Tuesday, December 05, 2017

لوحات عالميـة – 432

العائلـة المرحـة
للفنان الهولندي يـان سْتـين، 1668

كان يان ستين احد أشهر رسّامي ما يُعرف بالعصر الذهبيّ للفنّ الهولنديّ. ولوحاته معروفة بعمقها السيكولوجيّ وبروح الدعابة فيها ووفرة الألوان. كان حكواتيّا بارعا مع موهبة مسرحية ومعرفة بكيفية اختيار المزاج الذي يناسب كلّ لوحة.
وكانت أعمال ستين تُقيّم عاليا من قبل معاصريه وتبيع جيّدا. وقد رسم خلال حياته أكثر من ثمانمائة لوحة لم يتبقّ منها اليوم سوى ثلاثمائة. واشتهر خاصّة ببراعته في رسم الضوء وباهتمامه بالتفاصيل، وخاصّة رسم السجّاد وغيره من أنواع النُّسُج والأقمشة.
أسلوب الفنّان الفخم في الرسم، والمضمون الأخلاقيّ للوحاته، لفت إليه أنظار الكثيرين في عصره وفي العصور التالية. كان يوظّف في رسوماته أفكارا من المسرح. وكثير من الشخصيات التي رسمها هي شخصيات مسرحية وليست من الواقع.
وللوهلة الأولى قد تظنّ أن مناظره رُسمت لمجرّد التسلية، غير أنها في الغالب تتضمّن إشارات ورسائل خفيّة، بالإضافة إلى إشارات من الأدب والأمثال الهولندية القديمة.
من أشهر أعمال ستين هذه اللوحة، وفيها يرسم مشهدا من الحياة اليومية هو عبارة عن عائلة يجتمع أفرادها حول طاولة. والجميع يبدون سعداء ومستمتعين بوقتهم. لكن من الواضح انه رغم أجواء المرح والانشراح، إلا أن هذه الحفلة لا تبدو طبيعية.
الأب والجدّة يؤدّيان أغنية بحماس ومرح، بينما يعزف ابنان الموسيقى ويدخّن آخران الغليون، فيما يصبّ ابنان آخران النبيذ لنفسيهما. أيضا الطفل الذي يطلّ من النافذة يدخّن ويمسك بآلة بوق. أما الطفل الرضيع ذو الوجنتين المتورّدتين الذي يجلس في حضن أمّه فيرفع ملعقته لأخيه الذي يعزف الفلوت.
وفي خضمّ هذه الفوضى المنزلية، لا يبدو أن الأب مهتمّ بما يحدث، بينما الكلب يتفرّج على الحفلة بانتظار ما قد يتساقط من المائدة من طعام كي يأكله. وعلى أرضية الغرفة، ألقيت بإهمال أدوات الطبخ، وهي عبارة عن آنيّة فخار وملعقة زجاجية وصحن ومقلاة.
المناظر العائلية للرسّام يان ستين تتضمّن دائما درسا أخلاقيا أو تحذيرا من سلوك غير منضبط. ومنزل هذه العائلة يبدو في حالة فوضى وغير محكوم بقواعد أو نظام، بدليل أن الأطفال يتصرّفون كما يحلو لهم ويفعلون أشياء لا تتناسب مع أعمارهم، كالتدخين وشرب النبيذ.
وعلى مدخنة المنزل، في أعلى يمين اللوحة، أُلصقت ورقة كُتب عليها مثل هولنديّ يقول "ما يفعله الكبار يقلّده الصغار"، أو "كما يكون الآباء يكون الأبناء".
والرسّام من خلال الصورة يحذّر من عواقب التربية غير السليمة وأثرها على الأطفال ويتساءل عن ماذا يمكن أن يحصل للأطفال إذا كان الآباء يقدّمون قدوة سيّئة. حتى الأطفال الصغار يدخّنون ويشربون ويفعلون ما يفعله الكبار الذين يكرسّون نموذجا سيّئا.
الشيء الوحيد الهادئ في هذا المهرجان العائليّ الصاخب هو الضوء الذي يسقط على قماش المائدة الأبيض ونسيجها السجّاديّ الملوّن.
الشخصيات في اللوحة ممتلئة بالحياة وحركاتها واقعية وكذلك تعبيرات الوجوه. ويلاحَظ أن الرسّام أعطى الأب والجدّة ملامح كوميدية تشبه رسومات الكاريكاتير.
كان من عادة ستين أن يستخدم أفراد عائلته كنماذج لصوره. ويُرجَّح انه استخدم نفسه أيضا كموديل لشخصية الأب في اللوحة. وملامح الأب تشبه فعلا بورتريها شخصيّا رسمه الفنّان لنفسه حوالي ذلك الوقت. وكان قد رسم لنفسه عددا من البورتريهات التي يظهر فيها ميّالا للبساطة والبعد عن الكبرياء والتصنّع.
وكما هو الحال مع معظم لوحات الرسّام، فإن في هذه اللوحة مسحة مسرحية واضحة. وقد أقام مسرح حفله العائلي ببراعة ومع الكثير من النشاط والضجيج. وهو كان متأثّرا بالمسرح وبالنماذج التي تصوّر شخصيات وحالات بطريقة مبالغ فيها.
وبسبب براعته في رسم مثل هذه الأجواء المنزلية الصاخبة، شاع مصطلح "منزل يان ستين" الذي صار يصف حال البيوت التي تتّسم أجواؤها بالصّخب وانعدام النظام.
ولد يان ستين عام 1626، وكان اكبر إخوته الثمانية. ودرس في المدرسة اللاتينية في لايدن، ثم تلقّى دروسا في الرسم على يد فنّان ألماني يُدعى نيكولاس نوكتوبر.
وفي ما بعد، انتقل إلى مدينة هارلم وتأثّر برسومات مواطنَيه الفنّانين ادريان وايساك فان اوستيد. وفي عام 1648، أسّس مع غابرييل ميتسو رابطة الرسّامين في لايدن، ثم أصبح مساعدا لرسّام الطبيعة المشهور يان فان غوين. وفي السنة التالية تزوّج من شقيقة غوين التي أنجب منها ثمانية أطفال.
كان ستين متخصّصا أساسا في رسم الحياة اليومية، لكنه أيضا رسم مواضيع تاريخية ودينية وأسطورية. ورغم شهرته، إلا انه لم يكن قادرا على إعالة أسرته من خلال الرسم لوحده، لذا فتح مقهى بالقرب من بيته، واستخدم ذلك المقهى كخلفية للعديد من لوحاته.