امـرأة تقـرأ كتاباً قـرب نافـذة
للفنان الفرنسي ديلفـن اونجولرا، 1901
كان ديلفن اونجولرا رسّاما أكاديمياً وتلميذاً لـ جان ليون جيروم. ومع ذلك لا يكاد يتذكّره اليوم أحد. بل ربّما لم يسمع باسمه الكثيرون. غير أنه ما أن يُذكر اسمه حتى تتبادر إلى الذهن هذه اللوحة التي تعتبر، ليس فقط من أجمل لوحات اونجولرا؛ وإنما أيضاً من أفضل الأعمال التشكيلية التي أنتجها الرسم الغربي عن فكرة "المرأة القارئة".
في اللوحة نرى امرأة شابّة تجلس على كرسي وتقرأ كتاباً أمام نافذة مفتوحة بينما ارتدت فستاناً زهرياً بأكمام قصيرة يتخلله وشاح طويل منسدل على الأرض. وإلى جوار النافذة هناك مزهرية ضخمة وُضعت فوق طاولة.
المرأة تبدو في حالة استغراق داخلي وعزلة عن العالم الخارجي، وتركيزها منصبّ كليّة على قراءة الكتاب وتعابيرها الهادئة والمسترخية ربّما تشي بأنها تقرأ كتاباً خفيفاً.
هذا المشهد لا يخلو من نعومة ورقّة وهو يذكّرنا إلى حدّ كبير بمناظر رينوار المليئة بالألوان الزاهية والتفاصيل المبهجة والأضواء المتوهّجة.
اونجولرا كانت له رؤيته الخاصّة عن الحياة وعن الأنوثة بشكل خاص. ولوحاته في معظمها تصوّر عالما من الجمال والسحر والجاذبية لكنها تخلو من الأفكار والانفعالات العميقة والمركّبة. وقد كان مهتمّاً في الأساس بتصوير أوضاع ومزاج الطبقة البورجوازية في زمانه. وكان يميل إلى رسم نساء أنيقات وهنّ منهمكات في القيام بأنشطة منزلية مختلفة مثل القراءة والخياطة وتنسيق الزهور. وغالباً ما تظهر نساؤه بالقرب من مصباح أو نافذة.
أكثر ما يلفت الانتباه في هذه اللوحة براعة اونجولرا في استخدام لمسات الفرشاة الناعمة واختيار ألوان دافئة ومتناسقة لدرجة انه يُخيّل للناظر أن الشخصية تكاد تذوب في الألوان المشبعة وفي تفاصيل الديكور من سجاد وستائر وخلافه.
وبعض لوحات الفنان الأخرى تصوّر نساءً عاريات ضمن توليفات ديكورية تتسم بحيويتها وشاعريتها وبألوانها الباذخة والأنيقة.
"المرأة القارئة" ثيمة تتكرّر كثيراً في الرسم الأوربّي والغربي عامّة كرمز لقدرة المرأة على التفكير وتثقيف الذات والمشاركة في إعادة تشكيل الحياة والتأثير الفاعل في المجتمع. ومع ذلك، كثيرا ما قدّمت الفكرة في إطار رومانسي وأحيانا حسّي.
وبالإضافة إلى أن الفكرة توضّح أهميّة الكتاب ومكانته في التاريخ البصري إجمالاً، فإنه يمكن اعتبارها سجلاً أو تأريخاً يوثق جانباً من مسيرة المرأة ونضالها في كسر القيود الضيّقة للحياة المنزلية ومحاولة الخروج إلى العالم الأوسع من اجل اكتساب المعرفة وتحقيق الذات في مجتمع يخضع تقليديا لسيطرة الرجل.
وبما أن الحديث عن فكرة المرأة والقراءة، تحسن الإشارة في الختام إلى لوحتين أخريين عن نفس الموضوع لا تقلان أهمّيةً في جمالهما وقوّتهما التعبيرية؛ الأولى: في بستان البرتقال لـ تشارلز بيروجيني Charles Perugini's In the Orangery، والثانية: امرأة تقرأ رسالة عند نافذة مفتوحة لـ يان فيرمير Jan Vermeer's Girl Reading a Letter at an Open Window.
كما استهوت الفكرة رسّامين آخرين مثل فراغونار وبيكاسو ومانيه وميري كاسات وغيرهم.