Saturday, August 27, 2005

لوحـات عالميـة – 29


بورتريه للفنان في سن الثالثة والستين
للفنان الهولندي رمبـرانــدت، 1669

يعتبر رمبراندت واحدا من اعظم الفنانين في جميع العصور.
ولد في هولندا في العام 1606 ومات فيها. تخصّص رمبراندت في رسم البورتريه وفي تصوير مشاهد من الإنجيل.
وإلى رمبراندت يعود الفضل في إضفاء لمسة فلسفية على فنّ البورتريه، فقد سبق له وان رسم بورتريه للفيلسوف أرسطو وهو يتأمّل تمثالا نصفيا لهوميروس.
وكل البورتريهات التي رسمها رمبراندت حاول فيها النفاذ إلى العقل الخفيّ للشخص، إلى روحه وشخصيّته الداخلية.
ولوحات رمبراندت لا تعنى بالمتعة الظاهرية إلا بمقدار ما تقود تلك المتعة إلى المعرفة.
وقد ألغى الفنان كل ما كان يهتم به الفنانون الهولنديون الآخرون مما له علاقة بحقائق العالم المادي، لكي يوصل إحساسا بالجوانب الروحية والسايكولوجية.
وقد كان صديقه الظلام لانه يظهر النفس في حالة عزلة، بينما لم يكن يرى في النور حقيقة بصرية وإن كان يمكن توظيفه في المسرح.
كان رمبراندت يحبّ الألوان الحية مثل الذهبي والبرونزي والبنّي.
ورغم انه رسم بورتريهات عديدة لنفسه (حوالي المائة)، فإنه كان يبدو في كل منها مختلفا عن الآخر من حيث اللبس والمزاج، وكان يرتدي ملابس غريبة وكأنه يحاول اكتشاف هويّته الحقيقية.
عندما كبر رمبراندت في السنّ رسم لنفسه بورتريها تخلى فيه عن الأقنعة والثياب الغريبة ليبدو أمام نفسه وأمامنا بهيئته الحقيقية والمجرّدة، وبطريقة من الوضوح والمباشرة قلّ أن نجد لها مثيلا في تاريخ الفن.
في هذا البورتريه الجميل والمعبّر لا ننظر إلى مجرّد لوحة وانما نلتقي برمبراندت نفسه: الوهج الخفيف للصورة والنور الذي يملأ وجه الفنان المسنّ وفخامة الملابس التي يرتديها وطريقة الوقوف التي يجللها الكبرياء، والرأس المائل باتجاه الناظر وكأنه يخفي داخل نفسه ألما عظيما.
الصورة توصل إحساسا بالحزن الدفين، رغم أننا لا نعرف الكثير عن حياة رمبراندت.
غير أننا نعرف انه عانى من الإفلاس في نهايات حياته، بعد النجاح الساحق الذي حقّقه.
وفي هذا الوقت بالذات، كان الفنان قد فقد كل من كان يحبّهم باستثناء ابنه.
في بورتريه رمبراندت يبدو الفنان مملوءا بالكبرياء والأنفة رغم المعاناة الواضحة على ملامحه، وهو يبدو هنا إنسانا اكثر من كونه فنانا، وهذا ما جعل هذه التحفة الفنية الفريدة تعيش في الذاكرة كل هذا الزمن الطويل.