهول ومساره الفنّي، فقد اخذ يكرّس جلّ وقته لرسم لوحات للمشاهير من الرجال والنساء مثل ميك جاغر ومايكل جاكسون وبريجيت باردو وسواهم.
في العام 1963، رسم اندي وارهول سلسلة من اللوحات لـ جاكلين كينيدي الأرملة الحزينة التي أصبحت محطّ اهتمام وتعاطف الرأي العام الأمريكي بعد اغتيال زوجها جون كينيدي.
وجاكي الحمراء هي إحدى اشهر هذه اللوحات، وقد استخدم وارهول لإنجاز اللوحة صورة فوتوغرافية التقطت لجاكلين كينيدي قبيل وقوع الحادث المأساوي.
في هذه اللوحة تبدو جاكلين سيدة واثقة وذكية. وقد استخدم وارهول خلفية حمراء للتأكيد على ملامح وجه المرأة وأضفى على شفتيها لونا احمر يتماشى مع الخلفية، في حين بدت ابتسامتها مشرقة تعكس شخصية امرأة تتصف بالرضا والعفوية.
وفوق عيني السيدة استخدم الفنان ضربات فرشاة بلون ازرق مائي، بينما اختار أن يلوّن أطراف شعرها الأسود بالأزرق الغامق. والنتيجة هي هذا التباين الحادّ مع اللون الأحمر الذي طغى على معظم اللوحة وأوحى للفنان بعنوانها.
اشتغال وارهول برسم المشاهير أدّى في النهاية إلى انه هو نفسه اصبح فنانا مشهورا بل وأحد أهمّ فناني ما ُيعرف بالفنّ الشعبي.
وارهول كان في الواقع شخصية غريبة الأطوار، فقد كان يصبغ شعره باللون الذهبي، وكثيرا ما كان يرتدي باروكات شعر فضّي، كما كان معروفا بميوله المثلية الجنسية.
توفي وارهول في عام 1987 بعد مضاعفات صحية إثر عملية أجريت له في المثانة، وشارك في جنازته اكثر من ألفي شخص.

