Saturday, October 01, 2005

لوحـات عالميـة – 60


عالــم كـريستـينـا
للفنان الأمريكي انـدرو وايــت، 1948

ُتعتبر هذا اللوحة إحدى أشهر وأكثر اللوحات احتفاءً في تاريخ الفن الأمريكي.
وقد رسمها اندرو وايت لجارته كريستينا اولسون. كانت كريستينا تعاني من إعاقة جسدية منذ صغرها اثر إصابتها بمرض غامض في العظام.
ومع مرور السنوات كان الشلل يزداد وطأةً، إلى أن أصبحت غير قادرة على الوقوف أو المشي.
وقد رسم وايت هذه اللوحة في العام 1984، وتبدو فيها كريستينا مرتديةً فستانا زهريا وهي تزحف عبر الأعشاب باتجاه أعلى التلّ لزيارة قبري والديها.
والى يمين اللوحة إلى أعلى، تبدو شبابيك منزل عائلة اولسون التي رسمها الفنان على هيئة أعين أو "أجزاء من الروح" كما كتب في ما بعد، وكأن كل شبّاك يمثل فصلا مختلفا من حياة كريستينا.
كانت كريستينا اولسون قد عاشت في ذلك البيت مع أبويها حتى وفاتهما، وبعد ذلك عاشت فيه برفقة شقيقها الأصغر.
وعندما توفيت في العام 1969، لم تكن كريستينا تعلم بأن عالمها الصغير قد تغيّر واصبح مشهورا بفضل هذه اللوحة التي حولّت المنزل والمنطقة حوله إلى مزار سياحي.
في اللوحة، تبدو أطراف المرأة بالغة الضعف والهزال، مما يوحي بحجم المعاناة التي ظلت تكابدها في تجربتها مع الإعاقة والمرض. لكنّ أهم ملمح في هذا العمل الفنّي هو المنظور الذي استخدمه الفنان، فالناظر لا يرى المرأة سوى من الخلف، وبناءً عليه ليس بالإمكان التنبؤ بعمرها أو طبيعة انفعالاتها في تلك اللحظة.
أما الألوان المستخدمة في اللوحة فربّما لا توحي للناظر سوى بالإحباط والسوداوية.
عاشت كريستينا اولسون تجربة الإعاقة والمعاناة معتمدةً على إصرارها وقوّة عزيمتها. وبعد وفاتها كتب عنها وايت يقول إنها كانت امرأة شجاعة لم تكن تطلب شيئا من أحد، وكانت على الدوام كريمة ومعطاءة.
ولد اندرو وايت في العام 1917 واصبح في ما بعد رساما مشهورا بفضل أسلوبه الواقعي الذي يركّز على الموضوع في المقام الأوّل.
وكان الفنان يبحث عن مواضيع للوحاته في تفاصيل وتحوّلات الحياة اليومية من حوله.
ولوحته "عالم كريستينا" توفّر نموذجا لطريقته في النظر إلى الأشياء وسبر غور الظواهر العادية والمألوفة من خلال رؤية تتسم بالتكثيف والتفصيل والعمق.
بالإضافة إلى هذا العمل، أنجز اندرو وايت لوحات عديدة أخرى تتوزّع اليوم على المتاحف والغاليريهات الكبرى في الولايات المتحدة.

