بورتريه سيلفيـا فـون هـاردن
للفنان الألماني اوتـو ديكـس، 1926
للفنان الألماني اوتـو ديكـس، 1926
في أوائل عشرينات القرن الماضي، كانت ألمانيا تمرّ بتغييرات اجتماعية كبيرة، خاصّة على صعيد علاقات الجندر ونظرة المجتمع إلى المرأة.
وقد ظهر وقتها مفهوم المرأة الجديدة (أو نيو فراو بالألمانية)، الذي يشير إلى النساء اللاتي تخلّين عن القناعات التقليدية حول مكانة ودور المرأة ونظرتها إلى العمل.
كانت المرأة الجديدة تتصرّف خارج إطار ما حدّده المجتمع لها من ادوار مسبقا، فأصبحت تدخّن وتولي اهتماما اكبر بوظيفتها ولا تُظهر اهتماما كبيرا بالزواج أو بناء أسرة.
وكان من بين النساء اللاتي قُدنَ هذا الاتجاه في برلين شاعرة وكاتبة صحفية وناقدة سينمائية تُدعى سيلفيا فون هاردن. كان لفون هاردن حضور فاعل في الصحافة آنذاك وكانت تكتب مقالا أدبيّا في إحدى المجلات الشهرية المعروفة.
الفنّان اوتو ديكس، الذي كان من ابرز رسّامي تلك الفترة، كان قد تعرّف على الشاعرة في مقهى مشهور في برلين كان يتردّد عليه الفنّانون والأدباء. وكان ديكس يرى في هاردن صورة للمرأة الجديدة ورمزا لمرحلة مهمّة في مسار التغيير الاجتماعي. وكان معجبا بكتاباتها وأفكارها، لذا طلب منها أن يرسم لها بورتريها.
وقد كتبت الشاعرة في ما بعد مقالا تشرح فيه قصّة هذا البورتريه الذي أصبح مشهورا. وقالت في ذلك المقال: طلب منّي ديكس أن يرسم لي لوحة، فقلت له: أنت تريد أن ترسم عينيّ الباهتتين وأنفي الطويل وشفتيّ الرقيقتين وساقيّ القصيرتين وقدميّ الكبيرتين. وهذه الأشياء ستخيف الناس منّي، وأكيد لن تجلب لهم السرور".
لكن الرسّام أصرّ على طلبه. وعندما أتمّ عمله، أصبح البورتريه رمزا للجيل الجديد من النساء اللاتي لا يعوّلن على الجمال الخارجيّ وإنّما على الحالة النفسية والذهنية للمرأة.
في البورتريه، رسم الفنّان الكاتبة كامرأة مثقّفة وعصرية ومستقلّة. وهي تجلس باسترخاء في المقهى، قَصّة شعرها حديثة، كما أنها تدخّن أمام الملأ نوعا من السجائر الروسية.
فون هاردن في الصورة تبدو امرأة متحرّرة بملامح اندروجينية "أي لا هي برجل ولا بامرأة"، كما أنها ترتدي فستانا يتناسب مع قِوامها ويهيمن عليه اللون الأحمر وتزيّنه أنماط مربّعة سوداء ورمادية تعكس الشكل العصريّ للأنوثة. لكن الفستان لا يُظهر شيئا من ملامحها الجسدية التي تدلّ على أنها امرأة.
والرسّام يؤكّد على فردانية الشخصية. فهي تجلس على طاولة لشخص واحد، أي أن كلّ اهتمامها مركّز على وظيفتها ولا يشغلها ولا يهمّها أن تكون برفقة أشخاص آخرين.
كما انه ليس في يدها خاتم زواج، ما يشي بأنها ما تزال عزباء، وكأنها لا تريد أن تثقل كاهلها بمسئوليات الزوج والأطفال. ولأنها غير متزوّجة، فإنها تملك من الوقت ما يكفي لأن تقضي بعضه في المقهى لتدخّن وترفّه عن نفسها بدلا من الاهتمام بشئون المنزل.
كما أنها تضع على عينها اليمنى عدسة مكبّرة. وهذا النوع من النظّارات كان مرتبطا أساسا بالرجال، ونادرا ما كانت تستخدمه امرأة. لكنها تضع العدسة لأنها تريد أن ترى عملها وتركّز عليه بشكل أفضل.
اللوحة في عمومها تبدو مثل كاريكاتير، والمرأة تظهر تقريبا في هيئة رجل. وحتى قصّة شعرها تبدو ذكورية، والدليل الوحيد على أنها امرأة هو الفستان الذي ترتديه. ومن الواضح أنها لا تحاول أن تبدو جميلة ولا يهمّها أن يرتسم على وجهها اثر تكشيرة بدلا من ابتسامة.