Thursday, January 26, 2006

لوحـات عالميـة - 77


دون كيـشــوت
للفنان الإسباني بابلـو بيكـاسـو، 1955

كان يعيش في إحدى قرى إسبانيا رجل هزيل الجسم شاحب اللون في الخمسينات من عمره.
لم يكن لدى الرجل الكثير ليفعله، لذا فقد كان يمضي وقته في القراءة. وكان ضوء الشمعة الشاحب يملأ زوايا غرفته مشكّلا صورا واخيلة شبحية لعمالقة وتنّينات ضخمة. كانت الكتب التي أدمن دون كيشوت على قراءتها تتحدّث عن فرسان العصور الخوالي الذين كانوا يجوبون الأرياف والقرى بحثا عن مغامرة هنا أو هناك. ويوما بعد يوم، كان الأفق ينفتح أمامه كأنّما يدعوه للشروع هو الآخر في مغامرة.
كان يعرف أنه هو نفسه يجب أن يصبح فارسا، فبدأ الترحال بحثا عن المغامرات التي يحلم بها. وفي محاولة لتفخيم نفسه كما يفعل الفرسان فقد أسمى نفسه: دون كيشوت دي لا مانش.
رواية دون كيشوت للكاتب الإسباني ميغيل دي سرفانتيس اعتبرت على الدوام واحدة من افضل الروايات شعبية ورواجا في العالم.
وقد ُجسّدت الرواية في اكثر من عمل سينمائي، لكن الأفلام المستقاة من الرواية لم تنصفها. ذلك أن تعقيد الشخصيات فيها والقصص العجيبة التي تزخر بها لا يمكن أن يحيط بها عمل سينمائي مهما بلغت درجة حرفيّته وتمكّنه.
الرواية عن دون كيشوت الرجل الإسباني البسيط ولكن الشهم، وقد سبق وأن قرأت الترجمة العربية المختصرة للرواية فأعجبتني، واكثر ما لفت انتباهي فيها هو إتقان تصوير المواقف الطريفة وروح النكتة التي نقلها المترجم بأمانة واقتدار، بالإضافة إلى جمال الأسلوب والسّرد الأخّاذ الذي يغري بقراءة هذا العمل الأدبي البديع مرّات ومرّات.
وقد كانت الرواية مصدر الهام للكثير من الأعمال الفنية، من اللوحات التشكيلية إلى المسرحيات والمقطوعات الموسيقية.
الفنان الإسباني بابلو بيكاسو رسم مواطنه دونكيشوت "أو دون كيخوته كما ُينطق اسمه بالإسبانية"، ولكن على طريقته الخاصة. وأول ما يلفت النظر في لوحة بيكاسو هو الطابع الكاريكاتوري الواضح الذي أضفاه الفنان على شخصية دونكيشوت. إذ اكتفى باستخدام اللونين الأبيض والاسود، وهو ملمح يتناقض كليّة مع أسلوب بيكاسو الذي تضجّ لوحاته عادة بالألوان وتدرّجاتها المختلفة.
وكما في الرواية، يبدو دونكيشوت هنا بسيطا وعفويا لكنه مستعدّ للقتال وركوب المخاطر، وهو وتابعه سانشو يقفان تحت شمس تعطي انطباعا بالتوهّج والحرارة، رغم أن بيكاسو رسم الشمس على هيئة دائرة صغيرة تحيط بها خطوط سوداء.
اللوحة تدفع الناظر إلى الابتسام وتشيع جوا من المرح الممزوج بالسخرية.
ولعلّ هذا ما كان يقصده بيكاسو، إذ اللوحة كما يبدو تختصر رؤيته الخاصّة لبطل رواية سرفانتيس.

لوحـات عالميـة - 76


عـــيـــن
للفنان الهولندي موريتـس ايشـر، 1946

يعتبر موريتس ايشر أحد ابرز فناني الغرافيكس في العالم، وله العديد من الأعمال الفنية التي تتناول ُبنىً وأشكالا يستحيل تصوّرها أحيانا، مثل الصعود والهبوط والنسبية وعالم التحوّلات والانتقال من عالم لاخر.
هذه الأعمال حفظت لايشر مكانة عالمية باعتباره أحد ابرع فناني الغرافيكس والخدع البصرية على نحو خاص.
ولد ايشر في هولندا وقضى بها معظم فترة شبابه. وكما هو الحال مع الكثير من العباقرة، فشل ايشر في اختبارات الثانوية، لكنه أبدى تفوّقا واضحا في كل ما له علاقة بالفن. وبتشجيع من أساتذته، بدأ في تلقي بعض الدروس الخاصة في المعمار والفن.
وبحلول العام 1919 كان الفنان قد حقّق بعض النجاح والشهرة بفضل أعماله التي استخدم فيها القطع الخشبية كوسيط.
وفي محاول للبحث عن الإلهام، رحل إلى ايطاليا، حيث تزوّج فيها ومكث اكثر من عشر سنوات رسم خلالها معظم أعماله الفنية المعروفة.
وحتى اليوم، ما تزال لوحات موريتس ايشر تحظى بشعبية كبيرة، واهمّها، بل واشهرها على الأرجح، هي هذه اللوحة التي توفّر نموذجا ممتازا عن الأسلوب الذي اتبعه ايشر وأطلق عليه الانعكاس الكروي. إذ رسم عينا، هي في الحقيقة عين الفنان نفسه، وهي في حالة انعكاس في مواجهة مرآة مقعّرة. وقرّر أن يرسم داخل العين جمجمة بشرية كتجسيد لرؤية فلسفية كان ايشر يؤمن بها وملخّصها، بكلماته هو، أن الموت يترصّد الإنسان أينما ذهب أو ارتحل وهو في مواجهة دائمة معه سواء أراد ذلك أم لم يرد.
لم يتمّ اكتشاف ايشر وأسلوبه المبتكر سوى في العام 1952 وكان عمره آنذاك 53 عاما.
ومثل جميع فناني الغرافيكس تقريبا، فإن ايشر نفّذ جميع أعماله الفنية باستخدام اللونين الأبيض والأسود في الأساس، بالإضافة إلى ظلال هذين اللونين وتدرّجاتهما المختلفة.

