حــبّ متجـمّـد
للفنان الفرنسي جـان بـول ايفيـس، 1980
بعض الأعمال التشكيلية تألفها العين وترتاح لها النفس بصرف النظر عن قيمتها الفنية أو الإبداعية. وهذه اللوحة مثال على ذلك.
وهي تعبّر عن رؤيا أو عن حالة ذهنية تأخذ الناظر إلى عالم خفي لم يسبق لأحد أن ارتاده وربّما لا نراه إلا في الأحلام أو حالات اللاوعي.
واللوحة مألوفة إلى حدّ كبير. وكثيرا ما تستهوي المواقع المخصّصة للأدب والشعر. وهي تنتمي إلى ما يسمّى بالرسم الرؤيوي، وهو جنس من الفن يحاول فيه الرسّام أن يرتفع فوق العالم الملموس والمشاهَد لكي يقدّم رؤيا أوسع للوعي مستمدّة من خبراته الذاتية؛ العاطفية والروحية والسيكولوجية والصوفية وغيرها.
في اللوحة نرى امرأة تجلس وحيدة على ما يشبه أطلال قلعة قديمة، في طقس توحّدي مع الطبيعة.
نظرات المرأة المستغرقة وتعابير وجهها تعطي انطباعا هو مزيج من التوق والانتظار والحزن. قد تكون بانتظار حبيب أو قريب أمعن في الغياب. وقد تكون المرأة جاءت إلى هذا المكان المثلج البارد كي تتلمس في رحاب الطبيعة ما يسلي النفس وينسيها مرارة تجربة حبّ قديم أو علاقة ما لم تكتمل.
التباين قوي ما بين الهيئة العصرية للمرأة وشكل المعابد والأعمدة التي ترمز لماضٍ موغل في القدم. وقد يكون الرسّام أراد من هذه المفارقة أن يوحي بأن ما يعتري الإنسان من مشاعر الفقد والحنين والحزن وغيرها من الأحاسيس المختلفة لها صفة أزلية وسرمدية لا تتأثر بتقادم الزمن أو تغيّر الظروف.
والطبيعة في اللوحة فانتازية إلى حدّ كبير. لكنها تظلّ هي الطبيعة التي تمنح - برحابتها وغموضها - الإنسان شيئا من العزاء وتوفر له وعدا بحياة جديدة تنبثق فيها شمس الأمل من جديد مبدّدةً بأشعتها سحائب اليأس والعتمة لتلتئم جراح النفس وتستعيد معها الروح بعضا من توازنها وهدوئها.
الألوان هنا جميلة ومتناسقة، والمنظر نفسه شاعري بامتياز. ولا يقلل من شاعريّته حقيقة أن طريقة لباس المرأة، التي تظهر عارية الصدر والكتفين، لا تتناسب كثيرا مع الطبيعة الثلجية والجوّ البارد.
كما لا يقلل من جمال اللوحة احتمال أن يكون الفنان قد وظف بعض تقنيات التصوير الرقمي والغرافيكس في رسم بعض تفاصيلها وأجزائها.
جان بول ايفيس رسّام فرنسي علّم نفسه بنفسه وأقام عدّة معارض في اليابان وأمريكا الشمالية وسويسرا. وقد أصبح اسماً معروفاً في أوساط الفن التشكيلي العالمي منذ العام 1990، أي بعد أن عرض بعض أعماله في غاليري بريستيج للفنّ بشيكاغو. وتكثر في لوحاته صور لنساء، وطيور، وورود، وفراشات، وغابات، وستائر ملوّنة، وأزهار لوتس، وكُرات كريستال، وساعات مفكّكة ومتناثرة قد تكون رمزا لسيولة الوقت ونسبية الزمن.
يقال أحيانا إن الفن الرؤيوي هو طريق الفنان للبحث عن رؤى ذاتية؛ باطنية وذهنية وبدائية، يعبّر عنها باستخدام لغة بصرية تعينه على رؤية ما لا يراه في الواقع.
وفي لوحات الفنانين الرؤيويين غالبا ما نرى صورا لممرّات غامضة، ومتاهات، وانكسارت ضوء، وطبيعة داخلية، وأقنعة، وهالات نور، وصخور، ومعابد، وطقوس سحر، وملائكة، وشياطين، وأطلال وبقايا حضارات سادت ثم بادت.. إلى آخره.
كما تتمحور لوحاتهم حول مواضيع وثيمات محدّدة مثل الجنّة والنار، والموت، والبعث، ورحلة ما بعد الحياة، والأبطال القدامى، والمستقبل البعيد، والماضي السحيق، والمخلوقات الأسطورية، والأماكن النائية والغامضة إلى غير ذلك.
ومن أشهر فنّاني الرؤيا القدامى وليام بليك وغوستاف مورو.
أما الرؤيويون المعاصرون فكثيرون، ومن أبرزهم مايكل فوكس Michael Fuchs، وأليكس غري، وبريجيد مارلين Brigid Marlin، وروجر غارلاند، وجوزيفين وول Josephine Wall، وجيفري بيدريك، واندرو غونزاليس Andrew Gonzales، ومحمود فارشجيان Mahmoud Farshchian، وكيرك راينارت Kirk Reinert، وجوناثان باوزر، وغيلبيرت وليامز Gilbert Williams، وكريستوف فيشر Christophe Vacher، وجيك باديلي Jake Baddeley، وفريدون رسولي Freydoon Rassouli وغيرهم.
موضوع ذو صلة: جماليات الفنّ الرقمي