بورتـريه سيـسيليـا غاليـرانـي
للفنان الإيطالي ليــونــاردو دافـنـشـي، 1490
حسب بعض المصادر التاريخية، كانت سيسيليا غاليراني امرأة بارعة الجمال في زمانها، وكانت تقرض الشعر وتعزف الموسيقى وتقيم حوارات فكرية مع الفلاسفة ورجال الدين.
وقد ذاعت شهرة هذه المرأة بعد أن اصبحت خليلة للدوق لودفيكو ديل مورو الذي استطاعت أن توقعه في حبّها وأن تكسب ثقته بذكائها وجمالها الأخّاذ.
ايل مورو نفسه كان شخصا مثقّفا وطموحا، ولعله اكتسب اسمه الأخير - ومعناه "المغربي" - بسبب بشرته السمراء وملامحه العربية.
كان ليوناردو يعمل في بلاط ايل مورو كرسّام وكمشرف على المراسم والاحتفالات. لكنه كان يباشر في نفس الوقت وظائف أخرى ذات علاقة بالطبّ والهندسة والتشريح والرياضيات.
هذه اللوحة رسمها ليوناردو لسيسيليا أثناء عمله في بلاط زوجها، وفيها تظهر ممسكةً بحيوان صغير من ذوات الفراء، وكان هذا الحيوان شعارا للدوق وكان يرمز بنفس الوقت للطهر والنقاء.
أكثر ما يلفت النظر في هذا البورتريه الجميل التعابير الساحرة على وجه المرأة وكذلك حركة استدارتها من منطقة الظل إلى الضوء وهي هنا تبدو كما لو أنها تتفاعل مع شخص لا نراه في اللوحة.
كانت سيسيليا غاليراني امرأة شديدة الذكاء وقد استطاعت على الدوام أن تحافظ على مكانتها في قلب رجل كان ممسكا بالكثير من مفاتيح السلطة والنفوذ كما استطاعت بسحر شخصيتها وذكائها أن تكسب احترام وتقدير الحاشية ورجال القصر.
في ذلك الوقت، أي في القرن الرابع عشر، كانت بعض المهن تمر بتحوّلات مهمّة وبات المجتمع يعترف بالنبوغ والذكاء والتميّز الثقافي والفكري لبعض ممارسي المهن التي كان ينظر إليها باعتبارها "وضيعة". وأصبح الناس يتقبّلون فكرة أن تتحوّل الخليلة أو المحظية إلى سيّدة في البلاط وأن يتحوّل الرّسام من مجرّد كونه عاملا حرفيا يعيش على الهامش إلى شخص متفوّق ومبدع.
ليونارد نفسه كان يمرّ بشيء من ذلك التحوّل أثناء خدمته في بلاط ايل مورو. وبالتأكيد كانت له أسبابه عندما رسم سيسيليا غاليراني، ربّما لانه كان يرى في صعودها الاجتماعي والفكري مرآة تعكس ما بدأ يحسّ به هو نفسه من صعود نجمه وازدياد حظوته في بلاط الدوق.
هذه اللوحة كانت قد لحق بها الكثير من التلف نتيجة تقادم الزمن وأساليب الترميم الرديئة. وفي إحدى المرّات أخضعت لفحص بالكمبيوتر أظهر وجود ما يشبه الباب أو النافذة في الخلفيّة. ويبدو أن دافنشي اقتنع أخيرا بحذف ذلك الجزء والاكتفاء بخلفية داكنة.