بورتـريـه شخصـي
للفنّانة الايطالية سوفـونيـزبا ويسـولا، 1556
قد يكون هذا الاسم غريبا وغير مألوف كثيرا. غير أن صاحبته كانت احد الأسماء الفنّية الكبيرة التي اشتهرت خلال عصر النهضة الايطالي.
عاشت سوفونيزبا ويسولا في زمن ميكيل انجيلو وأنتوني فان دايك. ويقال إن الاثنين امتدحا موهبتها وشجّعاها. وكبادرة إعجاب وتكريم، رسم لها الأخير بورتريها.
وقد كان على الرسّامة أن توفّق بين ميولها الفنية وحقيقة أنها تنحدر من عائلة ارستقراطية مشهورة. وعلى الرغم من أن الأسر الارستقراطية كانت تعارض اشتغال أبنائها وبناتها بالرسم باعتباره مهنة دونية، فقد ساعدها والدها وشجّعها على إثبات نفسها عندما عهد بها إلى الرسّام برناردينو كامبي الذي صقل موهبتها وعلّمها أصول وأساليب رسم البورتريه.
في تلك الأثناء، كانت سوفونيزبا قد برعت كثيرا في رسم لوحات لطبيعة ذات جمال نادر. لكنها في ما بعد فضّلت أن تقصر جهدها على رسم البورتريه. وبسبب خلفيّتها الاجتماعية ومكانة عائلتها، كانت تُمنع من بيع أعمالها.
وبشكل عام، كانت رسوماتها صدى للأفكار الإنسانية التي كانت رائجة في عصر النهضة والتي كانت تنادي بتعليم النساء ومساواتهن بالرجال.
هذا البورتريه يُعتبر واحدا من سلسلة من الصور التي رسمتها الفنانة لنفسها في مراحل مختلفة من حياتها.
وكما هو الحال مع بقيّة بورتريهاتها الأخرى، فقد حرصت سوفونيزبا على أن تصوّر نفسها بهيئة رصينة وجادّة ومحتشمة.
وتبدو في اللوحة وهي تحمل الفرشاة وأمامها رقعة الرسم بينما تنظر إلى المتلقّي بعينيين كبيرتين تنطقان بالوقار والثقة.
هيئة الرسّامة تخلو من أيّ ملمح يدلّ على طبقتها. ومن الواضح أنها حريصة على أن لا ترتدي ملابس قد تترك انطباعا بالتباهي أو الكبرياء والتفاخر. كما أنها لا تضع أيّ نوع من الحليّ أو المجوهرات.
ومن اللافت أيضا في اللوحة أن الرسّامة اختارت معطفا اسود بياقة بيضاء. هذا النوع من اللباس البسيط والأنيق هو نفسه الذي يتكرّر في جميع لوحاتها الشخصية التي تظهر فيها إمّا ممسكة بكتاب أو وهي تعزف الموسيقى، للتأكيد على أصلها النبيل وانتمائها للنخبة المثقفة والمتعلمة.
كان النبلاء آنذاك يهتمّون بتعليم نسائهم الآداب الكلاسيكية والفلسفة والتاريخ والعلوم. وقد اهتمت سوفونيزبا ويسولا هي الأخرى بتثقيف نفسها والنهل من مختلف العلوم والمعارف. وهذا أدّى إلى ازدياد حظوظها عند كبار كتّاب وشعراء ايطاليا في ذلك الوقت الذين امتدحوا ذكاءها وأثنوا على مواهبها المتعدّدة.
وقد ترافق هذا مع اتساع شهرتها كرسّامة ورواج أعمالها التي كان أفراد العائلات الملكية والارستقراطية يحرصون على شرائها واقتنائها.
وفي احد الأوقات دعاها الملك الاسباني فيليب الثاني لزيارة اسبانيا حيث عيّنها رسامة للبلاط ومرافقة للملكة. وأثناء خدمتها في بلاط الملك، كانت سوفونيزبا حريصة على تأكيد استقلاليتها وإظهار رصانتها ونضجها.
والغريب أنها لم تتزوّج إلا بعد تخطّيها سن الأربعين. وقد تكفّل الملك الاسباني بدفع تكاليف مهرها وزواجها.
خلال القرن السادس عشر كانت البورتريهات التي يرسمها نساء لأنفسهن تؤكّد على الفكرة المثالية التي تقرن جمال الأنثى بالفنّ. وكانت الفنانات من النساء يستخدمن البورتريه كوسيلة للإعلان عن موهبتهن الفنية ولإثبات أنهنّ لسن بأقلّ رزانة وتمسّكا بالفضيلة من نظرائهن من الرسّامين الرجال.
في أواخر حياتها، رسمت سوفونيزبا ويسولا لنفسها بورتريها تظهر فيه بهيئة سيّدة عجوز. وفي ما بعد، ضعف بصرها فتوقّفت عن الرسم وتفرّغت لدعم وتشجيع الفنّانين الشباب. واستمرّت كذلك حتى وفاتها بمدينة باليرمو في سنّ الثالثة والتسعين.
وقد أغرت شهرتها والنجاح الكبير الذي أصابته العديد من النساء باقتفاء أثرها وأصبح بعضهنّ رسّامات مشهورات مثل لافينيا فونتانا وارتيميزيا جينتيليسكي.