Friday, August 11, 2017

لوحات عالميـة – 407

امرأتـان فـي نـافـذة
للفنان الاسباني بـارتولـومي مـوريللـو ، 1660

يعكس فنّ بارتولومي موريللو معرفته الواسعة بالعديد من الأساليب الفنّية وثقافته المتنوّعة التي أهّلته لأن يكون رمزا لرسم عصر الباروك الاسبانيّ.
قضى موريللو حياته كلّها تقريبا في مدينته اشبيلية، مع انه زار البلاط الملكيّ في مدريد مرّة واحدة على الأقلّ. ووجوده في اشبيلية عزّز مكانة هذه المدينة كحاضنة للفنّ والإبداع. وفي أيّامه، كان سوق لوحاته كبيرا ومربحا لدرجة أن ملك اسبانيا رفض أن يسمح بأن تغادر رسوماته إلى خارج البلاد.
وغالبا كان موريللو مهتمّا برسم الجوانب المشرقة والخفيفة من الحياة، من خلال أشكاله الناعمة وألوانه الغنيّة وفرشاته الفضفاضة.
وحتى صوره الدينية لكهّان وقساوسة لا تبدو متجهّمة أو مليئة بغضب الربّ كما هي لوحات غيره، بل تُظهر التسامح والمحبّة التي تخلع على الشخوص طابعا من الجمال والتسامي.
وعندما تتأمّل بعض أعماله تحسّ أنها مليئة بالقصص والحكايات، كما أنها عن بشر حقيقيين وليسوا من نسج خيال الرسّام.
رسم موريللو عددا من اللوحات الدينية للكنائس والأديرة ولعدد من رعاته وأصحاب المجموعات الفنّية الخاصّة. ورغم كثرة أعماله الدينية، إلا انه رسم أيضا عددا من اللوحات التي تصوّر فلاحين وأنشطة مختلفة من الحياة اليومية.
ومن أشهر أعمال الرسّام هذه اللوحة التي تبرهن على اهتمامه بتصوير حياة الناس وعلى براعته في استخدام الألوان والضوء والظلّ.
واللوحة تصوّر امرأتين تطلان من نافذة كبيرة في احد البيوت. وليس هناك في الصورة ما يشير إلى ماذا تنظران، أي أن الرسّام ترك للناظر حرّية أن يتخيّل ما الذي يحدث في الخارج.
ملامح المرأة الشابّة تنطق بالبراءة، ويُرجّح أنها تنتمي إلى الطبقة الاجتماعية الرفيعة. أما المرأة الكبيرة التي تغطّي فمها فيُحتمل أنها خادمتها، وهذا كان أمرا شائعا في الطبقات الغنيّة.
المنظر نفسه ينطوي على شيء من الحميمية والسعادة وروح المرح. وتغطية الوجه أثناء الضحك كان جزءا من ايتيكيت الارستقراطية الاسبانية في ذلك الوقت.
من اللافت أن الرسّام استخدم نافذة مفتوحة كإطار للمنظر، وفي هذا محاكاة للرسم الهولنديّ. ومن المهمّ أن نلاحظ أيضا أن المرأتين رُسمتا بحجمهما الطبيعيّ ونفّذ الفنّان ذلك براعة ودقّة.
بورتريهات موريللو المفعمة بالحياة والتي صوّر فيها فتيات يبعن الأزهار وشوارع ومتسوّلين تشكّل سجلا جذّابا ومكثّفا عن الحياة اليومية في عصره. وبسبب تلك النوعية من اللوحات التي تصوّر فئات من الطبقة المتدنّية، أصبح له معجبون كثر خارج اسبانيا.
ولد بارتولومي موريللو في ديسمبر عام 1617. كان اصغر إخوته الأربعة عشر. وقد توفّي والده وهو صغير فتولّى عمه رعايته. وبدأ دراسة الرسم على يد خوان كاستيللو الذي عرّفه على الرسم الهولنديّ وكلّفه باستنساخ بعض أعمال روبنز وفان دايك.
تأثّر موريللو في لوحاته المبكّرة بالرسّامين الإسبان العظام من أمثال زورباران وريبيرا. ويُحتمل انه رأى بعضا من لوحات فيلاسكيز عندما انتقل للعيش في مدريد عام 1642.
وقد تمتّع الرسّام بشهرة واسعة في عموم أوربّا، وقيل إن شهرته في بعض الأحيان كانت تغطّي على تلك التي لفيلاسكيز. كما كان له تأثير كبير على رسّامي المستعمرات الاسبانية في الأمريكتين. وفي عام 1660 عُيّن رئيسا لأكاديمية اشبيلية للرسم.
كانت آخر لوحة رسمها موريللو الزواج الغامض لسانت كاثرين ، وكان مفترضا أن تُعلّق اللوحة في دير بمدينة قادش. لكن بينما كان يعمل على المشروع، زلّت قدمه من أعلى سلّم، ومات متأثّرا بإصابته بعد بضعة أشهر.
في بداية القرن التاسع عشر اختفى اسم موريللو من التداول أو كاد، بسبب تغيّر أذواق الناس وانصرافهم عن الأعمال التعبيرية والعاطفية، وتحوُّل الاهتمام إلى لوحات مواطنَيه دييغو فيلاسكيز وإل غريكو، مع انه لم يكن هناك شكّ في مدى براعته وأصالة موهبته في الرسم.

