Saturday, December 09, 2017

لوحات عالميـة – 433

شـاي في سانتـا مونيكـا
للفنان الروسي نيكـولاي فيتشيـن، 1923

كان نيكولاي فيتشين احد كبار الفنّانين الروس الذين تخصّصوا في رسم البورتريه. وبسبب قدرته الكبيرة على الإمساك بجوهر الشخص المرسوم، أصبح يُصنّف في عِداد مشاهير الفنّانين الانطباعيين الذين برعوا في هذا النوع من الرسم.
كان فيتشين تلميذا لامعا للرسّام الروسيّ المشهور ايليا ريبين. وتحت إشراف الأخير، رسم فيتشين في سان بطرسبورغ عددا من اللوحات ذات المواضيع التاريخية، ثم بدأ يركّز على رسم البورتريه.
وقد سافر في عام 1904 إلى سيبيريا مع صديق جيولوجيّ، وزار بعض المناطق الريفية هناك وسجّل بعض مظاهر الحياة اليومية للمزارعين المحليّين. وفي ما بعد، أصبحت رسوماته تلك للحياة الزراعية في روسيا حديث المعارض الكبيرة في أوربّا وأمريكا.
في فبراير من عام 1917، تنازل القيصر نيكولاي الثاني عن الحكم في روسيا وتولّت السلطة في موسكو حكومة ثورية. ثم لم تلبث البلاد أن دخلت فترة من الاضطرابات السياسية والاجتماعية والحروب الأهلية المتقطّعة. وأدّى ذلك إلى انهيار القانون ونقص الأغذية والدواء وغيرها من ضرورات الحياة.
لذا قرّر فيتشين أن يرحل عن روسيا للبحث عن حياة أخرى في وطن جديد. وفي عام 1922، تمكّن هو وعائلته من مغادرة روسيا إلى الولايات المتحدة بمساعدة صديق أمريكيّ.
وقد وصل إلى نيويورك عام 1923 وهو في سنّ الثانية والأربعين. وهناك بدأ يرسم صورا سرعان ما اجتذبت انتباه وثناء النقّاد. ثم عمل معلّما في مدرسة للفنّ أسّسها مع آخرين في نيويورك.
لكنه لم يلبث أن عانى من مرض السلّ، فانتقل إلى الغرب الأمريكيّ حيث المناخ أكثر جفافا وأكثر ملاءمة لصحّته. واستقرّ هو وعائلته في تاوس في نيومكسيكو التي أعجب بطبيعتها ورأى أنها تجسّد أمريكا الحقيقية. كما اعتبر أن سكّانها من الهنود الحمر يتمتّعون بنفس السمات والخصائص التي يتميّز بها قومه من التتّار في موطنه الأمّ روسيا.
وقد رسم العديد من أصدقائه وجيرانه الهنود ورسم طبيعتهم. ودفعه افتتانه بعادات السكّان الأصليين في أمريكا إلى السفر إلى المكسيك وإلى جزيرة بالي الاندونيسية حيث رسم السكّان المحليين فيهما متذكّرا رسوماته المبكّرة لفلاحي بلدته الروسية.
في هذه اللوحة، يرسم فيتشين سيّدة من منتجع سانتا مونيكا المشهور في لوس انجيليس بولاية كاليفورنيا التي قضى فيها آخر عشرين سنة من حياته. كانت هذه المرأة صديقة لعائلة الرسّام، وقد رسمها بقبّعة سوداء وفستان ازرق بياقة بيضاء واسعة، بينما تمسك بيدها كأسا من الشاي.
أسلوب فيتشين المتفرّد في الرسم يظهر واضحا هنا من خلال البراعة في توظيف الألوان واستخدام السكّين، بل وحتى الأصابع، كي ينجز التأثيرات التي يبحث عنها. وقد ترك خلفية المنظر تجريدية تماما، بينما أضفى لمسة واقعية على مناطق معيّنة كالوجه واليدين، وهذه سمة يمكن ملاحظتها في معظم لوحاته.
تفضيل الرسّام لطبقات سميكة من الألوان مع القليل جدّا من الزيت والمزاوجة بين التجريديّ والواقعيّ أكسبه شهرة عالمية في السنوات الأولى من القرن العشرين وأهّله لنيل العديد من الجوائز في أكثر من دولة. كان في رسوماته يستخدم غالبا ضربات فرشاة عريضة وكان دائما يعدّ قماش الرسم بنفسه ولا يضع اسكتشات أوّلية للوحاته إلا في ما ندر.
ولد نيكولاي فيتشين في مدينة قازان الروسية الواقعة على ضفاف نهر الفولغا وقضى طفولته في غابة هناك. وقد تعلّم فنّ النقش على الخشب في سنّ مبكّرة على يد والده الذي كان يتعامل مع المعادن والأخشاب.
وفي ما بعد، درس الرسّام في أكاديمية سانت بطرسبورغ وتتلمذ على يد ايليا ريبين الذي كان يعلّم طلابه أن يركّزوا على سلبيات المجتمع ويتأمّلوا حياة الناس وينقلوها في لوحاتهم.
وقد تخرّج من الأكاديمية بتقدير عال وكوفئ بابتعاثه إلى روما. ثم عاد بعد ذلك إلى بلدته حيث درّس الرسم لبعض الوقت. وقد رسم نفسه ووالده وزوجته وابنته، بالإضافة إلى بعض مشاهير عصره وأشخاص آخرين لا يعرفهم لكنّ ملامحهم اجتذبته لرسمهم.
زار الفنّان ميونيخ وباريس كما زار متاحف في النمسا وألمانيا وايطاليا. وبعد أن استقرّ في أمريكا، أصبح احد أشهر الرسّامين المهاجرين هناك ابتداءً من أوائل العشرينات.

موضوع ذو صلة: فيتشين: جسر بين ثقافتين