Thursday, November 09, 2017

لوحات عالميـة – 427

حقول الخشخاش بالقرب من ارجنتوي
للفنان الفرنسي كلـود مـونيـه، 1873

كان من عادة الانطباعيين أن يولوا أهميّة خاصّة للانطباع الفوريّ للمنظر مع إغفال معناه أو دلالته. وقد قدّموا في أسلوب رسمهم الجديد نظرة حديثة عن عالم مقبول ومحتفى به.
كلود مونيه كان الشخصية الرائدة والأكثر أهمّية في الحركة الانطباعية. وكان هو وزملاؤه، بيسارو ورينوار وسيسلي، مهتمّين كثيرا بالإمساك بالتأثيرات البصرية لضوء الشمس على ألوان وأشكال الطبيعة.
في هذه اللوحة، والتي رسمها في نفس الوقت تقريبا الذي رسم فيه لوحته المشهورة انطباع عن شروق الشمس، يكشف مونيه عن شغفه بالألوان برسمه منظرا لحقول الخشخاش في بلدة ارجنتوي الواقعة على ضفاف نهر السنين على بعد حوالي عشرة كيلومترات من باريس.
كان الفنّان قد عاش في تلك البلدة حوالي ستّ سنوات من عام 1871 إلى 1878. وهو يستذكر في اللوحة نزهة قام بها على الأقدام بصحبة زوجته وابنه في احد أيّام الصيف.
في مقدّمة الصورة تظهر زوجته كميل التي تمسك بمظلّة وتعتمر قبّعة مع ابنه جان الذي يمسك بباقة من الأزهار بينما يختفي وسطه بين العشب. وهما مرسومان بضربات من البنفسجيّ والأصفر والأسود. وفي أعلى التلّة تظهر امرأة أخرى وطفل، وليس هناك ما يشير إلى ارتباط بين المرأتين.
الصورة تتضمّن نُسُجا وأشكالا متنوّعة للأشخاص والأزهار والعشب والنباتات والسحب دون تفصيل كثير. والأزهار مرسومة ببقع من الأحمر الذي يلمع وسط الحقول الفارهة الخضرة. وفي الأفق يظهر خطّ من الأشجار يقوم في وسطه منزل بسطح من القرميد البرتقاليّ اللون.
من التفاصيل التي تلفت الاهتمام في اللوحة معطف زوجة الرسّام القاتم الألوان، والتباينات اللونية الحادّة على قبّعتها، والبقع الحمراء الفضفاضة التي توحي بنبات الخشخاش الذي يعطي اللوحة اسمها.
والاسم الذي اختاره مونيه للوحة يصرف الاهتمام عن الأشخاص ويركّز بدلا من ذلك على التأثير البصريّ الفوريّ للأزهار الحمراء.
المنظر نفسه حديث لأنه يصوّر المصطافين من الطبقة الوسطى في مكان يلتقي فيه عالم الطبيعة مع البيئة الحضرية التي ترمز إليها الفيللا الحديثة. وهناك ما يوحي بأن المكان قريب من العمران وليس في قلب الريف تماما.
كتب مونيه ذات مرّة إلى زميل له يقول: عندما تذهب إلى خارج البيت لترسم، حاول أن تنسى الأشياء التي أمامك: شجرة، بيت، أو حقل أزهار. ضع مربّعا صغيرا من الأزرق هنا ومستطيلا من الزهريّ هناك وإلى جواره ضع خطّا من الأصفر، وارسم كما لو أن الألوان تنظر إليك إلى أن تنتهي من تصوير انطباعك الفوريّ عن المنظر الذي أمامك".
وهذا ما فعله مونيه في هذه اللوحة، فأشخاص المرأتين والطفلين تتألّف من خطوط وبقع لونية لا تكاد تكشف عن ملامحهم، لكنها تكفي لإظهار هيئاتهم.
أعظم انجازات الرسّام هي فهمه المتقن للعلاقة بين الضوء واللون، ولوحاته التي رسمها في ارجنتوي خاصّة توفّر أفضل الأمثلة على هذا.
مونيه معروف، على وجه الخصوص، بوقته الذي قضاه في بلدة جيفرني. لكنه أيضا قضى سنوات في ارجنتوي، حيث رسم هناك أكثر من مائة وثمانين لوحة، وأصبح منزله في تلك الضاحية مزارا للسيّاح والمهتمّين بالفنّ.
وقد استقرّ فيها الفنّان بعد عودته من زيارته للندن في عام 1782. ورسم فيها سلسلة من المناظر لقوارب مبحرة في الميناء، كما رسم الماء والناس والحدائق. وأصبحت البلدة حاضنة للفنّانين، إذ سرعان ما التحق به هناك كلّ من رينوار ومانيه وسيسلي.
في ذلك الوقت، كانت أعداد متزايدة من سكّان باريس يتوافدون على البلدة لزيارتها والاستمتاع بالحياة فيها، لأنها كانت توفّر لهم نوعا من المتنفّس بعيدا عن حياة باريس الحضرية الصاخبة والمزدحمة.

