Wednesday, March 08, 2006

لوحـات عالميـة - 85


بورتريـه الشـاعـرة آنـّا أخمـاتـوفـا
للفنان الـروسي ناثـان آلتـمـان، 1914

تُعتبر آنا اخماتوفا أحد الأسماء الكبيرة في الشعر الروسي المعاصر. وقد اشتهرت بأشعارها التي يغلب عليها التأمّل والحزن.
وقد رسم لها ناثان آلتمان هذا البورتريه الذي يُعتبر أشهر أعماله بالإضافة إلى كونه أحد أشهر الأعمال الفنّية العالمية.
وفيه تبدو الشاعرة جالسة على أريكة ومرتدية فستانا ازرق بينما لفّت حول ذراعيها وشاحا اصفر. البورتريه يغلب عليه اللونان الأزرق والأخضر وظلالهما. ومن الواضح أن الفنّان استخدم فيه أسلوبا قريبا من التكعيبية.
عُرفت اخماتوفا بتصدّيها الشجاع لـ جوزيف ستالين. فقد هاجمته وانتقدته بضراوة في قصائدها، ما دفع النظام إلى سجنها سبعة عشر عاما، بعد أن اتّهمها بـ "الترويج للانحلال البورجوازي والانشغال بالأمور التافهة كالحديث عن الله والحبّ".
وفي العام 1921 أعدمت السلطات زوجها الشاعر نيكولاي غوميليف بعد اتهامه بالضلوع في مؤامرة لقلب النظام. ولم تلبث السلطة أن اعتقلت ابنها الوحيد ونفته إلى سيبيريا.
بعد تلك الأحداث أصبحت اخماتوفا أسيرة للحزن والعزلة والصمت، وعانت من إقصاء وتجاهل زملائها من الشعراء والأدباء الروس.
وفي عام 1946 هاجمها الحزب الشيوعي بعنف واتّهمها بتسخير شعرها للترويج للإباحية والتصوّف واللامبالاة السياسية، الأمر الذي أدّى إلى طردها في النهاية من اتحاد الكتّاب السوفيات.
كان نظام ستالين يعتبر اخماتوفا عدوّة للشعب وامتداد للنظام القديم. وعلى عكس ما فعله العديد من زملائها الأدباء والشعراء الروس، فضّلت الشاعرة البقاء في روسيا على الذهاب إلى المنفى. كانت شعبيّتها كبيرة جدّا لدرجة أن ستالين نفسه لم يكن يجازف بمهاجمتها على الملأ.
وقد عاشت حياة صعبة جسّدتها في أعظم قصائدها بعنوان "نشيد جنائزي". وفي هذه القصيدة تحكي اخماتوفا بإحساس عميق بالعجز واليأس عن تجربة الشعب الروسي تحت حكم ستالين، خاصّة معاناة النساء اللاتي كنّ يقفن معها خارج أبواب المعتقلات بانتظار رؤية أزواجهنّ وأبنائهنّ.
ولدت آنا اخماتوفا، واسمها الأصلي آنا غورينكو، في اوديسا بـ اوكرانيا عام 1889م. وبدأ اهتمامها بالشعر في صباها. وقد طلب منها والدها آنذاك ألا تشوّه اسم العائلة باحترافها للشعر "المنحل" وأجبرها على أن تتخذ لها اسما مستعارا.
وقصائدها تتناول مواضيع متعدّدة مثل الزمن والذاكرة والحب المأساوي والأنوثة والمرأة المبدعة ومصاعب العيش والكتابة في ظلّ الستالينية. وفي مراحل لاحقة أضافت إلى شعرها موتيفات دينية ووطنية.
وبعض قصائدها لم تُنشر في روسيا إلا في عام 1987م. كما أن ديوانها الموسوم "قصيدة بلا شاعر" لم يُنشر إلا بعد وفاتها واعتُبر من بين أفضل الأعمال الشعرية التي كُتبت في القرن العشرين.
بالإضافة إلى الشعر، أنجزت اخماتوفا ترجمات لأشعار فيكتور هوغو ورابندرانات طاغور. كما نالت جائزة إيطاليا للشعر العالمي ومنحتها جامعة اكسفورد درجة الدكتوراه الفخرية.
بعد وفاة الشاعرة عام 1966 نمت شهرتها أكثر وتُرجمت أشعارها إلى معظم اللغات الحيّة، واعتبرت إحدى أعظم الشاعرات في العالم. ومنذ سنوات أعيد لها الاعتبار في بلدها روسيا وُسمح بإعادة طبع ونشر أعمالها الشعرية الكاملة.
الرسّام ناثان آلتمان ولد في اوكرانيا عام 1889م ونشأ في كنف عائلة تشتغل بالتجارة. ودرس الفنّ في جامعة كييف. وفي عام 1910 ذهب إلى باريس حيث مكث فيها عاما درس خلاله في الأكاديمية الروسية الحرّة، وتعرّف هناك على مارك شاغال ومواطنه الرسّام الكسندر ارشيبينكو.
بالإضافة إلى بورتريه الشاعرة اخماتوفا، رسم ناثان آلتمان مناظر للطبيعة حاول فيها بعث تقاليد الانطباعيين كما أنجز رسوما توضيحية لبعض روايات غوغول.
وعندما عاد الفنّان إلى روسيا في العام 1935، عمل لبعض الوقت أستاذا بمدرسة بيرنستاين للفنون. ثم وجد نفسه يعيش في أجواء سياسية وأيديولوجية صارمة تتّسم بالضغوط والقهر. وأدرك أن رسوماته، الطليعية والتجديدية، بعيدة جدّا عن معايير الواقعية النقدية التي فرضها الحزب الشيوعي على الأدباء والفنّانين. فشغل نفسه بالمسرح حيث اشرف على تصميم مشاهد وأزياء مسرحيات شكسبير وسواه من الكتّاب المسرحيين.
رسم آنا اخماتوفا، بالإضافة إلى آلتمان، العديد من الفنّانين من أشهرهم زينيدا سيريبريكوفا واميديو موديلياني.