كاثـرين .. راهبـة الإسكنـدريــة
للفنان الإيطالي رافـائيــل، 1507
كانت كاثرين تنحدر من عائلة من النبلاء، وقد رأت في المنام ذات ليلة أنها تزوجّت المسيح.
وكان الإمبراطور الروماني ماكسينتيوس يرغب في الزواج من المرأة، لكن كان عليه أوّلا أن يقنعها بترك المسيحية.
وعندما فشل في مساعيه أرسل إليها خمسين فيلسوفا وعالما ليحاولوا استمالتها وإقناعها بالنزول عند رأيه. غير أن المرأة تمكّنت من تحويل هؤلاء جميعا إلى المسيحية، بحسب ما تذكره المصادر الإنجيلية.
قبض الإمبراطور على العلماء وحكم عليهم بالإعدام حرقا ثم أمر بأن تعذّب المرأة وذلك بأن تربط إلى عجلة ذات أضلاع مسنّنة.
لكن العجلة سرعان ما تدمّرت بفعل صاعقة رعدية ولم تصَب المرأة نفسها بأذى. لكن كاثرين أعدمت بعد ذلك بقطع رأسها بالسيف.
ولم يمض وقت طويل حتى تحوّلت هذه المرأة إلى قدّيسة وأصبح لها أتباع ومريدون كما شيّد لها في القرن السادس الميلادي دير يحمل اسمها على قمّة جبل طور سيناء حيث يعتقد بأن الملائكة قامت بنقل رفاتها إلى هناك.
وقد امتدحها الوعّاظ وتغنّى بها الشعراء في قصائدهم كما سمّيت الكثير من الكنائس على اسمها، ولا تخلو كنيسة أو دير من تمثال أو أيقونة تصوّرها.
تم تمثيل كاثرين راهبة الاسكندرية في العديد من اللوحات والتماثيل الفنية وكان يظهر إلى جوارها عجلة أو سيف، أو خاتم يرمز إلى واقعة زواجها الغامض من المسيح.
وأحيانا ما تصوّر وهي تمسك بكتاب أو تضع على رأسها تاجا في إشارة إلى خلفيّتها الملوكية.
في اللوحة يتّضح مدى تأثّر رافائيل بأسلوب ليوناردو دافنشي الذي كان بارعا في تصوير وضعية الوقوف مع انثناء الجسد بطريقة لا تخلو من المهابة والجلال.
والمرأة تبدو هنا وهي تسند جنبها الأيسر إلى رمزها "العجلة" بينما أراحت يدها اليمنى على صدرها وأرسلت عينيها باتجاه السماء البعيدة المغمورة بالضياء.
ومن الواضح أن المنظر الطبيعي الذي يبدو في خلفية المشهد قد نفّذ بكثير من البراعة والإتقان وهو يذكّر إلى حدّ كبير بمناظر دافنشي ذات الطبيعة الحالمة والفانتازية.
ومن السّمات الأخرى في اللوحة غنى المشهد بالحركة المتناغمة للألوان. ويبدو أن رافائيل لم يكن يركّز كثيرا على إثارة الانفعالات حول الموضوع بل كان يحاول بلوغ أفضل توازن للألوان والتعابير والعناصر الجمالية الأخرى في اللوحة.
يقول بعض المؤرخين إن كاثرين (ومعنى الاسم: المرأة الطاهرة) قد تكون مجرّد شخصية خيالية اخترعتها مخيّلة الناس مدفوعين برغبتهم في أن يتمثلوا نموذجا بشريا يجسّد معاني التضحية والطهر والثبات على المبدأ.
وبعض الفلاسفة يعتبرون سينت كاثرين النموذج المناظر في العقلية القروسطية لـ "هيباشيا" الفيلسوفة والعالمة الوثنية الشهيرة التي عاشت هي أيضا في الاسكندرية في ذلك الوقت ولاقت نفس مصير كاثرين العاثر عندما قام بذبحها وتمزيق جسدها غوغاء مسيحيّون غاضبون بعد اتهامها بالهرطقة.
ومثل هيباشيا، يقال إن كاثرين كانت امرأة مثقّفة في الفلسفة واللاهوت وكانت تتمتّع بجمال أخّاذ وقد أعدمت بوحشية لأنها جاهرت بما تؤمن به.
في العام 1969 أزالت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية اسم كاثرين من قائمة القدّيسين على أساس عدم كفاية الأدلة التي تؤكّد وجودها.
لكن قبل خمس سنوات وإذعانا لضغوط واحتجاجات المؤمنين من أنصارها، اضطرّت سلطات الفاتيكان إلى إعادة إدراج اسمها في تلك القائمة.