المـوجـة التاسعـة
للفنان الروسي ايفـان ايفازوفسـكي، 1850
للفنان الروسي ايفـان ايفازوفسـكي، 1850
كان ايفان ايفازوفسكي معاصرا لانبثاق عصر النهضة الروسيّ بعد انتهاء حرب نابليون، والذي شهد ولادة الكثير من الأسماء اللامعة في ميادين الثقافة والموسيقى والأدب والفنّ مثل بوشكين وغوغول وليرمنتوف وميخائيل غلينكا وغيرهم.
ويمكن اعتبار هذا الرسّام آخر وأكثر ممثّلي الرومانسية نفوذا. وهذا واضح من لوحاته التي تمجّد المعارك الحربية. في تلك اللوحات يُخيّل إليك للوهلة الأولى انك أمام مهرجان كبير واحتفالات وألعاب ناريّة، لكن بعد قليل يتّضح لك أن ما تراه هو معركة تجري في البحر ليلا وأن سفينة من الأسطول المعادي تنفجر محترقة في الظلام.
رسم ايفازوفسكي أكثر من ستّة آلاف لوحة خلال ستّين عاما من العمل. والعديد من لوحاته يمكن اعتبارها تمجيدا لأسطول البحرية الروسيّ في القرن التاسع عشر.
وهذه اللوحة هي أشهر لوحاته، بل يقال أحيانا أنها أجمل لوحة روسية على الإطلاق. كان عمره عندما رسمها لا يتجاوز الثالثة والثلاثين. وفيها تتبدّى موهبته في أجلى صور النضوج والتبلور.
اللوحة تصوّر بحرا هائجا بعد عاصفة ليلية، وبحّارة على سفينة وهم يواجهون خطر الموت ويحاولون إنقاذ أنفسهم بالتمسّك بحطام السفينة الغارقة، بينما ترسل الشمس خيوطها الأولى لتلمع فوق الأمواج الضخمة.
وأكبر هذه الأمواج، الموجة التاسعة، تبدو على وشك أن تبتلع البحّارة الذين يصارعون من اجل النجاة بأنفسهم فوق السارية الغارقة بعد أن هلك عدد من رفاقهم.
البحّارة يدركون أنهم لن يستطيعوا السباحة للخروج من الخطر المحدق، وأنهم يواجهون موتا شبه محتّم، ومع ذلك يتشبّثون بالسارية ويصارعون العناصر من اجل البقاء. والمشهد كلّه يوحي بشيئين: الإحساس باليأس ومحاولة التمسّك بالحياة.
تتألّف هذه اللوحة من تدرّجات لونية دافئة قوامها الأزرق والأخضر والزهريّ والأرجوانيّ. والبحر لا يبدو شرّيرا كثيرا، الأمر الذي يدفع الناظر إلى الظنّ الواهم بأن البحّارة ربّما يتمكّنون من النجاة. لكن مثل هذا الاحتمال يبدو شبه مستحيل.
وموهبة ايفازوفسكي في تحكّمه بالألوان وإجادته لعبة الضوء هي التي تجعل البحر يبدو هنا طبيعيّا ومتوهّجا. كما أن انعكاس ضوء القمر يعطي للوحة حيوية وأصالة ولمسة رومانسية إلى حدّ ما.
اسم اللوحة، أي الموجة التاسعة، مصدره اعتقاد شعبيّ بأن كلّ موجة من أمواج البحر تختلف عن الأخرى في حجمها وقوّتها. الإغريق كانوا يعتبرون أن الموجة الثالثة هي الأقوى تدميرا. والرومان كانوا يعتبرون الموجة العاشرة هي الأخطر. لكن في رأي معظم البحّارة فإن الموجة التاسعة هي الأكثر تدميرا ولا يمكن أن تقف سفينة بوجهها مهما كانت مؤمّنة ضدّ الكوارث.
أيضا للوحة معنى دينيّ يتمثّل في أن الخلاص يمكن أن يأتي للإنسان إذا ما تسلّح بالإرادة الصادقة في قهر الصعاب. البحّارة يعرفون القوّة المميتة للموجة، لكنهم لا يفقدون الأمل في النجاة.
ورغم الدراما المأساوية للقصّة/اللوحة إلا أنها لا تترك ذلك الانطباع الحزين، فهي مملوءة بالضوء والهواء وتنقل إحساسا متفائلا. والرسّام نفسه يبدو معجبا بجمال البحر.
وربّما لهذا السبب أثارت هذه اللوحة مخيّلة أكثر من شاعر روسيّ أهمهم باراتينسكي الذي كتب قصيدة من وحيها عن الرغبة في القتال والثقة في النصر.
ولد ايفان ايفازوفسكي في مدينة فيودوسيا الروسية في العام 1817 لعائلة أرمنية فقيرة. ووقت ولادته كانت المدينة مدمّرة بسبب الحرب وتعاني من آثار تفشّي مرض الطاعون القاتل.
في طفولته كان الرسّام مفتونا بخليج المدينة الساحر وبآثار قلعة يونانية قديمة فيها. وفي عام 1833 دخل أكاديمية الفنون الروسية حيث درس فيها رسم المناظر الطبيعية على يد رسّام الطبيعة فوروبييف.