Friday, September 30, 2005

لوحـات عالميـة – 59


اوليـمـبـيــا
للفنان الفرنسي إدوار مـانيــه، 1863

يعتبر ادوار مانيه أحد أهمّ الفنانين الانطباعيين الكبار.
في بدايات حياته، ذهب إلى المانيا وايطاليا والنمسا باحثا ودارسا ومنقّبا، قبل أن يعود ثانية إلى فرنسا ليدرس الفـن الإسباني في اللوفر.
وعندما بـدأ اسمه في الذيوع، اجتمع حوله بعض كبّار الفنانين امثـال ليغرو وجيمس ويسلر.
عند عرض "اوليمبيا" في صالون باريس (1856)، أصيب النقاد والجمهور بالصّدمة، نظرا لجرأة اللوحة وحسيّتها الفائقة. ورغم ذلك قبل المحكّمون عرض اللوحة تجنّبا لاتهامهم بالتشدّد في الرقابة، خاصة بعد أن رفضوا قبل ذلك لوحة أخرى للفنان. ويبدو انّهم سعوا إلى تجنّب نقـد وتقريع الجمهور وفضّلوا بدلا من ذلك تعريض الفنان المشاكس لغضب النقّاد والعامّة.
"اوليمبيا" هي اشهر لوحة عارية ظهرت في القرن التاسع عشر، وقد ارتبطـت صورة المرأة العارية في أذهان الناس آنذاك بالبغاء.
اللوحة تصوّر اوليمبيا التي استخدم مانيه لرسمها "فيكتورين موران"، الموديل التـي ظهرت في اكثر من لوحة من لوحاته. وبالإضافة إلى المرأة هناك خادمة سمراء وقط اسود. وعلى وجـه اوليمبيا ارتسمت نظرات غامضة لا ُيعرف على وجه التحديد إن كانت تنمّ عن حزن أو ازدراء. بينما راحت الخادمة تقدّم لسيّدتها باقة من الزهور ربّما كانت هديّة من أحد زبائنها.
اللوحة، كما هو واضح، مثيرة في حسيّتها، فالبشرة شديدة البياض والعينان سـوداوان واسعتان كما أن ربطة الشعر الحمراء وانحناءة اليد الخفيفة وحدّة التباين بين الموديل والخلفية الداكنـة، كلّها عناصر أراد من ورائها الفنان تكثيف الإحساس بإثارة المشهد وحسيّته.
هذه اللوحة هي ترجمة لا تختلف سوى بالكاد عن لوحتي الفنّانًين الواقعيّين جورجيوني وتيتيان اللتين صـوّرا فيهما نساءً عاريات، كما أن اللوحة تتضمّن شيئا من كلاسيكية آنغر، ويتجلّى هذا في دقّة رسم تفاصيـل الجسد.
الثورة العارمة التي جلبتها اللوحة على مانيه مثّلت فرصة سانحة للفنانين الانطباعيين الشباب آنذاك، الذين هبّوا للدفاع عن مانيه ودعمه بوجه منتقديه، باعتباره بطلا وقف بشجاعة ضدّ التعصّب والتحامـل والجهل.
وفي غمرة ذلك الجدل تقوّى الانطباعيـون اكثر وتجذّرت أفكارهم واتّسع نفوذهم. كما انبرى للدفاع عن مانيه كبار الأدباء والفنانين من أمثال اميل زولا و شارل بودلير و ديلاكروا.
لا ُيعرف بالتحديد ماذا كان يقصد مانيـه من وراء رسم هذه اللوحة، وهل أراد تقديم عمل فنّي كبير أم انه ببساطة أراد أن يسخر من طريقة سابقيه من الفنانين الذين رسموا لوحات مماثلة.
مانيه كان ينتمي للشريحة الاجتماعية فوق المتوسّطة في باريس، وكان الفنان الوحيد بين معاصريه الذي لم يكن مضطرّا لبيع لوحاته من اجل كسب العيش. فقد كان يتمتّع بمنزلة اجتماعية مرموقة مكّنته من مصادقة الفنانين والأدباء الكبار في ذلك الحين.
هذه اللوحة ظلّت مصدر الهام للكثير من الفنانين المعاصرين. ومؤخرا ُانتج فيلم سينمائي عن "اوليمبيا"، تحدّث فيه عدد من النقاد ومؤرّخي الفن ودارسيه عن أسباب شهرة اللوحة والجدل الكبير الذي أثارته في حينه.

Wednesday, September 28, 2005

لوحـات عالميـة – 58


سـاحــة مقهـى فـي الليـل
للفنان الهولندي فنسنـت فــان غــوخ، 1888

لوحة جميلة أخرى من روائع فان غوخ. أنجز الفنان هذه اللوحة في سبتمبر من العام 1888 أثناء إقامته في آرل بفرنسا.
وفيها يصوّر فان غوخ انطباعاته عن أحد المقاهي المنتشرة هناك. وأوّّل ما يلفت النظر في هذا العمل الرومانسي الجميل هو غلبة اللون الأزرق عليه، وقد كان فان غوخ، أثناء وجوده في آرل، يفضّل الأزرق على غيره من الألوان.
هنا نرى الطبيعة الديناميكية لحركة السماء الليلية وتوزيع الإضاءة المبهر، خاصة في خلفية المشهد.
وهناك أيضا هذا التماهي الفريد بين اللون والضوء، حيث تنعكس التموّجات اللونية المشعّة على الأشخاص والأشياء لتخلع عليها وجودا إضافيا يكشف عن بعدها الروحي.
لوحة "ساحة مقهى في الليل" كانت اللوحة الأولى التي يرسم فيها فان غوخ خلفية من النجوم. وبعد سنة من إتمامها، رسم الفنان لوحته الأشهر: ليلة مرصّعة بالنجوم.
تعلّم فان غوخ في باريس أساليب تكثيف الألوان وجعلها تبدو اكثر إيقاعا واشدّ سطوعا، من خلال تعرّفه على لوحات الفنانين الانطباعيين آنذاك.
وفي السنوات الأخيرة من حياته، رسم الفنان اشهر لوحاته على الإطلاق. وقد أمكن التعرّف على الكثير من تفاصيل حياة فان غوخ وجوانب فنّه بفضل السجلّ الضّخم من الرسائل التي بعثها إلى شقيقه ثيـو.
في إحدى تلك الرسائل يكتب فان غوخ إلى أخيه بعد إتمامه رسم هذه اللوحة: فرغتُ للتوّ من رسم صورة لليل ولكن من دون لون اسود. فقط الأزرق والبنفسجي والأخضر. وأشعر أنني مفتون كثيرا برسم الليل والسماء في الطبيعة المفتوحة".
السماء الليلية ظلّت منذ القدم مصدرا ثريا للإلهام الذي ينتج الفنّ والشعر الجميل. ومنظر الليل في هذه اللوحة المعبّرة يذكّرنا بالرحلة اللانهائية التي مشاها فان غوخ نفسه باتّجاه الضوء الذي كان ينشده داخل كونه الخاص.