كان اوتو ديكس يريد من تصويره للمرأة أن يرسم التحوّلات الاجتماعية التي كانت تشهدها بلاده. ويمكن القول أن اللوحة هي صورة ألمانيا الجديدة في عصر ما بعد الحرب العالمية الأولى.
لفون هاردن ديوانا شعر والعديد من المقالات التي نشرتها في الصحف. وقد غادرت الكاتبة ألمانيا عام 1933 واتخذت من انجلترا منفى اختياريا، ومن هناك استمرّت تكتب للصحف الألمانية حتى وفاتها عام 1963.
ولد اوتو ديكس في ديسمبر من عام 1891 لأبوين من الطبقة الوسطى. ولأن أمّه كانت تكتب الشعر وتهوى الأدب، فقد تأثّر الابن بذلك وأصبح منذ صغره يميل إلى الفنون.
ثم تتلمذ على يد ابن عمّه الذي كان رسّاما. وقد علّمه وشجّعه على تحقيق طموحه الفنّي. ثم عمل مع رسّام آخر يُدعى كارل سنيف. وبعد فترة، سجّل كطالب في أكاديمية درسدن للفنون. وكانت أوّل لوحات رسمها عبارة عن مناظر للطبيعة.
وعندما نشبت الحرب العالمية الأولى، تطوّع ديكس للخدمة في جيش بلاده. وأثناء ذلك نال عددا من الرتب والأوسمة. وفي عام 1918، أصيب بجرح في رقبته تسبّب في تركه الخدمة. وقد تأثّر ديكس كثيرا بما رآه من ويلات الحرب وسجّل بعضها في العديد من صوره.
وعندما جاء النازيّون إلى السلطة، اعتبروه فنّانا منحلا ثم طردوه من وظيفته كأستاذ للفنّ في أكاديمية دريسدن. فاضطرّ للانتقال إلى مدينة أخرى واستمرّ يرسم صورا رمزية تنتقد الحكم النازيّ.
وفي عام 1939، اعتُقل الرسّام ووُجّهت له تهمة الاشتراك في محاولة لاغتيال هتلر، لكن تمّ إطلاق سراحه في وقت لاحق. وبعد زوال النازيّة، أعيد له الاعتبار ومُنح جوائز عدّة من بينها جائزة من مؤسّسة غوته.
توفّي اوتو ديكس في يوليو 1969 إثر إصابته بجلطة في الدماغ.
وقد ظهر وقتها مفهوم المرأة الجديدة (أو نيو فراو بالألمانية)، الذي يشير إلى النساء اللاتي تخلّين عن القناعات التقليدية حول مكانة ودور المرأة ونظرتها إلى العمل.
كانت المرأة الجديدة تتصرّف خارج إطار ما حدّده المجتمع لها من ادوار مسبقا، فأصبحت تدخّن وتولي اهتماما اكبر بوظيفتها ولا تُظهر اهتماما كبيرا بالزواج أو بناء أسرة.
وكان من بين النساء اللاتي قُدنَ هذا الاتجاه في برلين شاعرة وكاتبة صحفية وناقدة سينمائية تُدعى سيلفيا فون هاردن. كان لفون هاردن حضور فاعل في الصحافة آنذاك وكانت تكتب مقالا أدبيّا في إحدى المجلات الشهرية المعروفة.
الفنّان اوتو ديكس، الذي كان من ابرز رسّامي تلك الفترة، كان قد تعرّف على الشاعرة في مقهى مشهور في برلين كان يتردّد عليه الفنّانون والأدباء. وكان ديكس يرى في هاردن صورة للمرأة الجديدة ورمزا لمرحلة مهمّة في مسار التغيير الاجتماعي. وكان معجبا بكتاباتها وأفكارها، لذا طلب منها أن يرسم لها بورتريها.
وقد كتبت الشاعرة في ما بعد مقالا تشرح فيه قصّة هذا البورتريه الذي أصبح مشهورا. وقالت في ذلك المقال: طلب منّي ديكس أن يرسم لي لوحة، فقلت له: أنت تريد أن ترسم عينيّ الباهتتين وأنفي الطويل وشفتيّ الرقيقتين وساقيّ القصيرتين وقدميّ الكبيرتين. وهذه الأشياء ستخيف الناس منّي، وأكيد لن تجلب لهم السرور".
لكن الرسّام أصرّ على طلبه. وعندما أتمّ عمله، أصبح البورتريه رمزا للجيل الجديد من النساء اللاتي لا يعوّلن على الجمال الخارجيّ وإنّما على الحالة النفسية والذهنية للمرأة.
