Wednesday, December 08, 2010

لوحات عالميـة – 271

تذكير آثاري بـ صلاة ميلليه
للفنان الإسباني سلفـادور دالــي، 1935


كان دالي مفتونا كثيرا بلوحة الرسّام الفرنسي جان فرانسوا ميلليه بعنوان صلاة. وكان قد رأى اللوحة لأوّل مرّة في المدرسة عندما كان طفلا. وتطوّر ذلك الإعجاب بعد ذلك لدرجة أن دالي قرّر رسم تلك اللوحة بعد إضافة رؤيته الخاصّة إليها.
اللوحة الأصلية تصوّر مزارعا وزوجته يقفان في حقل ويؤدّيان صلاة خاصّة وقت الظهيرة. ويظهر الزوجان وهما يصلّيان بخشوع وإلى جوارهما عربة بداخلها جثمان طفل مسجّى.
لوحة دالي هي تنويع على نفس الفكرة مع بعض التحوير. فالحقل في هذه اللوحة يستحيل إلى طبيعة صحراوية قاحلة. والمزارع وزوجته يتحوّلان إلى عامودين أثريين شاهقين. بينما يختفي أيّ اثر للطفل. لكن دالي يضيف إلى المشهد صورة رجل يمشي ممسكا بيد طفل. وعلى الأرض تتناثر قطع من العمودين اللذين ما يزالان يحتفظان بهيئة وقوف الرجل والمرأة في اللوحة الأصلية.
ويقال أن دالي استلهم طبيعة اللوحة من بعض الآثار الرومانية التي اعتاد رؤيتها بالقرب من بيت العائلة. وهناك في اللوحة ثيمة مألوفة في رسومات دالي في تلك الفترة تتمثّل في الرجل الذي يمسك بيد طفل. ومن المعروف أن دالي كانت تربطه بوالده علاقة كان يشوبها الكثير من التوتّر والنفور.
كان دالي يمرّ بفترة عصيبة آنذاك نتيجة لتردّي علاقته مع والده. كان الأب يشعر بخيبة أمل بسبب اختيار ابنه لمهنة الرسم وبسبب سلوك الابن الغريب واحتقاره للأعراف والقيم التقليدية. نفورهما المتزايد من بعضهما دفع دالي للإحساس بأن والده بدأ يتخلّى عنه في مرحلة البحث عن الذات. وفكرة استبعاد دالي للطفل الميّت من لوحته وتعمّده رسم نفسه برفقة والده ربّما تكشف عن هواجسه وخوفه من الموت. وهناك احتمال بأن هذه الجزئية ربّما تمثل رغبة دالي في جسر الهوّة التي تفصله عن والده.
منظر السماء الحزينة وتكوينات السحب الغامضة والتماثيل المتصدّعة والطيور المحلّقة في الأفق، كلّ هذه العناصر يمتزج فيها الحلم بالذاكرة وتسهم في تعميق الجوّ السوريالي المخيف للوحة وتترك شعورا بأن شيئا ما على وشك أن يحدث.
ورغم أن مضمون اللوحة سوريالي بوضوح، إلا أن جميع عناصرها وتفاصيلها منفّذة بأسلوب واقعي.
لوحة ميلليه تركت أثرا عميقا على دالي وظلّت تؤرّقه منذ صغره. لكنه هنا يتجاهل معناها الواضح. وهو لم يكن مهتمّا من الأساس بمضمونها الديني أو الأخلاقي. وكلّ ما كان يثير اهتمامه انه رآها مرّات كثيرة وظلت ماثلة في وعيه منذ أن كان طفلا. لكن الشخصين فيها اختفيا وتحوّلا مع مرور الزمن إلى جزء من معمار الرسّام العقلي والذهني.
اقتباس دالي لأعمال رسّامين آخرين بدأ مع وصوله إلى الولايات المتّحدة. ولكي يؤجّج حماس وتعاطف جمهوره الأمريكي مع فنّ عصر النهضة، رسم أعمالا من وحي كبار رسّامي ذلك العصر مثل رافائيل وديورر وغيرهما.
أما بالنسبة لـ جان فرانسوا ميلليه، فقد كان جزءا من الحركة الواقعية في الرسم. وقد رسم لوحته عام 1858م. وهي تعتبر من بين أكثر الأعمال الفنّية شهرة واحتفاءً.