Tuesday, September 27, 2005

لوحـات عالميـة – 57

فتـاة غجـريـة فـي حـانـة
للفنان الهولندي فـرانـز هـولــس، 1628

أكثر ما يميّز هذا البورتريه الجميل والمألوف هو ملمح التلقائية والبساطة الظاهر على وجه الفتاة، والذي ينمّ عن براعة الفنان في تصوير المزاج المبتهج والتعابير الفورية والعفوية.
لوحة الفتاة الغجرية هي أشهر أعمال الفنان الهولندي فرانز هولس الذي عُرف عنه قدرته على رسم التعابير العفوية لشخوص لوحاته من خلال ضربات الفرشاة العريضة والسريعة.
وبالإضافة إلى ذلك، وظّف الفنان أسلوبه الخاصّ في استخدام الضوء ومزج الألوان الساطعة ونثرها على مساحة اللوحة.
وممّا يُعزى إلى فرانز هولس أيضا طريقته المبتكرة في رسم بورتريهات جماعية لأشخاص. ومع انه كان يحرص على تمثيل ملامح وتعابير كلّ شخصية على حدة، إلا انه كان يربط بين شخصيّات البورتريه الواحد بخيط مشترك حيث تتّسق الخيوط وتنسجم الألوان والظلال على طول وعرض اللوحة.
وعندما نضجت تجربته الفنية، استبدل الرسّام الألوان الساطعة والمختلطة التي ميّزت أعماله الأولى بألوان أحادية يغلب عليها اللونان البنّي والأسود، مع تركيز اكبر على الموازنة الدقيقة بين نسب الضوء واللون والظل.
والحقيقة انه لم يكن لـ هولس مكانة مهمّة في تاريخ الفن الأوربي حتى بدايات القرن التاسع عشر، عندما لفت أسلوبه المتحرّر واستخدامه البارع للألوان كلا من الفنانين الانطباعيين؛ الفرنسي ادوارد مانيه والهولندي فنسنت فان غوخ.
ولد فرانز هولس في بلجيكا لكنه عاش معظم حياته في هولندا، حيث حظي برعاية الطبقة البورجوازية في هارلم.
وفي نهايات حياته عانى من الفقر والعوز بعد أن بدأ الناس ينصرفون عن بورتريهاته، مفضّلين الأسلوب الأحدث والأكثر أناقة الذي ابتدعه في انجلترا الفنان الهولندي الآخر انتوني فان دايك.
وكما هو الحال مع مواطنيه الآخرين رمبراندت وفيرمير، اضطرّ هولس لبيع ممتلكاته ومنزله من اجل سداد ديونه؛ الأمر الذي دفع مجلس المدينة لتخصيص راتب سنوي للفنان يقيه غائلة الفقر وذلّ الحاجة.
وقبيل وفاته بسنوات قليلة، فقدت ألوانه وهجها واختفى عنصر المرح والابتهاج من رسوماته وحلّ محله إحساس بالعزلة واللامبالاة.
توفي فرانز هولس في العام 1666 وتحوّل منزله بعد ذلك إلى ما أصبح يُسمّى اليوم بمتحف فرانز هولس في هارلم.
في حوالي منتصف القرن العشرين انتعشت حظوظ هولس بعد أن اشترى ثريّ بريطاني لوحته المشهورة الفارس الضاحك. كما اقبل الأثرياء الأمريكيون على اقتناء بعض أعماله الأخرى الموجودة اليوم في عدد من المتاحف الأمريكية الرئيسية.
وهناك اليوم من النقاد من لا يشكّك في موهبة الرسّام، لكنهم يجادلون بأن تركيزه على رسم البورتريه حدّ كثيرا من شعبيته وأضعف شهرته.
ومن أشهر لوحات فرانز هولس الأخرى البورتريه الذي رسمه في العام 1648 للفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت.