Sunday, December 24, 2017

لوحات عالميـة – 436

الكاهـن المتـزلّـج على الجليـد
للفنان الاسكتلندي هنـري ريبـيـرن، 1790

كانت نهاية القرون الوسطى تمثّل العصر الذهبيّ للوحات التي تصوّر مناظر الثلج والتزلّج على الجليد.
ولم يكن هذا بالشيء المستغرب، ففي تلك الفترة ساد أرجاء أوربّا ما عُرف بالعصر الجليديّ الصغير، وكان على الناس وقتها أن يواجهوا الظروف الصعبة الناتجة عن الجوّ البارد جدّا.
وكان من أفضل فنّاني هذا النوع من الرسم كلّ من هندريك ايفركامب ويوهان جونكيند وفريدريك كروزمان وغيرهم.
الرسّام هنري ريبيرن رسم، هو أيضا، واحدة من أشهر لوحات الفصول وأكثرها جاذبيةً. وفيها يظهر راهب يُدعى روبيرت ووكر وهو يتزلّج في بحيرة لوك المتجمّدة في اسكتلندا. ووراءه يظهر أفق فضّيّ تذوب فيه التلال في الجليد.
المفارقة التي تثيرها الصورة هي أن زعيما دينيا يجد ما يكفي من الوقت لأن يتخفّف من أعباء مسئولياته ويمارس هوايته الأثيرة. وهو في اللوحة يبدو جادّا، وفي نفس الوقت منهمكا في إمتاع نفسه.
المنظر يثير أيضا شعورا بالانضباط والمهارة، فذراعا الرجل مطويتان خلف ظهره لتخفيف المقاومة. والمنحنيات الظاهرة على سطح الجليد تشير إلى آثار المتزلّجين الذين سبقوه. ومزيج الألوان الزهرية والرمادية للغيوم تشكّل خلفية رائعة، وهي مع الصورة الظلّية للرجل وُظّفت لتوصل الإحساس بلحظات السعادة.
كان ووكر عضوا في جمعية ادنبره للتزلّج على الجليد، وكان أعضاء الجمعية يلتقون دوريّا لممارسة هوايتهم على مياه البحيرة المتجمّدة. و ووكر معروف بين زملائه بأنه متزلّج حاذق ويتقن المناورة.
وكان الرجل قد قضى معظم طفولته في هولندا، حيث كان والده يعمل كاهنا للكنيسة الاسكتلندية في روتردام. وقد تعلّم مهارات التزلّج على الجليد أثناء إقامتهم هناك. وعندما عاد إلى ادنبره، أسّس مع عدد من أصدقائه ناديا للتزلّج اعتُبر أوّل نادٍ من نوعه في العالم.
اللوحة تتضمّن لمسة بهلوانية وهي أيضا تجسّد البراعة وروح الدعابة، بينما الملابس الداكنة مع القبّعة تشيع نوعا من الوقار. كما أن الصورة تنقل لمحة عن اسكتلندا القديمة قبل ما يقرب من المائتي عام.
ولد ريبيرن في ادنبره في مارس عام 1756. وتوفّي والده وهو صغير، فتولّى أخوه الأكبر رعايته. وفي صغره عمل في ورشة لصنع المجوهرات، وكانت وظيفته نقش الصور على الحليّ.
ويمكن القول انه علّم نفسه بنفسه إلى أن أصبح رسّام بورتريه معروفا. وفي ما بعد، ذهب إلى روما للدراسة واستنسخ بعض أعمال ميكيل انجيلو. وبعد عامين عاد إلى اسكتلندا.
وقد صوّر ريبيرن بعض الشخصيات المشهورة في عصره مثل السير والتر سكوت الذي رسمه أربع مرّات. كما رسم صورا لمثقّفي وتجّار اسكتلندا. وفي عام 1812 انتُخب رئيسا لجمعية الرسّامين الاسكتلنديين ثم عضوا في الأكاديمية الملكية. وفي عام 1822 منحه الملك جورج الرابع لقب فارس.
ولوحات ريبيرن تتّسم عموما بالواقعية الشديدة وبآثار الضوء الدراماتيكيّ وغير المألوف. وكان بعض النقّاد يفضّلونه على غينسبورو ورينولدز، غير أن رسوماته اقل بريقا وأناقة من رسوماتهما.
ومع ذلك فإن لوحته هذه غير عاديّة، لدرجة أنها اختيرت كأفضل لوحة في اسكتلندا بسبب جاذبيّتها التي لا تقاوَم والمتعة الاحتفالية التي تصوّرها.
وفي ما بعد وضُعت على طوابع البريد واستُنسخت كثيرا على ربطات العنق وعلى علب الشيكولاته والمناديل وغيرها.
ولأن الصورة لا تحمل سمات محدّدة، فقد شكّك بعض مؤرخّي الفنّ في نسبتها لريبيرن، وساد اعتقاد أن من رسمها قد يكون الفرنسيّ بيير دانلو الذي كان يعمل في اسكتلندا في أواخر القرن الخامس عشر. لكن في ما بعد، ثبت أنها لريبيرن فعلا.
والبعض يشبّهها بلوحة للرسّام الأمريكيّ غيلبيرت ستيوارت رسمها هو الأخر في ادنبره وقريبا من هذا المكان. والأخيرة تصوّر طبيعة جليدية يظهر في خلفيّتها عدد من المتزلّجين مع بعض الأشجار.
توفّي هنري ريبيرن في ادنبره في يوليو عام 1823.