Friday, May 18, 2018

لوحات عالميـة – 465

الساحـرات الثـلاث
للفنان السويسري جون هنـري فوزيـلي، 1782

ماكبث هي إحدى أهمّ وأشهر مسرحيات شكسبير. وقد كتبها حوالي عام 1616. وهي تستند إلى أحداث حقيقية وقعت في اسكتلندا في القرن الحادي عشر.
كان شكسبير قد قرأ تاريخ الملك الاسكتلنديّ ماكبث في بعض المصادر. ولأن القصّة حافلة بالدراما والمفاجآت والمفارقات، فقد رأى أنها تناسب المسرح. ثم أضاف إليها أعمالا لها علاقة بالسحر الذي كان على ما يبدو موضوعا ساخنا ومفضّلا في نهاية القرن السادس عشر وبداية السابع عشر، لدرجة انه يقال أن جيمس الأوّل ملك انجلترا كان مهتمّا كثيرا بمطاردة الساحرات وتحدّث عنهنّ في كتابه الوحيد الذي ألّفه.
الرسّام جون هنري فوزيلي كان احد ابرز رموز الحركة الرومانسية. وكان في نفس الوقت يمارس الكتابة ويهوى المسرح. ولطالما انجذب إلى أعمال شكسبير مثل "ماكبث" و"هاملت" و"حلم ليلة في منتصف الصيف" ونقل إلى لوحاته بعضا من أجوائها.
في الفصل الأوّل من مسرحية ماكبث، تظهر لماكبث ثلاث ساحرات يخبرنه انه سيصبح ملكا على اسكتلندا. لكن عندما يتحالف مع شخص آخر يُدعى بانكو لقتل دنكان، ملك اسكتلندا آنذاك، تتغيّر القصّة لتأخذ منحى آخر.
وفي احد المشاهد الرئيسية في المسرحية، يقف كلّ من ماكبث ومساعده بانكو في ميدان المعركة وهما يعتمران خوذتين ويمسكان بسيفين يقطران دما بعد أن قتلا الملك. وأمامهما يقف فرسانهما المسلّحون بالسيوف والرماح، ثم يعلن ماكبث انه قد أصبح ملكا على اسكتلندا.
وهنا تظهر الساحرات الثلاث مرّة أخرى ليحملن إلى ماكبث نبوءتهنّ المشئومة بسقوط حكمه الوشيك. وهذه هي اللحظة التي يرسمها فوزيلي في اللوحة. إذ يصوّر الساحرات جانبيّا وهن يضعن أصابعهنّ في أفواههنّ، وأعينهنّ مبحلقات، وكلّ منهنّ ترتدي غطاء رأس ولباسا فضفاضا. الوقت ليل على الأرجح، وشعر إحداهنّ المتطاير يوحي بأن الجوّ عاصف.
وقد اختار الرسّام أن يعطيهنّ الهيئة التقليدية للساحرات، فهنّ دميمات وبملامح ذكورية تقريبا ومظهرهنّ رثّ واثنتان منهنّ تغمغمان بكلام بينما الثالثة تبتسم. ومن الواضح أن الرسّام لم يكن مهتمّا بتجسيد الشخصيات بدقّة بقدر اهتمامه بأن يترك أثرا في نفس الناظر وأن يثير لديه شعورا بالرهبة.
بحسب المسرحية، فإن ماكبث عندما يلاحظ المنظر المزعج للساحرات الثلاث وهنّ يلقين عليه بالتعويذة التي تتنبّأ بمصيره المحتوم فإنه يتراجع مرعوبا وهو ما يزال ممسكا بالخنجر الدامي الذي قتل به الملك.
هذه اللوحة ليست الوحيدة التي استلهمها فوزيلي من أحداث مسرحية ماكبث، بل رسم مشاهد أخرى من المسرحية من بينها لوحة لزوجة ماكبث وهي تمشي أثناء نومها وتعترف دون وعي بضلوعها في قتل الملك. وشكسبير يوظّف فكرة انعدام النوم كعقاب للمذنب.
لم يكن فوزيلي الرسّام الوحيد الذي استوحى من ساحرات ماكبث موضوعا للوحاته، بل كان هناك رسّامون آخرون منهم الكسندر كولن وجون مارتن وغيرهما.
قصّة ماكبث هي عبارة عن تحالف بين مجرمين متعطّشين للسلطة وتتحكّم في سلوكياتهم مشاعر إنسانية متناقضة من حزن وشجاعة وغضب وطموح وجنون .. الخ.
كان فوزيلي قد قرأ بعض كتابات شكسبير أثناء دراسته في زيوريخ، وقام وقتها بترجمة ماكبث إلى الألمانية. كان منجذبا إلى تعامل شكسبير مع المواضيع الفانتازية والخارقة، وألهمته هذه المواضيع رسم بعض أشهر لوحاته. وبعد أن وصل إلى انجلترا حضر عرضا للمسرحية في احد مسارح المدينة.
احد النقّاد في ذلك الوقت كتب معلّقا على هذه اللوحة أن الفنّان يرسم جيّدا لكن خياله محدود". وفي ما بعد وُظّفت اللوحة من قبل رسّامي الكاريكاتير في عديد من المناسبات للسخرية من رجال السياسة في بريطانيا.
وممّا يجدر ذكره أن اللوحة ظلّت في مجموعة فنّية خاصّة لأكثر من قرنين. ثم اقتنتها مكتبة هنتنغتون البريطانية التي تضمّ عددا من أهمّ اللوحات الانجليزية التي تعود إلى القرن الثامن عشر. والمعروف أن فوزيلي رسم ثلاث نسخ من هذه اللوحة مع تغييرات بسيطة، واحدة منها في زيوريخ والأخريان في لندن.
منذ أواخر القرن الثامن عشر، توقّف معظم الناس في أوربّا عن الإيمان بالساحرات والأشباح. وكانت هذه المخلوقات الخرافية مرتبطة بالقصص الريفية أو الشعبية أو الدينية.
لكن هذه القصص بُعثت من جديد في السنوات الأخيرة مع ظهور روايات تتناول الخفاء والفانتازيا والسحر، مثل "هاري بوتر" و"سيّد الخواتم" وغيرهما. شكسبير نفسه استلهم قصص الساحرات من الفلكلور الانجليزيّ ومن أساطير الإغريق وبلدان شمال أوربّا.
ولد جون هنري فوزيلي في سويسرا عام 1741 ودرس الرسم في ميونيخ. وفي عام 1760 انتقل إلى لندن وعمل ناقدا. وبناءً على نصيحة الرسّام جوشوا رينولدز، ذهب إلى روما لدراسة الرسم وقضى هناك ثمان سنوات.
وعندما عاد إلى انجلترا عزّز حضوره في المشهد الفنّي وأصبح رسّاما معروفا. ورسوماته التي تتناول مواضيع سيكولوجية وغيبية كانت مثارا لسخرية الكثيرين، وبعضهم اعتبروه مجنونا، لكنها صنعت منه فنّانا مشهورا، وهو أيضا كان ناجحا في الترويج لنفسه.
اعتبارا من عام 1790، عمل فوزيلي محاضرا في الأكاديمية الملكية، وكان من بين تلاميذه كلّ من جون كونستابل ووليام بليك.