Wednesday, August 18, 2010

لوحات عالميـة – 249


الجـواد الأبيـض
للفنان الأمريكي جـورج بيـلـوز، 1922

عندما يُذكر اسم جورج بيلوز فإن أوّل ما يخطر بالذهن هو سلسلة لوحاته الضخمة التي تصوّر مباريات الملاكمة التي تتسّم بأجوائها المظلمة وبما تثيره من إحساس قويّ بالحيوية والقوّة والحركة.
هذه اللوحات أصبحت علامة فارقة في تاريخ الرسم. لكن بيلوز مشهور أيضا بلوحاته التي تصوّر جوانب من حياة الطبقة العاملة في نيويورك والتي يسخر في بعضها من أسلوب عيش الطبقات الثريّة والمرفّهة.
وفي إحدى الفترات، رسم مجموعة من اللوحات التي يصوّر فيها نيويورك وهي مكلّلة بالثلوج والبرَد. وقد اثبت من خلال تلك اللوحات براعته في التعامل مع تأثيرات الضوء وتباين الألوان الناتج عن امتدادات الثلج فوق الأسطح الداكنة لمباني المدينة.
الجواد الأبيض هي إحدى لوحات بيلوز الجميلة والمتميّزة. وقد رسمها قبل عامين من موته المأساوي وهو ما يزال في سنّ الثانية والأربعين. واللوحة تصوّر جانبا من مزرعة في نيويورك كان الفنّان يقضي فيها أشهر الصيف مع عائلته. وكان قد شيّد في تلك البقعة بيتا ومحترفا.
المنظر يمنح إحساسا غامضا بالخريف من خلال استخدام الألوان القويّة والتأثيرات الدراماتيكية لمنظر السحب الكثيفة. ومع ذلك لا يخلو هذا المنظر من لمسة شاعرية تعمّقها السمات شبه التعبيرية والتجريدية للوحة.
ولد جورج بيلوز في اوهايو ودرس في جامعتها ثم أصبح لاعب كرة سلّة محترفا. لكنّه كان يظهر ميلا للفنون والرسم. ومن اجل هذه الغاية انتقل إلى نيويورك حيث انتظم في رابطة طلبة الفنّ فيها.
موهبة بيلوز المبكّرة أدّت إلى تنامي مكانته وشهرته في أمريكا. كما أحدثت تغييرات مهمّة في حياته وعمله. وبدأ يعرف طريقه إلى الطبقات الاجتماعية الميسورة التي كانت تكلّفه برسم بوروتريهات لأفرادها.
بعض النقّاد اليوم يشيرون إلى بيلوز باعتباره احد أكثر الرسّامين الأمريكيين موهبة في الربع الأول من القرن الماضي. وبالإضافة إلى مناظره القويّة والمعبّرة عن نيويورك وتلك التي رسمها لأشخاص يتصارعون، تميّز بيلوز أيضا برسم الطبيعة والبورتريه.
كان الرسّام يعشق الرياضة كثيرا ولطالما اظهر حرصه على مشاهدة مباريات الملاكمة وسجّل أحداثها في العديد من لوحاته. ويمكن القول إن لوحاته بشكل عام توصل إحساسا رياضيا، من خلال ميله لوضع الطلاء السميك والاستخدام التعبيري للون والضوء بطريقة تضفي على مشاهده جوّا من الحيويّة والحركة.
ومن أجمل أعماله الأخرى اللوحة المسمّاة حبّ الشتاء والتي رسم فيها مجموعة من الرجال والنساء والأطفال وهم يلهون في طبيعة ثلجية على أطراف إحدى التلال.
في نهايات حياته انضمّ الرسّام إلى جماعة من الفنّانين الراديكاليين الذين كانوا يميلون إلى الفوضوية في دعوتهم المتطرّفة للحقوق الفردية.
كان بيلوز يؤمن بأن الحرّية الفنّية تسمو فوق الايدولوجيا. وقد أخذ عليه الكثيرون دعمه للتدخّل الأمريكي في الحرب العالمية الأولى عندما رسم مجموعة من اللوحات التي صوّر فيها الفظائع التي ارتكبها الألمان أثناء غزوهم للأراضي البلجيكية.
في لوحاته الأخيرة أصبح الفنّان يركّز على رسم مشاهد من الحياة اليومية. كما وجد من الوقت ما يكفي لرسم زوجته وبناته ومزاولة التدريس في معهد شيكاغو للفنّ.
وقد توفّي جورج بيلوز عام 1925 بسبب مضاعفات عملية إزالة الزائدة الدودية.
ولوحاته تتوزّع اليوم على بعض المتاحف والمجموعات الفنّية الخاصّة في الولايات المتّحدة.