في البورتريه، رسم الفنّان الكاتبة كامرأة مثقّفة وعصرية ومستقلّة. وهي تجلس باسترخاء في المقهى، قَصّة شعرها حديثة، كما أنها تدخّن أمام الملأ نوعا من السجائر الروسية.
فون هاردن في الصورة تبدو امرأة متحرّرة بملامح اندروجينية "أي لا هي برجل ولا بامرأة"، كما أنها ترتدي فستانا يتناسب مع قِوامها ويهيمن عليه اللون الأحمر وتزيّنه أنماط مربّعة سوداء ورمادية تعكس الشكل العصريّ للأنوثة. لكن الفستان لا يُظهر شيئا من ملامحها الجسدية التي تدلّ على أنها امرأة.
والرسّام يؤكّد على فردانية الشخصية. فهي تجلس على طاولة لشخص واحد، أي أن كلّ اهتمامها مركّز على وظيفتها ولا يشغلها ولا يهمّها أن تكون برفقة أشخاص آخرين.
كما انه ليس في يدها خاتم زواج، ما يشي بأنها ما تزال عزباء، وكأنها لا تريد أن تثقل كاهلها بمسئوليات الزوج والأطفال. ولأنها غير متزوّجة، فإنها تملك من الوقت ما يكفي لأن تقضي بعضه في المقهى لتدخّن وترفّه عن نفسها بدلا من الاهتمام بشئون المنزل.
كما أنها تضع على عينها اليمنى عدسة مكبّرة. وهذا النوع من النظّارات كان مرتبطا أساسا بالرجال، ونادرا ما كانت تستخدمه امرأة. لكنها تضع العدسة لأنها تريد أن ترى عملها وتركّز عليه بشكل أفضل.
اللوحة في عمومها تبدو مثل كاريكاتير، والمرأة تظهر تقريبا في هيئة رجل. وحتى قصّة شعرها تبدو ذكورية، والدليل الوحيد على أنها امرأة هو الفستان الذي ترتديه. ومن الواضح أنها لا تحاول أن تبدو جميلة ولا يهمّها أن يرتسم على وجهها اثر تكشيرة بدلا من ابتسامة.
كان اوتو ديكس يريد من تصويره للمرأة أن يرسم التحوّلات الاجتماعية التي كانت تشهدها بلاده. ويمكن القول أن اللوحة هي صورة ألمانيا الجديدة في عصر ما بعد الحرب العالمية الأولى.
لفون هاردن ديوانا شعر والعديد من المقالات التي نشرتها في الصحف. وقد غادرت الكاتبة ألمانيا عام 1933 واتخذت من انجلترا منفى اختياريا، ومن هناك استمرّت تكتب للصحف الألمانية حتى وفاتها عام 1963.
ولد اوتو ديكس في ديسمبر من عام 1891 لأبوين من الطبقة الوسطى. ولأن أمّه كانت تكتب الشعر وتهوى الأدب، فقد تأثّر الابن بذلك وأصبح منذ صغره يميل إلى الفنون.
ثم تتلمذ على يد ابن عمّه الذي كان رسّاما. وقد علّمه وشجّعه على تحقيق طموحه الفنّي. ثم عمل مع رسّام آخر يُدعى كارل سنيف. وبعد فترة، سجّل كطالب في أكاديمية درسدن للفنون. وكانت أوّل لوحات رسمها عبارة عن مناظر للطبيعة.
وعندما نشبت الحرب العالمية الأولى، تطوّع ديكس للخدمة في جيش بلاده. وأثناء ذلك نال عددا من الرتب والأوسمة. وفي عام 1918، أصيب بجرح في رقبته تسبّب في تركه الخدمة. وقد تأثّر ديكس كثيرا بما رآه من ويلات الحرب وسجّل بعضها في العديد من صوره.
وعندما جاء النازيّون إلى السلطة، اعتبروه فنّانا منحلا ثم طردوه من وظيفته كأستاذ للفنّ في أكاديمية دريسدن. فاضطرّ للانتقال إلى مدينة أخرى واستمرّ يرسم صورا رمزية تنتقد الحكم النازيّ.
وفي عام 1939، اعتُقل الرسّام ووُجّهت له تهمة الاشتراك في محاولة لاغتيال هتلر، لكن تمّ إطلاق سراحه في وقت لاحق. وبعد زوال النازيّة، أعيد له الاعتبار ومُنح جوائز عدّة من بينها جائزة من مؤسّسة غوته.
توفّي اوتو ديكس في يوليو 1969 إثر إصابته بجلطة في الدماغ.