ليلـة مرصّعـة بالنجـوم فـوق الـرون
للفنان الهولندي فنسنـت فــان غــوخ 1888
عُرف عن فان غوخ افتتانه برسم السماء الليلية. وقد رسم هذه اللوحة، بالإضافة إلى لوحتيه الشهيرتين ليلة مرصّعة بالنجوم و ساحة مقهى في الليل، في فترات متقاربة أثناء إقامته في ضاحية آرل الباريسية.
كان فان غوخ يجد في السماء وفي تأثيرات الضوء ليلا مادّة أغرته برسم بعض أشهر أعماله وأكثرها شعبية ورواجا.
في هذه اللوحة الرائعة يحاول الفنان رسم تأثيرات الأضواء المشعّة من السماء وتلك المنبعثة من المصابيح الاصطناعية التي اكتشفت للتوّ آنذاك، محاولا الإمساك بانعكاسات ألوانها وخطوطها وظلالها على مياه نهر الرون الزرقاء.
ومن المثير للاهتمام أن نعرف أن هذه اللوحة ظلت دائما محطّ اهتمام وإعجاب علماء الفلك الذين درسوها وحللوها ليتوصّلوا إلى استنتاج مؤدّاه أن فان غوخ كان دقيقا في تحديد موقع كل نجم في اللوحة، ما يؤكّد انه رسمها ليلا في الهواء الطلق وفي نقطة ما على ضفّة النهر القريب من منزله.
أكثر ما يلفت الانتباه في اللوحة هو هذا الوهج اللوني الأخّاذ الذي يضيء كلّ جزء وكلّ تفصيل فيها. لا شيء هنا سوى السماء الليلية الممتدّة وهذه الغلالة السميكة والمتوهّجة من النجوم المشعّة التي تغطي صفحة الماء بألوانها الكرنفالية البهيجة والمبهرة.
وفي ما عدا هذا الملمح، يمكن رؤية جسر وصخور وأبراج وأبنية تلوح من بعيد، بالإضافة إلى رجل وامرأة يظهران في مقدّمة اللوحة وهما يتمشّيان على ضفّة النهر، وهو ما يعطي المشهد لمسة واقعية.
كان فان غوخ يحبّ الألوان كثيرا، وكان يعتقد أن الليل أكثر ثراءً بالألوان من النهار لانه يختزن ظلالا لونية مكثّفة من الأزرق والأرجواني والبنفسجي وغيرها.
وقد اعتاد دائما على التحديق في السماء الليلية حيث لا أنوار اصطناعية ولا صخب يمكن أن يصرف اهتمامه عن التأمّل والمشاهدة.
كان يجلس على ضفّة النهر ليلا ويرقب النجوم باهتمام وهي تتحوّل من البرتقالي إلى الأزرق، ومن الأزرق إلى الأرجواني، والعكس.
وكثيرا ما كان ينفر من فكرة رسم السماء مغطّاةً بنقاط بيضاء صغيرة، لان ذلك برأيه لا ينقل صورة السماء بطريقة واقعية ومعبّرة.
ومما يؤثر عن فان غوخ قوله: إن مرأى النجوم يجعلني احلم. وفي الصباح الباكر كنت اطلّ من نافذة المنزل قبل أن تشرق الشمس بوقت طويل. لم يكن هناك سوى نجمة الصبح التي كانت تبدو كبيرة ومتوهّجة".
افتتان فان غوخ اللافت بالليل والنجوم يمكن أن يُعزى إلى حقيقة انه كان يجد في منظر السماء والنجوم ليلا بعض ما يخفّف عنه إحساسه المقبض بالوحدة والاكتئاب.
ثم انه كان إنسانا حالما وحسّاسا وواسع الخيال. وثمّة احتمال بأن منظر الليل والنجوم كان يشعره بوجوده الصغير في خضمّ هذا الكون الفسيح واللانهائي.
وربّما كان يرى في النجوم عالما موازيا لعالمه الخاص، أو انه كان يبحث فيها عن وطن أو ملاذ يهرب إليه من بؤس الواقع وقسوة الحياة.