Sunday, November 05, 2017

لوحات عالميـة – 426

الليـل: مينـاء في ضـوء القمـر
للفنان الفرنسي كلـود جوزيـف فيـرنيه، 1771

كان كلود فيرنيه احد أشهر الفنّانين الذين تخصصوا في رسم المناظر البحرية في القرن التاسع عشر.
وكانت أعماله مثار إعجاب الكثيرين. وقد امتدحه الفيلسوف الفرنسيّ دونيه ديديرو وتعجّب من قدرته على التوفيق بين عدّة تأثيرات متباينة للضوء. كان ديديرو مفتونا بمناظر الطبيعة، خاصّة عندما تكون في حالة ثورة وغضب، وكان يجد فيها بعضا من مظاهر الفخامة والعظمة.
فيرنيه نفسه كان متأثّرا بمناظر الطبيعة الكلاسيكية لنيكولا بُوسان وكلود لوران وبالمناظر البحرية لمناطق شمال أوربّا في القرن السابع عشر. وقد تلقّى في روما تدريبا على يد كلّ من الرسّامين اندريا لوكاتيللي وجيوفاني بانيني.
وهذه اللوحة تُعتبر نموذجا للمناظر التي كان يرسمها. وهي لا تصف مكانا محدّدا، لكنها تستدعي شاطئا متوسّطيا ربّما كان في جنوب نابولي. وفيها نرى مشهدا ليليّا لمجموعة من صيّادي الأسماك. بعضهم يستريحون على الشاطئ بعد عناء يوم عمل ويُعدّون طعامهم على نار بسيطة، بينما يظهر آخرون وهم يصطادون على ضوء القمر.
وإلى اليمين نرى برجا محصّنا وضخما يذكّر بمباني وقلاع القرون الوسطى. وعلى مسافة يمكن رؤية سفينتين كبيرتين مبحرتين في الخليج.
ظلمة الليل ينيرها مصدران للضوء؛ ضوء النار على الشاطئ والضوء الرائع للقمر المكتمل الذي ينبثق من بين السحب ليعكس أنواره على الأمواج إلى الأسفل.
اللوحة هي واحدة من سلسلة من أربع لوحات صوّر فيها الرسّام أربعة أوقات مختلفة من اليوم وركّز فيها على إظهار الإمكانيات اللانهائية للطبيعة والتأثيرات المتباينة للضوء والمناخ خلال ساعات اليوم.
في اللوحة الأولى، أي هذه، رسم فيرنيه الليل. وفي الثانية رسم الصباح وفيها نرى أجواءً ضبابية مع صيّادين في قواربهم. أما اللوحة الثالثة فتصوّر فترة منتصف النهار مع عاصفة قويّة. واللوحة الأخيرة عن المساء وتصوّر مجموعة من النساء يغسلن ملابسهنّ.
وهذه السلسلة تُعتبر أفضل أعمال فيرنيه، وقد رسم المناظر الأربعة في أماكن مختلفة. أما الشخص الذي كلّفه برسمها فكان ثريّا ايرلنديا كان في رحلة إلى روما وتصادف أن التقى الرسّام هناك.
وقد وضع الفنّان اسكتشا لكلّ لوحة من وحي الطبيعة وبحث عن زوايا أصلية وضمّنها تأثيرات ضوء خاصّة. ويُرجّح انه نفّذ هذه اللوحة بالذات في فرنسا، أي بعد عودته من ايطاليا. وهي مرسومة بأسلوب جريء وحرّ، خاصّة منظر السماء والقمر، وعلى نحو يذكّر بأسلوب الرسم الايطاليّ.
أعمال فيرنيه كلّها هي عن الطبيعة. والعنصر العاطفيّ والانفعاليّ فيها محسوب بعناية. وقد ظلّ محافظا على هذا الأسلوب طوال حياته.
ولد كلود جوزيف فيرنيه في أغسطس من عام 1714 لأب كان يعمل رسّام ديكور. وقد عمل في ورشة والده لبعض الوقت، لكن عمله لم يكن يرضي طموحه. فذهب إلى ايطاليا عام 1734، وتركت رحلته تلك أثرا لا يُمحى على مسيرته الفنّية.
في روما، عاش الرسّام حوالي عشرين عاما درس خلالها مناظر البحر وأنتج لوحات تصوّر مناظر لموانئ وعواصف وحيتان، واجتذبت صوره اهتمام الكثيرين وأصبحت له شعبية كبيرة، خاصّة عند الارستقراطيين الانجليز.
وفي عام 1745، استُدعي إلى فرنسا بأمر من الملك كي يرسم سلسلة من اللوحات لموانئ فرنسا. وهذه اللوحات موجودة اليوم في متحف اللوفر.
يقول بعض النقّاد إن فيرنيه كان أوّل رسّام استطاع أن يجعل الإنسان جزءا لا يتجزّأ من المنظر المرسوم وعنصرا مهمّا جدّا فيه. ورسوماته عموما تهتمّ بالتأثيرات المناخية مع إحساس عال بالتناغم يذكّر بمناظر مواطنه الرسّام كلود لوران الذي عاش هو أيضا في ايطاليا.