السـاقـي المغـنـّـي
للفنان الاسكتلندي جاك فيتريانو، 1999
لا يوجد فنّان حديث انقسمت حوله الآراء واختلف بشأنه النقّاد بمثل ما اختلفوا وانقسموا حول الفنان جاك فيتريانو.
ورغم ذلك، يبدو الجمهور في حالة ترقّب دائم لاعمال هذا الفنان.
وتشير التقديرات إلى أن فيتريانو يجني سنويا اكثر من مائتي ألف جنيه استرليني من بيع نسخ لوحاته التي يتهافت على شرائها المشاهير والناس العاديّون.
قصّة فيتريانو تذكّرنا على نحو ما بالقول العربي المأثور: لا كرامة لنبيّ في وطنه". فنقاد الفنّ في اسكوتلندا، بلد الفنان، يبدون اقلّ حماسا واحتفاءً بلوحاته. بل إن بعضهم يصفها بأنها مجرّد إيحاءات جنسية فجّة ورخيصة، والبعض الآخر لا يرى فيها اكثر من تشكيلات لونية باردة وبلا روح..
لكن للسوق رأيا آخر مختلفا. إذ أن أعمال فيتريانو هي اليوم الأكثر تفضيلا لدى الجمهور.
بل إن عدد النسخ التي بيعت من اشهر أعماله، وهي لوحة "الساقي المغنّي"، تفوق بكثير ما بيع من أعمال اكثر الفنانين شهرة واحتفاءً وعلى رأسهم فان غوخ وبيكاسو.
وقد بيعت هذه اللوحة قبل أربع سنوات في مزاد علني بمبلغ مليون ونصف المليون دولار.
واللوحة تنطوي على سحر خاص بالنظر إلى تكوينها الفريد وألوانها الرائعة والمبهجة وجوّها الرومانسي البديع.
وهي تصوّر زوجين، أو لعلهما عاشقان، يرتديان ملابس السهرة الأنيقة وقد اندمجا في نوبة رقص حميمة على شاطئ يشبه الحلم، بينما أحاط بهما نادل وخادمة وهما يحملان مظلتين لحمايتهما من رذاذ المطر المتساقط.
ومع أن ملامح الرجل والمرأة غير ظاهرة، فإنه يمكن بسهولة تخيّل طبيعة انفعالاتهما في تلك اللحظة.
المعروف أن فيتريانو أصاب نجاحا عالميا باهرا، خصوصا في الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان.
لكن المشكلة في المثال الذي يجسّده فنان مثل فيتريانو هي أن الناس يفترضون في الفنان أن يكافح ويتعب ويناضل طويلا حتى يعترف الناس بموهبته ويحصل على الشهرة، وهذا لا يحدث في الغالب إلا بعد أن يموت أو يصاب بالجنون.
لكن فيتريانو، وهو بالمناسبة شخص على درجة عالية من الأدب والتواضع، رفض هذا النمط التقليدي، مما جلب عليه غضب وسخط المؤسّسة الفنية في اسكتلندا.
ورغم أن مؤيّدي فيتريانو من النقاد قليلون، فإن بعض الشخصيات المرموقة في ميدان الأدب والفن هبّوا إلى نجدته ومؤازرته، ومن بين هؤلاء المؤلف آل كينيدي الذي وصف منتقدي فيتريانو ومهاجميه بأنهم "جماعة من الحمقى الذين أعمى الحقد والحسد قلوبهم".
لوحات فيتريانو تفتح بوّابة إلى عوالم من الفتنة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وأعماله تستحضر من الروايات والأفلام مشاهد لرجال ونساء على الشطآن وفي الأندية والطرقات وفي البيوت ووراء الغرف الموصدة.
من غير المعروف ما إذا كان النقاد سيغيّرون موقفهم من فيتريانو وفنّه قريبا.
لكن من يدري! بعد مائة عام من الآن ربّما يكون لجاك فيتريانو وللوحاته ما لـ فان غوخ ورمبراندت من تقدير وشهرة وانتشار هذه الأيام.