Wednesday, January 25, 2006

لوحـات عالميـة - 75


بورتريه جينيفـرا دي بيـنشـي
للفنان الإيطالي ليــونــاردو دافـنـشـي، 1478

كانت جينيفرا دي بينشي سليلة عائلة نبيلة من فلورنسا.
وقد يكون البورتريه ُرسم للفتاة بمناسبة زواجها من لويجي نيكوليني في العام 1474م.
وثمة إشارات كثيرة تؤكد بأن ليوناردو دافنشي رسم اللوحة بناءً على أمر من سفير البندقية في فلورنسا وهو صديق كان مقرّبا من المرأة ومعجبا بها.
وقد عمد ليوناردو إلى استخدام يده بالإضافة إلى الفرشاة لمزج الألوان بطريقة تنتج حوافّ ناعمة ورقيقة.
وفي البورتريه تظهر براعة الفنان في إضفاء جمال سماوي على ملامح المرأة. وهي هنا تنظر بكبرياء مشوب بقدر غير قليل من التكتّم والغموض على خلفية من أشجار معتمة وأجواء ضبابية.
ولعل ابرز سمات هذا البورتريه هي طريقة الفنان في تمثيل الشعر المجعّد والبشرة الشاحبة، وهما سمتان كان دافنشي بارعا، على وجه الخصوص، في تمثيلهما في أعماله.
ومثلما تقدّم، ولدت جينيفرا لعائلة ارستقراطية من فلورنسا وتزوّجت من نيكوليني وهي بعدُ في سنّ السادسة عشرة. ويعتقد على نطاق واسع أن البورتريه الأصلي كان أطول مما يبدو في الصورة، إذ جرى في مرحلة لاحقة قصّ الجزء السفلي من اللوحة الذي يظهر وضعية يدي المرأة.
وقد بدأ تقليد رسم صور تحتفي بإناث من فلورنسا ينتمين في الغالب للأوساط الأرستقراطية في أواخر القرن الخامس عشر. لكن هذا البورتريه حظي دائما باهتمام خاص لان دافنشي ابتعد فيه عن النمط التقليدي لرسم البورتريه، إذ استخدم جانبي اللوحة الأمامي والخلفي معا، فرسم على الأمامي صورة المرأة، بينما رسم على الجزء الخلفي أشكالا دائرية كتب داخل أحدها عبارة باللاتينية تقول: الجمال يقدّس الفضيلة".
خلال تلك الحقبة بالذات لم يعد البورتريه مقتصرا على رسم الحكّام والنبلاء وعائلاتهم، بل شمل أيضا رسم نساء ورجال ينتمون إلى فئة التجّار والطبقات الوسطى بشكل عام.
ليوناردو دافنشي نفسه كان ينحدر من عائلة متواضعة النسب، إذ كان ابنا غير شرعي لمحام من مدينة فنشي الصغيرة في مقاطعة توسكان. لكن ليوناردو لم يلبث أن برز إلى المقدّمة بسرعة واحتلّ مكانة مرموقة وبارزة.
ويبدو أن هذا الفنان العظيم لم يتأثّر كثيرا باعتبارات نشأته الأولى. إذ ساعده على تجاوزها انه كان يتمتّع بجمال ذكوري لافت وصوت جذّاب وقوام فارع، بالإضافة طبعا لما أثبته في ما بعد من تميّز وبراعة في الرسم والرياضيات والفلك والهندسة. وكلّ هذه المزايا وغيرها هي التي جعلته يتعامل مع موضوعاته في الرسم بإحساس مرهف وشاعرية فائقة.
أما جينيفرا دي بينشي فلم تكن مجرّد زوجة جميلة فحسب، بل كانت جزءا من عائلة موسرة ومتعلمة. وكان لها نفوذ ثقافي اكبر من ذاك الذي كان للرجل الذي تزوّجته في العام 1974م.
فقد كانت أديبة وشاعرة، رغم أن أحدا لا يعرف اليوم شيئا عن أعمالها الأدبية.
لكن جمالها الأخّاذ كان موضوعا للعديد من قصائد الشعر التي كتبت في ذلك الزمان متخذة من المرأة رمزا للفضيلة والحبّ الأفلاطوني.

