عائلة من الفلاحين
للفنان الفرنسي لـوي لا نـان، 1642
نظرة سريعة إلى هذه اللوحة قد لا تكفي للاستمتاع ببهائها وتميّزها.
الجمال الشاعري الذي تختزنه بالإضافة إلى نُبل موضوعها هو ما دفع اللوفر للإصرار على اقتنائها في مطلع القرن الماضي مقابل حوالي مائة ألف فرانك.
واللوحة تعتبر اليوم من بين أفضل الأعمال الفنية الفرنسية التي ظهرت في القرن السابع عشر.
الرسّام لوي لا نان كان أحد ثلاثة أشقّاء كانوا يشتغلون بالرسم ويتقاسمون محترفا واحدا في باريس في بداية القرن السابع عشر.
كان الثلاثة يوقّعون لوحاتهم باسم الإخوة لا نان. وكانوا جميعا يرسمون حياة الفلاحين وسكّان الريف التي تتسم بالبساطة وشظف العيش.
كان أسلوب الإخوة الثلاثة في الرسم واحدا ومواضيعهم متشابهة إلى الحدّ الذي جعل من المستحيل تمييز لوحات كلّ منهم عن الآخر.
لكن في ما بعد أصبحت هذه اللوحة تُنسب إلى لوي لا نان تحديدا، وبالتالي صار أشهر الثلاثة.
في اللوحة نرى عائلة من المزارعين تتكوّن من ثمانية أفراد تتوسّطهم طاولة وُضعت فوقها بعض الأواني المنزلية.
أكبر الأطفال يبدو واقفا في وسط الغرفة وهو يعزف الناي، بينما ينشغل طفلان آخران بتدفئة نفسيهما في الجزء الخلفي من اللوحة.
وإلى اليسار، قريبا من مصدر الضوء، هناك ما يشبه النافذة أو الباب الموارب.
من الواضح أن العائلة ألفت تذوّق الأشياء البسيطة وحياة التقشّف. كما أنها إلى الفقر اقرب منها إلى عيشة الكفاف. ومع ذلك فملامح الأفراد تنمّ عن نبل وعن قناعة ورضا.
زمن عائلة لا نان حدث تحوّل في أذواق الناس الفنّية فأصبحوا يفضّلون المناظر التي تصوّر الحياة اليومية للناس البسطاء.
وقد قاد هذا التحوّل الرسّامون الهولنديون الذين كانوا أوّل من استحدث تقليد رسم الحياة اليومية اعتبارا من منتصف القرن السادس عشر.
بعد ذلك انتشر هذا النوع من الرسم إلى بقيّة أنحاء أوربّا. وظهر رسّامون فرنسيون وايطاليون يعنون برسم مشاهد من الحياة اليومية، خاصّة تلك التي تصوّر حياة المزارعين وأسلوب العيش في الأرياف.
هذه اللوحة لا تختلف عن بقيّة لوحات لا نان من حيث أنها محمّلة بالقيم الدينية والأخلاقية ومفاهيم الفضيلة وحبّ العمل والكسب المشروع.
كما يمكن اعتبارها امتدادا لفكرة البساطة الكلاسيكية التي تتسم بها الحياة العائلية في الريف والتي تتكرّر كثيرا في الرسم الفرنسي.
من ابرز خصائص هذه اللوحة أن الألوان فيها تبدو، هي الأخرى، متقشّفة وتكاد تقتصر على اللونين الأصفر والبنّي وتدرّجاتهما. لكنّ هذا لا يقلّل من جمال اللوحة ورونقها.
هناك أيضا التوازن والتناغم الذي يحكم العلاقة بين عناصر اللوحة وتفاصيلها المختلفة، بالإضافة إلى براعة الرسّام في تصوير تأثيرات الضوء والظلّ.
ومن الواضح أن الرسّام يكنّ تعاطفا حميما مع الفلاحين إذ يصورّهم بطريقة كريمة تخلو من السخرية أو الانتقاص.
ممّا يجدر ذكره أن غوستاف كوربيه كان معجبا جدّا بهذه اللوحة. وقد ألهمته رسم لوحات مماثلة تتخذ من نمط الحياة في الأرياف موضوعا لها.
من بين من رسموا المناظر الريفية بيتر بريغل الذي صوّر حياة الفلاحين بطريقة هزلية وساخرة، متأثّرا على ما يبدو بنظرة سكّان المدن الذين كانوا يعتبرون سكان الريف أشخاصا سذّجا ومسلّين.
كما رسم بيئات المزارعين والفلاحين فنّانون آخرون من أشهرهم جول بريتون وكميل بيسارو وفان غوخ وجان فرانسوا ميليه وغيرهم..