Thursday, November 19, 2009

لوحات عالميـة – 223

بورتـريـه شخصـي
للفنّانة الايطالية سوفـونيـزبا ويسـولا، 1556

قد يكون هذا الاسم غريبا وغير مألوف كثيرا. غير أن صاحبته كانت احد الأسماء الفنّية الكبيرة التي اشتهرت خلال عصر النهضة الايطالي.
عاشت سوفونيزبا ويسولا في زمن ميكيل انجيلو وأنتوني فان دايك. ويقال إن الاثنين امتدحا موهبتها وشجّعاها. وكبادرة إعجاب وتكريم، رسم لها الأخير بورتريها.
وقد كان على الرسّامة أن توفّق بين ميولها الفنية وحقيقة أنها تنحدر من عائلة ارستقراطية مشهورة. وعلى الرغم من أن الأسر الارستقراطية كانت تعارض اشتغال أبنائها وبناتها بالرسم باعتباره مهنة دونية، فقد ساعدها والدها وشجّعها على إثبات نفسها عندما عهد بها إلى الرسّام برناردينو كامبي الذي صقل موهبتها وعلّمها أصول وأساليب رسم البورتريه.
في تلك الأثناء، كانت سوفونيزبا قد برعت كثيرا في رسم لوحات لطبيعة ذات جمال نادر. لكنها في ما بعد فضّلت أن تقصر جهدها على رسم البورتريه. وبسبب خلفيّتها الاجتماعية ومكانة عائلتها، كانت تُمنع من بيع أعمالها.
وبشكل عام، كانت رسوماتها صدى للأفكار الإنسانية التي كانت رائجة في عصر النهضة والتي كانت تنادي بتعليم النساء ومساواتهن بالرجال.
هذا البورتريه يُعتبر واحدا من سلسلة من الصور التي رسمتها الفنانة لنفسها في مراحل مختلفة من حياتها.
وكما هو الحال مع بقيّة بورتريهاتها الأخرى، فقد حرصت سوفونيزبا على أن تصوّر نفسها بهيئة رصينة وجادّة ومحتشمة.
وتبدو في اللوحة وهي تحمل الفرشاة وأمامها رقعة الرسم بينما تنظر إلى المتلقّي بعينيين كبيرتين تنطقان بالوقار والثقة.
هيئة الرسّامة تخلو من أيّ ملمح يدلّ على طبقتها. ومن الواضح أنها حريصة على أن لا ترتدي ملابس قد تترك انطباعا بالتباهي أو الكبرياء والتفاخر. كما أنها لا تضع أيّ نوع من الحليّ أو المجوهرات.
ومن اللافت أيضا في اللوحة أن الرسّامة اختارت معطفا اسود بياقة بيضاء. هذا النوع من اللباس البسيط والأنيق هو نفسه الذي يتكرّر في جميع لوحاتها الشخصية التي تظهر فيها إمّا ممسكة بكتاب أو وهي تعزف الموسيقى، للتأكيد على أصلها النبيل وانتمائها للنخبة المثقفة والمتعلمة.
كان النبلاء آنذاك يهتمّون بتعليم نسائهم الآداب الكلاسيكية والفلسفة والتاريخ والعلوم. وقد اهتمت سوفونيزبا ويسولا هي الأخرى بتثقيف نفسها والنهل من مختلف العلوم والمعارف. وهذا أدّى إلى ازدياد حظوظها عند كبار كتّاب وشعراء ايطاليا في ذلك الوقت الذين امتدحوا ذكاءها وأثنوا على مواهبها المتعدّدة.
وقد ترافق هذا مع اتساع شهرتها كرسّامة ورواج أعمالها التي كان أفراد العائلات الملكية والارستقراطية يحرصون على شرائها واقتنائها.
وفي احد الأوقات دعاها الملك الاسباني فيليب الثاني لزيارة اسبانيا حيث عيّنها رسامة للبلاط ومرافقة للملكة. وأثناء خدمتها في بلاط الملك، كانت سوفونيزبا حريصة على تأكيد استقلاليتها وإظهار رصانتها ونضجها.
والغريب أنها لم تتزوّج إلا بعد تخطّيها سن الأربعين. وقد تكفّل الملك الاسباني بدفع تكاليف مهرها وزواجها.
خلال القرن السادس عشر كانت البورتريهات التي يرسمها نساء لأنفسهن تؤكّد على الفكرة المثالية التي تقرن جمال الأنثى بالفنّ. وكانت الفنانات من النساء يستخدمن البورتريه كوسيلة للإعلان عن موهبتهن الفنية ولإثبات أنهنّ لسن بأقلّ رزانة وتمسّكا بالفضيلة من نظرائهن من الرسّامين الرجال.
في أواخر حياتها، رسمت سوفونيزبا ويسولا لنفسها بورتريها تظهر فيه بهيئة سيّدة عجوز. وفي ما بعد، ضعف بصرها فتوقّفت عن الرسم وتفرّغت لدعم وتشجيع الفنّانين الشباب. واستمرّت كذلك حتى وفاتها بمدينة باليرمو في سنّ الثالثة والتسعين.
وقد أغرت شهرتها والنجاح الكبير الذي أصابته العديد من النساء باقتفاء أثرها وأصبح بعضهنّ رسّامات مشهورات مثل لافينيا فونتانا وارتيميزيا جينتيليسكي.

