علـى ضفـاف البحيـرة
للفنان الياباني سايكـي كـورودا، 1896
تُعتبر هذه اللوحة أحد أكثر الأعمال الفنية شهرة واحتفاءً في اليابان. وقد أصبحت منذ ظهورها في أواخر القرن التاسع عشر رمزا للثقافة وللروح اليابانية المعاصرة. فهي حاضرة دائما في المناهج الدراسية وعلى طوابع البريد. كما كُتبت فيها قصائد شعر وكانت موضوعا للعديد من الدراسات والنقاشات الأكاديمية التي تناولت أهمّيتها في الثقافة اليابانية والسياق التاريخي الذي ظهرت فيه.
وجانب من أهمّية اللوحة وشهرتها يعود إلى طبيعة الظروف التاريخية التي كانت تمرّ بها اليابان حوالي منتصف القرن التاسع عشر. فقد كان النظام الإقطاعي القديم الذي اتسم حكمه بالتوتّرات السياسية والأزمات الاقتصادية يعيش سنواته الأخيرة.
وكانت اليابان تتأهّب لاستقبال حكم الميجي الذي أتى بالإمبراطور موتسوهيتو إلى السلطة والذي دشّن في عهده حقبة جديدة من الاستقرار السياسي والتنوير الثقافي والتحديث الاقتصادي والانفتاح التجاري والثقافي على الغرب.
وكان الرسم في ذلك الوقت وسيلة مهمّة في تعزيز الانفتاح الثقافي على الخارج من خلال تصويره لجوانب من حياة اليابانيين التي لم تكن معروفة من قبل للكثيرين خارج اليابان.
وقد تزعّم سايكي كورودا هذا الاتجاه لدرجة انه صار يُلقب بأبي الرسم الياباني على الطريقة الغربية.
في مستهلّ شبابه، ذهب كورودا إلى باريس لدراسة الرسم هناك. في ذلك الوقت كان الانطباعيون يحكمون سيطرتهم على المشهد الفنّي الباريسي وكانت اسماء رينوار ومونيه وغيرهما من رموز الانطباعية تتردّد على كلّ لسان. ووجد الرسّام نفسه جزءا من الحركة الجديدة فقرّر إتباع الأسلوب الانطباعي في الرسم. وقد قضى في فرنسا عشر سنوات درس خلالها على يد رافائيل كولين الذي كان مشهورا برسم نساء عاريات في طبيعة مائية.
وأثناء إقامته في فرنسا، رسم كورودا هذه اللوحة التي حققت وقتها نجاحا ساحقا أهّله لنيل أكثر من جائزة بالإضافة إلى ثناء النقّاد.
اللوحة تصوّر امرأة تجلس على ضفّة بحيرة وترتدي اللباس التقليدي الياباني المسمّى بالكيمونو بينما تمسك بيدها مروحة. وفي خلفية اللوحة تلوح طبيعة من الجبال والتلال الخضراء.
من الواضح أن كلّ العناصر التي تتضمّنها اللوحة يابانية بامتياز: ملامح المرأة، ثيابها، أسلوب تصفيف شعرها والمروحة ذات النقوش والزخارف المصمّمة على الطراز الياباني.
براعة الرسام تبدو واضحة في استخدام الألوان والضوء والظلال. أيضا طريقته في تمثيل مياه البحيرة وانعكاسات الألوان والظلال على سطحها تشي هي الأخرى بقدر غير قليل من المهارة والإتقان.
هناك أيضا ملامح المرأة الوقورة ونظراتها المتأمّلة التي تعطي انطباعا بالهدوء والسكينة وربّما التذكّر والتوق.
المرأة والبحر ثيمة ظلّت تتكرّر باستمرار في الفنّ. ولطالما تنافس الرسّامون في تصوير مناظر لطبيعة بحرية تتضمّن عناصر نسائية في أجواء تعطي شعورا بالرومانسية أحيانا وبالهدوء والتأمّل أحيانا أخرى. ومن أشهر من تناولوا هذه الفكرة جون ووترهاوس وكلود مونيه وجون سيمونز ووليام بوغورو وبيير رينوار.
كان سايكي كورودا سليل عائلة من الساموراي أو قدامى المحاربين الذين كانوا مقرّبين تقليديا من النخب الحاكمة.
وكان هو أكبر إخوته وقد نشأ في بيئة توفّر لها من عوامل الثراء والنفوذ ما لم يتوفّر لغيرها. فعمل على تثقيف نفسه بالقراءة والاطلاع ودرس اللغات الأجنبية وأتقن الانجليزية والفرنسية.
ويقال إن تأثيره في الفنّ الياباني لا يشبه تأثير أيّ فنان آخر. فإليه يعود الفضل في إعادة صياغة أسلوب الرسم الياباني القديم وإعطائه نكهة غربية.
وهو الذي اقنع الجمهور الياباني، لأوّل مرّة، بقبول الرسوم العارية كموضوع في الفنّ بعد أن كان اليابانيون ينفرون من مناظر العري ويعتبرونها دخيلة على تقاليدهم وأعرافهم المحافظة.
بعد سبع سنوات من ظهور هذه اللوحة في باريس، تمّ عرضها في طوكيو. وقد أثارت هناك الكثير من النقد لأنها اعتبرت خروجا واضحا على تقاليد الرسم الواقعي الياباني.
عندما عاد كورودا إلى اليابان عُيّن رساما للبلاط الإمبراطوري ومديرا لأكاديمية الفنون الجميلة ثم عضوا في مجلس الأعيان. وأدّى انصرافه للعمل السياسي والأكاديمي إلى تقليل نشاطه الفنّي فأصبح لا يرسم إلا نادرا.
وعندما توفي في العام 1924 منحته الدولة وساما عاليا وأمرت بجمع لوحاته، بما فيها هذه اللوحة، وإيداعها في متحف أقيم تكريما له وحمل اسمه.