Tuesday, January 24, 2006

لوحـات عالميـة - 74


يوم أحد في جزيـرة لاغـران جـات
للفنان الفرنسي جـورج بيـير سـُـورا، 1886

تُعتبر هذه اللوحة إحدى اكثر الأعمال الفنية العالمية شهرةً وتميّزا منذ أن رسمها جورج سُورا في العام 1886، إلى أن انتهى بها المطاف أخيرا في معهد شيكاغو للفن.
كان عمر سورا عندما أنجز اللوحة خمسة وعشرين عاما، ولم يعش بعد ذلك اكثر من سبع سنوات.
وقد اتبع الفنان في رسم اللوحة تكنيكا فنيا مبتكرا. فالأشخاص منعزلون عن بعضهم البعض نفسيا، وعلى امتداد مساحة اللوحة يظهر عمّال ونساء ورجال وأطفال وحيوانات وجنود بالزي الرسمي. وليس في اللوحة ما يشي بملامح الأشخاص أو انطباعاتهم. فكل ما نراه هو أشكالهم التي يبدو كما لو أنها تجمّدت في مشهد ُقطع فجأة.
سورا مزج في اللوحة بين العلم والفن، واستخدم الأشخاص ككتل لبناء اللوحة. والمشهد بعمومه يوحي بالعزلة، فالناس منعزلون عن بعضهم وعن جمال الطبيعة من حولهم. ولا يبدو الفنان مكترثا كثيرا بالارتباط الانفعالي والعاطفي بين شخوص لوحته، إذ كل واحد مشغول بنفسه. كما أن توظيف الفنان للنقط اللونية المبعثرة يكرّس الإحساس بالعزلة والاغتراب.
وأجواء اللوحة ليست بعيدة عن حياة الفنان نفسه، فقد كان سورا شخصا كتوما ومتأملا ومنعزلا.
كان هذا الرسّام ينتمي للطبقة الباريسية المتوسطة ويتمتّع بالوسامة والثراء كما تلقى تعليما ممتازا مكّنه من إظهار موهبته الفنية في سنّ مبّكرة.
وكان في طليعة الفنانين الذين انتهجوا الأسلوب النقطي، وقد عرف عنه اهتمامه الكبير بالتفاصيل وبالعلاقة بين الضوء الطبيعي وتفاصيل اللوحة.
كان لجورج سورا نظريته الخاصة في الفن وكان معنيا كثيرا بالتركيز وقوّة الملاحظة تاركا للمتلقي حرية تكوين انطباعاته الخاصة عن العمل الفني.
وكان يرى أن الرسم النقطي ينتج ألوانا اكثر سطوعا مما ينتجه الرّسم من خلال ضربات الفرشاة الواسعة.
وقد قضى سورا سنتين في رسم هذه اللوحة بدأها بدراسة ارض الحديقة ووضعيات الأشخاص في اشكالهم وليس في شخصياتهم، إذ لم يكن مهتمّا كثيرا بانفعالات الأشخاص بقدر اهتمامه بأناقة وتناغم هيئاتهم.
في هذه اللوحة التي نفّذها جورج سورا بشاعرية فائقة، يبدو العالم وكأنه توقّف فجأة ليكشف عن لحظة صفاء وسلام.
ولا يقلل من شاعرية المشهد حقيقة أن كلّ مجموعة فيه منشغلة بنفسها وتتحرّك ضمن فضائها الخاص.