بورتريه الكونتيسـة آنـا دو نُـواي
للفنان الاسباني إغنـاثيـو ثولـواغـا، 1913
في بدايات القرن العشرين، لم يكن في فرنسا امرأة تنافس ما كان لـ آنا دو نواي من مكانة وشهرة. فقد كانت جزءا من مجتمع باريس المخملي، وكان صالونها الأدبي ملتقى لأهمّ الأدباء والكتّاب المعروفين آنذاك، مثل بول فاليري وجان كوكتو وادمون روستان واندريه جيد ومارسيل بروست.
كانت دو نواي شاعرة وروائية في نفس الوقت. بل كانت أوّل شاعرة في فرنسا تنال تكريما عاليا بمنحها وسام الأكاديمية الفرنسية بمرتبة الشرف. وقد عُرف عنها رعايتها للآداب والفنون وتأسيسها جائزة لأفضل النساء الكاتبات إبداعا وتميّزا.
كانت دو نواي امرأة ذات شخصيّة قويّة ومتنفّذة. وقد ساعدها على البروز أكثر انتماؤها إلى عائلة ارستقراطية من الأمراء والنبلاء.
ويقال إن قربها من مارسيل بروست دفعه إلى استلهام شخصيّتها في إحدى رواياته. وقد كان شديد الإعجاب بها، إلى حدّ انه وصفها في إحدى المناسبات بأنها ملكة فرنسا وأفضل شاعراتها.
وقد اجتذبت موهبة المرأة ومكانتها وجمالها عددا من الفنانين الذين رسموا لها بورتريهات ومن أهمّهم فيليب دي لازلو وجان لوي فورين، بالإضافة إلى اوغست رودان الذي نحت لها تمثالا نصفيا من المرمر هو اليوم من مقتنيات متحف المتروبوليتان في نيويورك.
غير أن هذه اللوحة التي رسمها لها اغناثيو ثولواغا، والموجودة اليوم في متحف بيلباو في مدريد، ظلّت دائما أشهر لوحة تصوّر الأميرة الشاعرة. بل إن هناك من يعتبرها من بين أفضل الأعمال التشكيلية التي ظهرت في القرن الماضي. وقد أنجز الفنان اللوحة أثناء إقامته في فرنسا. وفيها تبدو الكونتيسة دو نواي متّكئة على أريكة ومرتدية فستانا زهريا بينما طوّقت كتفيها العاريين بوشاح بنّي اللون.
نظرات المرأة الهادئة ووجهها الوسيم ذو الملامح الدقيقة وابتسامتها الخفيفة تنبئ عن طبيعتها الواثقة ومزاجها الشاعري والمتأمّل.
وعلى الأرضية هناك مزهرية وكتاب مفتوح وإلى جوارهما عقد ضخم ومجموعة من الكتب.
ألوان الغرفة الداكنة، الستائر ذات الألوان السوداء والأرجوانية والخلفية الزرقاء تحيل الناظر تلقائيا للتركيز على وسط اللوحة، أي على هيئة المرأة، بملابسها الفاتحة ولون بشرتها، التي تعكس تباينا مع بقيّة العناصر الأخرى في الغرفة.
تميّزت أشعار دو نواي بالغنائية وقوّة العاطفة وكثافة الصور. ومواضيعها تتمحور حول أفكار الحبّ والطبيعة والموت. وبعض قصائدها يغلب عليها الجانب الايروتيكي مع مسحة من العنف والمأساوية التي طبعت أشعارها المتأخّرة.
وبالإضافة إلى الشعر، ألّفت عددا من الروايات والقصص القصيرة. وكانت مصادر إلهامها مزيجا من ثقافة اليونان الوثنية وأفكار فريدريش نيتشه المتطرّفة.
بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، تغيّر المشهد الأدبي كثيرا في فرنسا مع ظهور الداديّة والرمزية والسوريالية وموجة الأدب والفنّ الطليعي. ويبدو أن دو نواي وجدت صعوبة في التكيّف مع التغيير الجديد، ففضّلت الاحتفاظ بأسلوبها القديم.
وعندما توفيت في العام 1933 سار في جنازتها نخبة الأدباء والفنانين والساسة المعروفين في ذلك الوقت.
اليوم وبعد مرور حوالي مائة عام على وفاتها، لا يكاد احد يتذكّر الكونتيسة دو نواي إلا باعتبارها سيّدة ارستقراطية جميلة وصديقة للأدباء والكتاب في زمانها.
أما اغناثيو ثولواغا فقد عُرف بتأثّره بالرسّامين الأسبان الكبار. وبعض لوحاته لا يمكن تمييزها عن لوحات فيلاسكيز وإل غريكو. لكن بعضها الأخر يبدو أكثر شبها بـ دي غويا. فقد كان هو أيضا معنيا بتصوير الوجه الحقيقي لاسبانيا لكن ضمن منظور أكثر حداثة.
ومثل غويا أيضا، كان ثولواغا منجذبا لرسم مباريات مصارعة الثيران والغجر والمغنّين المتجوّلين والفلاحين وشعراء التروبادور.