الجـواد ويسـل جـاكيــت
للفنان البريطاني جــورج ستـبــس، 1762
يعتبر جورج ستبس اشهر من رسم الحصان من الفنانين القدامى والمعاصرين على حدّ سواء. وقد رسم هذه اللوحة الضخمة والشهيرة في حوالي العام 1762 بناءً على طلب الماركيز بروكنغهام صاحب الجواد.
هذه اللوحة ما تزال تفتن الفنانين ودارسي الفن. ويعتقد بعض النقاد أنها لم تكتمل، إذ يُفترض أن ستبس الذي اشتهر أيضا برسم مناظر طبيعية وبوتريهات لاشخاص كان ينوي ملء الخلفية بمنظر طبيعي وبصورة لجورج الثالث ملك انجلترا في ذلك الوقت.
لكن الخلافات السياسية بين الماركيز والملك فرضت على الفنان أن يترك اللوحة فارغة إلا من صورة الجواد.
في تلك الفترة أنجز ستبس سلسلة من اللوحات لجياد جماعية أو بصحبة كلاب صيد. ثم رسم لوحات أخرى لأسود ونمور وزراف صوّرها من خلال المشاهدة والملاحظة. لكن الفنان ما لبث أن انشغل بفكرة رسم جياد في حالة صراع مع اسود مفترسة.
لوحة "الجواد ويسل جاكيت" تصوّر حصانا فخما ينحدر من اصل عربي وكان بطلا لا ينازع في سباقات الخيول التي كانت تجري آنذاك. وكما هو واضح ليس في المشهد أشخاص ولا مناظر طبيعية، والفراغ المحيط باللوحة يوجّه اهتمام الناظر كليا إلى الجواد الذي يثب في الهواء ويرمق الناظر بعين كبيرة سوداء ينبعث منها البريق.
ويرى بعض النقاد أن اللوحة هي بمعنى ما دراسة رومانتيكية تجسّد الحرية والانعتاق، إذ يظهر الجواد وقد تحرّر من القيود التي كانت تكبّله في الحياة الواقعية ليمارس انطلاقه في فراغ مجرّد ولا نهائي.
كان ستبس يؤمن دائما بأهمية الملاحظة في الإبداع، وقد زار إيطاليا في عام 1754 دارسا ومنقّبا، وهناك تعزّزت قناعته بأن الطبيعة تتفوّق على الفن.
تخصّص ستبس في رسم الخيل في حقبة تاريخية كانت فيها الخيول تتمتّع بمكانة عظيمة واستثنائية. وكانت الطبقة الأرستقراطية في بريطانيا في ذلك الوقت شغوفة جدا بتربية واقتناء الخيول.
وقد درس الفنان بشكل معمّق تشريح جسم الحصان وله دراسة تفصيلية عن الخصائص الجسدية للخيل.
لكنه حرص في هذه اللوحة الرائعة على إظهار الانفعالات الداخلية للحيوان من قبيل توتّره الواضح وقوّته الجبّارة وروحه الحرّة وعزيمته المتوّثبة وتلك النظرة المرتعبة التي تنطق بها عيناه. كان الحصان وما يزال موضوعا متكرّرا في الأدب والفنّ. وكان له أثره في التاريخ الإنساني بما يفوق ما لغيره من الحيوانات الأخرى. كان يحمل المستكشفين والرحّالة والجيوش إلى ابعد الأماكن والقارّات. ورغم أن أمجاد الحصان أصبحت جزءا من الماضي، فإنه ما يزال يدهشنا ويفتننا. يكفي أن يهمس السائس أو المدرّب بكلمة أو اثنتين في أذن الحصان حتى يتحوّل من مخلوق جامح متوحّش إلى حيوان رقيق ووديع.
ويقال إن الحصان الموجود اليوم متطوّر كثيرا عن أسلافه. فقبل حوالي خمسين مليون عام، كان الحصان حيوانا صغيرا بحجم الثعلب يسرح ويمرح في غابات أمريكا الشمالية ويتغذّى على الفاكهة وورق الشجر.
وقد احضر الأسبان معهم الحصان إلى العالم الجديد في حوالي القرن الرابع عشر وأطلقوه في البراري حيث تكاثرت قطعان كثيرة ممّا يسمّى بالجواد البرّي.
والثابت أن الإنسان استأنس الحصان منذ حوالي 5000 عام. ومنذ ذلك الوقت لعب الحصان دورا مهمّا في صياغة حياة الإنسان وأسلوب معيشته سواءً في المواصلات أو في الحروب وغيرهما.
وأينما نقل الإنسان خطاه في مشواره الطويل منذ العصور البربرية، كنت تجد آثار الحصان إلى جواره جنبا إلى جنب.
ونظرا لارتباطه بالحروب والمعارك، فقد صار يرمز إلى القوّة والسلطة والمكانة العالية.
ومع ظهور عصر الشاحنات والعربات والقطارات تضاءل الاعتماد على الحصان لأغراض المواصلات. لكن هذا لم يمنع المستكشف الانجليزي جيمس وات من ابتكار مصطلح قوّة الحصان ليجعله مقياسا لقوّة المحرّكات الحديثة، وهو أمر يوحي بما لهذا الحيوان من احترام وهيبة.
حتى سائقي سيّارات السباق هذه الأيام يتفقون على أن أفضل سيّارات السباق أداءً وسرعة لا تماثل أبدا ما يتمتّع به الحصان من شخصية آسرة ومن مكانة وعنفوان.
وأخيرا، قد يكون الكلب أفضل صديق للإنسان. لكنّ الذي كتب التاريخ كان حصانا.