Monday, January 22, 2018

لوحات عالميـة – 443

إغـواء يوسـف
للفنان الإيراني كمـال الديـن بهـزاد، 1488

يمكن تعريف المنمنمات على أنها نوع من الرسم الذي يُنتج لوحات صغيرة تُستخدم إمّا كرسوم توضيحية في كتاب أو كقطع فنّية قائمة بذاتها.
وعند النظر إلى المنمنمات الفارسية على وجه الخصوص، فإن أهمّ ما تتّسم به هو حجمها الصغير. وبطبيعة الحال يختلف تأثير النظر إلى صورة صغيرة عن النظر إلى لوحة زيتية كبيرة. وكلّما كانت اللوحة كبيرة، كلّما كان مفترضا أن يراها عامّة الناس. وكلّما كانت صغيرة، كلّما كانت أكثر حميمية وخصوصية بحيث لا يراها إلا القليلون أو النخبة.
وثمّة إجماع بين مؤرّخي الفنّ على أن كمال الدين بهزاد هو أشهر وأعظم رسّام منمنمات في العالم الإسلاميّ. والمنمنمات التي صنعها كانت تُوضع في مجلّد يُعرف بـ "المرقّع" ويضمّ مجموعات من المنمنمات والخطّ الإسلاميّ من مصادر مختلفة. وكان هذا هو الشكل المتعارف عليه لعرض رسوم المنمنمات في الإمبراطوريات المغولية والعثمانية والصفوية التي توالت على حكم بلاد فارس.
والحقيقة انه لا يُعرف الكثير عن حياة بهزاد. لكن معروف انه وُلد عام 1455 في هيرات بأفغانستان عندما كانت جزءا من الإمبراطورية التيمورية. وقد عانى من اليتم وهو في سنّ مبكّرة. ثم تربّى في كنف الرسّام ميراك الذي علّمه الفنّ الذي يروق لذائقة الطبقة الرفيعة من المجتمع.
وعندما بدأت موهبته في البروز، أصبح يحظى برعاية مير علي شير نوائي كبير الوزراء في هيرات الذي كان هو نفسه شاعرا ورسّاما. وعندما بدأ يرسم القصص المستقاة من كتب الشعر المشهورة، اجتذب اهتمام سلطان هيرات نفسه حسين بايقارا. وبعدها صارت أعماله تُشترى من قبل الرعاة الملكيين وتُعرض في القصر.
وعندما قام الشاه إسماعيل الأوّل مؤسّس الدولة الصفوية بالاستيلاء على هيرات، انتقل بهزاد إلى تبريز وعمل مديرا للمرسم الملكيّ ورئيسا للمكتبة الملكية ومسئولا عن المخطوطات، وهو أمر يشي بالمكانة العالية التي كان يحظى بها.
ومثل معظم الفنّانين الذين عاشوا في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، من المهمّ أن نتذكّر أن بهزاد لم يكن يعمل لوحده، بل كان يدير ورشاً تنتج الأعمال الفنّية تحت إشرافه وبمساعدة رسّامين آخرين.
هذه اللوحة هي أشهر منمنمة رسمها بهزاد، وفيها يصوّر قصّة النبيّ يوسف عليه السلام مع امرأة الفرعون. وكما هو معروف، وردت القصّة في القرآن الكريم وأعيدت روايتها مرارا وبطرق مختلفة.
وأحد الذين ذكروها كان الشاعر سعدي من القرن الثالث عشر الميلاديّ. وبعده بقرنين، أمر سلطان يُدعى علي الكاتب بأن يُعهد إلى بهزاد بمهمّة رسم القصّة في خمس منمنمات، وأن توضع اللوحات في مخطوط ديوان "بستان سعدي" الذي يضمّ مجموعة من القصص والأشعار الصوفية، وتوجد المخطوطة الأصلية منه في المكتبة المصرية في القاهرة.
في القصّة، تتعقّب زليخة امرأة الفرعون يوسف داخل غرف القصر السبع، وفي الغرفة الأخيرة تحاول احتضانه لكنه يتمكّن من الهرب.
زوجة الفرعون في اللوحة ترتدي ثوبا احمر، بينما يرتدي يوسف رداءً اخضر. وقد طمس الرسّام ملامح وجهه جرياً على عادة الرسّامين مع الشخصيات المقدّسة. واستخدم نقوشا وأنماطا جميلة وألوانا متناغمة للتدليل على فخامة القصر، بينما أضاف في أعلى وأسفل الصورة أبياتا شعرية من ديوان الشاعر عن القصّة.
استخدم الرسّام في رسم هذه المنمنمة الحبر والطلاء والذهب. وكما هو متوقّع، ركّز على المعمار المعقّد لقصر الفرعون.
ومن الأشياء الأخرى اللافتة في اللوحة شكلها الهندسيّ، فهي مشيّدة من مربّعات ومستطيلات ومثلّثات. وعندما تتمعّن فيها، سيُخيّل إليك كما لو أن الشخصين يتحرّكان داخل فراغات الغرف. كما أن في الصورة تنوّعا بصريّا، فكلّ غرفة لها تفاصيلها. وبعض الغرف تحتوي على أنماط جميلة والبعض الآخر على خطوط أنيقة. وكلّ غرفة لها تفرّدها، لكنها جميعا تشكّل لوحة واحدة.
ومن المهمّ أيضا أن نلاحظ طريقة استخدام الرسّام للمنظور في هذه اللوحة. فالجدار الأيمن يُظهر مهارته في رسم المنظور الواقعيّ. لكنه اختار لمعظم الصورة منظورا مسطّحا وأنماطا ميّز من خلالها ببراعة بين غرف وأجزاء المنزل المختلفة.
ووجود الإطار المزخرف يشير إلى أن اللوحة ستُعرض في مخطوط أو كتاب، وليس كلوحة أو جدارية.
من أشهر منمنمات بهزاد الأخرى واحدة بعنوان ارض الصيد وأخرى بعنوان تشييد قصر الخورنق ، بالإضافة إلى منمنمة ثالثة رسمها عام 1495 لتزيّن مخطوطة قصّة "ليلى والمجنون" للشاعر نظامي، وهي موجودة اليوم في المكتبة البريطانية.