Sunday, August 15, 2010

لوحات عالميـة – 248


الحـلــم
للفنان الفرنسي هنـري روسـو، 1910

الدخول إلى عالم هنري روسو الغريب والحالم يشبه الدخول إلى أعماق غابة. حيث تتكشّف أنواع القصص والدراما المختلفة من وراء الأوراق والأشجار والنباتات.
كان يعبّر عن خياله عن العالم كما يراه وكان دائما يقول: لا شيء يجلب لي السعادة أكثر من تأمّل الطبيعة ورسمها".
والنقاد والمعجبون بفنّه يعتبرون هذه اللوحة أفضل أعماله. الشاعر والناقد الفرنسي غِيوم ابولينير امتدحها هو أيضا وأثنى على جمالها وسماتها الفنّية.
يرسم روسو هنا امرأة عارية تستلقي على مقعد من المخمل وسط غابة مليئة بالنباتات والأشجار الكثيفة. في اللوحة أيضا نرى أسدين يرمق احدهما المرأة بنظرات هي اقرب للخوف منها إلى نيّة مبيّتة بالهجوم. وهناك أيضا طائران وفيل بالإضافة إلى شخص يعزف على آلة ناي أو بوق. ووسط كلّ هذه التفاصيل، تبدو المرأة المرسومة بواقعية شديدة هادئة ومسترخية وهي تجيل نظرها في أفق الغابة البعيد.
الرسّام فسّر اللوحة بقوله إن المرأة نائمة وتحلم بأنها جالسة في إحدى الغابات.
قد تكون هذه اللوحة تعبيرا عن حلم. وربّما تكون تصويرا لنظرية التطوّر وقصّة آدم وحوّاء في الجنّة، كما يذهب البعض.
كان هنري روسو مفتونا بالغابات الاستوائية الغريبة التي تظهر موتيفاتها كثيرا في لوحاته على الرغم مما قيل من انه لم يغادر باريس طيلة حياته.
وقد أحبّ الرسّام حدائق الحيوان والحدائق النباتية وكان يحرص على اقتناء كتب الأطفال التي تحتوي على رسومات للحيوان والنبات.
وعُرف عن روسو أيضا ميله للرسم والشعر والموسيقى. وفي بعض الأوقات عمل صحفيا كما كان يجيد العزف على آلة الكمان.
وقد تعلّم الرسم بجهده الخاصّ ولم يتلقّ تدريبا متخصّصا على يد أيّ فنّان. وفي بدايات تعلقه بالرسم، كان يذهب إلى اللوفر ليقضي هناك ساعات طوالا في تقليد لوحات كبار الرسّامين.
غير أن كثيرا من النقاد والجمهور لم يكونوا يحبّون لوحاته. كانت تبدو لهم بدائية وساذجة وطفولية لأن الحيوانات والناس فيها لا تبدو حقيقة ولإغراقها في التفاصيل.
وقد استمرّ النقاد في هجومهم على روسو حتى بعد مماته. لكن كان له دائما أنصاره ومعجبوه وعلى رأسهم بيكاسو وماتيس وتولوز لوتريك والشاعر ابولينير.
كان هنري روسو يحلم بأن يرى لوحاته معلقة إلى جوار لوحات وليام بوغورو الذي كان معجبا به طوال حياته.
ويبدو أن أسلوبه كان اكبر من قدرة الأكاديميين والمحافظين على استيعاب وفهمه. لذا لجئوا إلى منع عرض لوحاته في صالون باريس. غير انه وجد فرصته في النجاح الذي كان يتوق إليه عندما قبل معرض المستقلّين عرض لوحاته فيه، الأمر الذي ضمن له العديد من الأصدقاء والداعمين الذين كان معظمهم من أوساط الأدب والفنّ الطليعي.
تتميّز هذه اللوحة بألوانها الثريّة، خصوصا الأخضر وظلاله المتعدّدة. شكل الغابة يوحي بالمتاهة وكأنها تخبّي من الأسرار أكثر مما تكشف. غير أن الألوان الزاهية والعميقة تخفّف من وحشة المكان وقسوته.
أسلوب روسو في رسم الغابة خاصّ ومبتكر. وتكثر في لوحاته صور الحيوانات البرّية مع فرائسها والقرود وهي تلهو وكذلك أزهار الأوركيد واللوتس والبرتقال والشموس الحمراء والأقمار البيضاء.
من أشهر أعمال روسو الأخرى لوحته ساحر الأفاعي التي استلهم فكرتها من قصّة سمعها من امرأة عن أسفارها إلى الهند. وفي اللوحة يظهر ساحر اسود وبلا ملامح وهو يعزف الموسيقى في طرف غابة، بينما تخرج الأفاعي من بين أغصان الشجر مدفوعة بسحر الموسيقى. اليوم يُنظر إلى هنري روسو كأحد أكثر الفنّانين أصالة وتميّزا في تاريخ الرسم العالمي. وكثيرا ما يتمّ توظيف لوحاته لتزيّن دواوين الشعر وكتب القصص والروايات الرومانسية والفانتازية.