Sunday, August 06, 2017

لوحات عالميـة – 406

قافلـة فـي الصحـراء
للفنان السويسري اوجيـن جيـرارديه، 1894

تكثر صور القوافل في الرّسم الاستشراقي. وبدايةً، أصل كلمة قافلة فارسيّ "كارافان"، وتعني جماعة من الناس الذين يسافرون في الصحراء، غالبا لمهامّ تجارية.
وقد اعتاد الناس منذ القدم السفر في جماعات وذلك لأغراض الدفاع عن النفس في وجه العصابات وقطّاع الطرق. ومن أجل القوافل كانت تُنشأ محطّات خاصّة على طول الطريق للتزوّد بالماء اللازم للبشر والحيوانات ولأغراض الغسيل وغير ذلك.
وما تزال القوافل تُستخدم إلى اليوم في الأماكن الأقلّ نموّا في العالم، مثل الأطراف الجنوبية للصحراء الكبرى وفي بعض أنحاء آسيا وأفريقيا.
في هذه اللوحة، يرسم الفنّان اوجين جيرارديه أفراد قبيلة من الأمازيغ مع قافلتهم من الجمال والخيول والماشية وهم يجتازون الصحراء سالكين مسار وادٍ جافّ يُفترَض انه سينقلهم إلى المعسكر التالي.
المنظر مرسوم بأسلوب شديد الواقعية مع ألوان لامعة. والظلال تغطّي المقدّمة بينما يسطع ضوء الشمس في الخلفية مضيئا ذرّات الغبار الذي تثيره الدوابّ أثناء حركتها. ألوان السماء تبدو حالمة، وهي تضفي على الصورة شيئا من الرقة والنعومة مقابل الأرض الوعرة والقاسية تحت.
ويمكن اعتبار اللوحة احتفالا بحياة البدو المتقشّفة والبسيطة وبكرامة ونبل رجال ونساء القبيلة المكتفين بما عندهم والمترحّلين دوما عبر دروب الصحراء بحثا عن الماء والكلأ.
كان جيرارديه متأثّرا كثيرا بسحر ألوان شمال أفريقيا. ومثل الرسّامين الذين سبقوه إلى هناك، كان توّاقا لرؤية المدن الغرائبية والواحات البعيدة. وكانت تداعب مخيّلته الصور الرومانسيّة عن أشجار النخيل ومناظر الغروب والقوافل التي تعبر الصحراء.
كما كان يتطلّع لاستكشاف ثقافات لم يمسسها الاستعمار الأوربّي تشبه الثقافات التي أغرت من قبل بعض زملائه بالذهاب إلى مقاطعة بريتاني للبحث عن جزء من فرنسا لم تمتدّ إليه يد العمران والحضارة بعد.
كان حبّ السفر والترحال متأصّلا في نفس الرسّام منذ أن كان طفلا بسبب القصص الغريبة التي كان يرويها له عمّه الذي كان قد سافر إلى مصر ووالده الذي سبق أن رسم جانبا من حرب استقلال الجزائر عن فرنسا.
وقد شجّعه معلّمه الرسّام جان ليون جيروم على أن يمشي على خطاه، فزار أوّلا بلاد المشرق واطّلع على ثقافتها ورسم طبيعتها. وفي عام 1874 قام بزيارة إلى كلّ من اسبانيا والمغرب واطّلع على ثقافة البلدين وعاداتهما وتقاليدهما وأعجب كثيرا بمظاهر الحياة فيهما.
بعد ذلك ذهب جيرارديه إلى الجزائر، حيث زار واحات الجنوب مثل بسكرة والقنطرة. كما زار واحة بوسعادة التي قابل فيها مواطنه الرسّام ايتيان دينيه الذي كان قد سبقه إلى هناك واختار أن يقيم في الجزائر بصفة دائمة.
كان دينيه هو الآخر مفتونا برسم الحدود الحرّة والبعيدة للطبيعة الصحراوية. وقد اعتنق الإسلام بعد أن عاش سنوات عديدة مع السكّان المحليّين الذين طالما رسمهم في لوحاته.
أثناء إقامته في الجزائر، رسم جيرارديه بعض ما رآه فيها من مظاهر الحياة اليومية، مثل القوافل وقطعان الماشية والصلاة في الصحراء والمقاهي الشعبية وخلافه.
وفي كلّ أعماله ظلّ متأثّرا بالتقاليد الأكاديمية للرسم التي كانت سائدة في زمانه. ومع ذلك كان في الغالب يركّز على ما يراه هو لا على ما كان الرسم الأكاديميّ يريد منه أن يراه.
ولد اوجين جيرارديه في باريس في مايو عام 1853 لعائلة فنّية سويسرية الأصل، وكان العديد من أسلافه يشتغلون بالرسم ومنه يكسبون رزقهم.
وقد تعلّم الفنّان الرسم منذ صغره وظهرت موهبته مبكّرا، إذ بدأ يبيع رسوماته بعد بلوغه السابعة عشرة. ثم تلقّى تعليما رسميّا في معهد الفنون الجميلة في باريس بتوجيهات أستاذه جيروم الذي كان جيرارديه مفتونا كثيرا بمناظره عن الحياة في الشرق.
وخلال العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر، واصل الفنّان رحلاته إلى بلاد الشرق، فزار كلا من مصر وفلسطين ورسم فيهما العديد من لوحاته.
وفي تلك الأثناء بدأ يَظهِر في لوحاته تأثّره بالانطباعيين، من قبيل توظيفه للفرشاة الفضفاضة وإبدائه اهتماما متزايدا بتأثيرات الضوء والظلّ.