حديقـة المباهـج الأرضيـة
للفنان الهولندي هيرونيموس بوش، 1504
يتفق الكثير من نقّاد الفن على اعتبار هذه اللوحة واحدة من أعظم الأعمال في تاريخ الفن ومن أكثرها شهرةً وخلودا.
رسم هيرونيموس بوش اللوحة قبل خمسمائة عام، وما تزال إلى اليوم تحتفظ بأصالتها وجاذبيتها التي كانت عليها في العام 1504م.
وُيرجّح أن تكون اللوحة قد أنجزت بناءً على طلب أحد النبلاء الهولنديين آنذاك.
"حديقة المباهج الأرضية" تتألف من ثلاثة أجزاء وقد استمدّت اسمها من الحديقة المترفة التي تبدو في الجزء الأوسط المملوء بصور نساء عاريات وطيور ضخمة وفواكه عملاقة.
واللوحة تصوّر تاريخ العالم ومراحل تطوّر الخطيئة بدءا من آدم وحوّاء اللذين ارتكبا الخطيئة "الجزء الأيسر"، إلى عذاب الخاطئين في الجحيم الذي يبدو إلى يسار اللوحة منطقة مظلمة وكابوسية وباردة.
أما في الوسط فتظهر حديقة المباهج الأرضية التي تصوّر عالما منغمسا في الملذّات والخطايا، حيث تتجسّد الشهوة باعتبارها سببا في سقوط الإنسان.
في هذه اللوحة الفانتازية يبدو هيرونيموس بوش مهجوسا بالرؤى الكابوسية للجحيم والخطيئة، وهي فكرة كانت سائدة في القرون الوسطى بأوربا.
و اللوحة تبرهن على قدرة الفنان المدهشة في بناء طبيعة ذات تفاصيل ضخمة ودقيقة من خلال سلسلة من المبالغات والتشويهات الغريبة.
كما تزخر اللوحة بأكثر من ألف رسم لبشر وحيوانات وثمار ونباتات. ومع ذلك، فإنها تعطي انطباعا بحداثتها وجدّة موضوعها.
وليس بالغريب أن ينجذب إلى هذه اللوحة سورياليو القرن العشرين لانها تحمل بعض سمات مدرستهم.
كان هيرونيموس بوش، واسمه الحقيقي جيروم فان ايكين، رجلا متشائما وأخلاقيا إلى حدّ كبير، ولم يكن يؤمن بإمكانية عقلنة العالم الذي فسد بسبب وجود الإنسان فيه، كما كان يقول.
ولزمن طويل ظلّ النقاد حائرين في تفسير رسومات هذا الفنان. وبعضهم كان يعتقد بانتمائه إلى "فرقة ضالة" أو منظمّة سرّية غامضة، على الرّغم من المضامين الدينية للوحاته.
لكن آخر دراسة نقدية عن الفنان تكشف عن انه كان فنانا موهوبا يفهم أسرار النفس الإنسانية، كما كان أحد الفنانين الأوائل الذين قدّموا مفاهيم تجريدية في أعمالهم.
وأخيرا، هناك حوالي أربعين لوحة منسوبة إلى هيرونيموس بوش، لكن سبعا منها فقط هي التي تحمل توقيعه.