Sunday, November 15, 2009

لوحات عالميـة – 222

حيـاة ساكنـة، سلـّة فواكـه
للفنان الهولندي بالتـاسـار فانـدر آسـت، 1622

لا بدّ وأنّ معظمنا رأى ذات مرّة لوحة من تلك اللوحات التي تظهر فيها صور لفاكهة وزهور وأباريق رُتّبت بطريقة أنيقة ومزخرفة.
هذا النوع من الرسم يُسمّى الحياة الصامتة أو الساكنة. ومن الواضح أن مرأى هذه اللوحات يسرّ العين ويبهج القلب، لأنها تذكّرنا بالطبيعة وبالتنوّع الذي خلقه الله فيها. ولعلّ هذا هو سبب افتتان الناس بها وباقتنائها لتزيين البيوت وأحيانا أماكن العمل.
ومنذ القرن السابع عشر عُني الفنانون الأوربّيون برسم مناظر الحياة الساكنة. فقد كانت من ناحية تظهر براعة الرسّام في الرسم. وكانت أيضا تمنحه حرّية ومرونة اكبر في التوليف لا توفّره لوحات الطبيعة المفتوحة أو البورتريه.
لكن مشاهد الحياة الصامتة أقدم من هذا التاريخ بكثير. فقد كانت مثل هذه اللوحات تزيّن قبور قدماء المصريين الذين كانوا يدفنونها مع الميّت اعتقادا منهم أن الأشياء التي تصوّرها ستصبح حقيقة وسيكون بإمكان المتوفى أن يستخدمها في الحياة الأخرى.
وعبر العصور المتعاقبة وصولا إلى مستهلّ القرن السابع عشر، تطوّرت هذه اللوحات إلى أن أخذت شكلها الحالي على أيدي الرسّامين الهولنديين الذين ادخلوا عليها عناصر جمالية جديدة ومعاصرة.
وكان بالتاسار فاندر آست من أوّل وأشهر الرسّامين الذين تخصّصوا في رسم هذه اللوحات هو وأخوه غير الشقيق امبروزيو بوسهارت.
ولوحاته تتضمّن العديد من العناصر المألوفة التي تظهر عادة في هذا النوع من الرسم، مثل الأزهار والثمار الناضجة والأباريق والكتب والآلات الموسيقية والسلال والأواني المنزلية والحشرات الزاحفة والطائرة والصَدَف والحجارة والكؤوس والمجوهرات وغيرها. أي تلك الأشياء الموجودة في الطبيعة أو التي من صنع الإنسان.
وعادة ما تكون هذه الأشياء مصفوفة على مائدة ومرتّبة بشكل منسّق وجميل.
ولد بالتاسار لأسرة موسرة عُرف عنها اشتغالها بتجارة القطن. وهو احد ثلاثة أشقاء تخصّصوا جميعا في رسم الحياة الساكنة.
وقد عُرف بالتاسار بغزارة إنتاجه إذ تربو لوحاته المعروفة على المائة وخمسين لوحة. وكان من عادته أن يوقّع لوحاته ويوثّق تواريخها.
وقد رسم لوحات عديدة اختار أن تكون دليلا مصوّرا يستعين به تلاميذه على معرفة أساليب تصوير الحياة الصامتة وترتيبها وتلوينها.
ومعظم أعماله موجودة الآن في المتاحف الهولندية وفي بعض المجموعات الفنية الخاصّة.
في هذه اللوحة رسم بالتاسار مائدة مغطّاة بالقماش الأبيض والبنّي وقد وُضُع فوقها صحن وسلّة من السعف وإناء اسود. وفي الصحن والسلّة وعلى أطراف المائدة تناثرت حبّات خوخ وسفرجل ومشمش وعنب أحمر وأسود تعلوها أوراق عنب جافّة.
ومن اللافت أن الفنّان رتّب هذه الأشياء ووضعها معا بهذه الطريقة البسيطة والأنيقة ليعطيها رونقا وبهاءً خاصّا. وهذا ما يجعل النظر إلى هذه اللوحة مصدر متعة خاصة.
اليوم تطوّر رسم مناظر الحياة الساكنة كثيرا عن السابق، حيث أصبحت تُرسم بثلاثة أبعاد وبوسائط أكثر. وعادة ما تُوظف فيها التقنيات الحديثة من تصوير وغرافيكس ونحت وموازييك وأصوات وصُوَر.
كما أن هناك الآن مصوّرين فوتوغرافيين قصروا مجال اهتمامهم على تصوير الحياة الصامتة. ومن أشهر هؤلاء المصوّران الفرنسي بيتر ليبمان والنمساوي بيلا بورسودي.
ومن بين أشهر الرسّامين الذين برعوا في رسم مناظر الحياة الصامتة كلّ من رمبراندت وروبنز وبيكاسو وفان غوخ.
وهناك أيضا سيزان الذي رسم أغلى لوحة حياة صامتة في تاريخ الفنّ بعنوان ستارة وإبريق ماء وفاكهة. وقد بيعت هذه اللوحة منذ سنوات بأكثر من 60 مليون دولار أمريكي.