وفي عام 1838 اُرسل إلى شبه جزيرة القرم لمدّة سنتين حيث رسم هناك لوحات تتناول عناصر الطبيعة. ثم ذهب بعد ذلك إلى الخارج، ليعود إلى روسيا في العام 1844. وما لبث أن ُمنح لقب "أكاديميّ" وُعهد إليه بمهمّة رسم الموانئ العسكرية الروسية الكبرى الواقعة على بحر البلطيق.
خلال حياته الطويلة، سافر ايفازوفسكي كثيرا، فزار روما وباريس وغيرهما من مدن أوربّا. كما عمل في القوقاز وأبحر إلى شطآن آسيا البعيدة وقضى وقتا في مصر، بل وحتى سافر إلى الولايات المتحدة.
لكن رحلته إلى ايطاليا كان لها أهمّية خاصّة، إذ اكتسب أسلوبه هناك تميّزا اكبر. جون تيرنر، رسّام مناظر البحر الانجليزيّ المشهور، التقاه في روما ورأى لوحته "الهدوء في البحر" فذُهل للمنظر وكتب قصيدة شعر يمجّد فيها الرسّام ويصفه بالعبقريّ.
قضى ايفازوفسكي معظم حياته في فيودوسيا، المدينة التي ولد ونشأ فيها. وكثيرا ما كان ينظّم معارض للطلبة الفقراء في أكاديمية الفنون في المدينة. وبالإضافة إلى الرسم، كان بارزا في عدّة مجالات، فقد كان يعزف الكمان، كما كان مهندسا معماريا وخبيرا في الآثار.
وفي آخر عشر سنوات من حياته حاول رسم البورتريه، لكن معظم بورتريهاته التي رسمها لم تلاقِ النجاح المنشود.
غير أن ايفازوفسكي هو اليوم أكثر رسّام روسيّ يبحث عنه مقتنو الأعمال الفنّية من القرن التاسع عشر. وأعماله تُباع في المزاد بأسعار قد تصل أحيانا إلى ملايين الدولارات.
ويمكن اعتبار هذا الرسّام آخر وأكثر ممثّلي الرومانسية نفوذا. وهذا واضح من لوحاته التي تمجّد المعارك الحربية. في تلك اللوحات يُخيّل إليك للوهلة الأولى انك أمام مهرجان كبير واحتفالات وألعاب ناريّة، لكن بعد قليل يتّضح لك أن ما تراه هو معركة تجري في البحر ليلا وأن سفينة من الأسطول المعادي تنفجر محترقة في الظلام.
رسم ايفازوفسكي أكثر من ستّة آلاف لوحة خلال ستّين عاما من العمل. والعديد من لوحاته يمكن اعتبارها تمجيدا لأسطول البحرية الروسيّ في القرن التاسع عشر.
وهذه اللوحة هي أشهر لوحاته، بل يقال أحيانا أنها أجمل لوحة روسية على الإطلاق. كان عمره عندما رسمها لا يتجاوز الثالثة والثلاثين. وفيها تتبدّى موهبته في أجلى صور النضوج والتبلور.
اللوحة تصوّر بحرا هائجا بعد عاصفة ليلية، وبحّارة على سفينة وهم يواجهون خطر الموت ويحاولون إنقاذ أنفسهم بالتمسّك بحطام السفينة الغارقة، بينما ترسل الشمس خيوطها الأولى لتلمع فوق الأمواج الضخمة.
وأكبر هذه الأمواج، الموجة التاسعة، تبدو على وشك أن تبتلع البحّارة الذين يصارعون من اجل النجاة بأنفسهم فوق السارية الغارقة بعد أن هلك عدد من رفاقهم.
البحّارة يدركون أنهم لن يستطيعوا السباحة للخروج من الخطر المحدق، وأنهم يواجهون موتا شبه محتّم، ومع ذلك يتشبّثون بالسارية ويصارعون العناصر من اجل البقاء. والمشهد كلّه يوحي بشيئين: الإحساس باليأس ومحاولة التمسّك بالحياة.
تتألّف هذه اللوحة من تدرّجات لونية دافئة قوامها الأزرق والأخضر والزهريّ والأرجوانيّ. والبحر لا يبدو شرّيرا كثيرا، الأمر الذي يدفع الناظر إلى الظنّ الواهم بأن البحّارة ربّما يتمكّنون من النجاة. لكن مثل هذا الاحتمال يبدو شبه مستحيل.
وموهبة ايفازوفسكي في تحكّمه بالألوان وإجادته لعبة الضوء هي التي تجعل البحر يبدو هنا طبيعيّا ومتوهّجا. كما أن انعكاس ضوء القمر يعطي للوحة حيوية وأصالة ولمسة رومانسية إلى حدّ ما.
اسم اللوحة، أي الموجة التاسعة، مصدره اعتقاد شعبيّ بأن كلّ موجة من أمواج البحر تختلف عن الأخرى في حجمها وقوّتها. الإغريق كانوا يعتبرون أن الموجة الثالثة هي الأقوى تدميرا. والرومان كانوا يعتبرون الموجة العاشرة هي الأخطر. لكن في رأي معظم البحّارة فإن الموجة التاسعة هي الأكثر تدميرا ولا يمكن أن تقف سفينة بوجهها مهما كانت مؤمّنة ضدّ الكوارث.
أيضا للوحة معنى دينيّ يتمثّل في أن الخلاص يمكن أن يأتي للإنسان إذا ما تسلّح بالإرادة الصادقة في قهر الصعاب. البحّارة يعرفون القوّة المميتة للموجة، لكنهم لا يفقدون الأمل في النجاة.
ورغم الدراما المأساوية للقصّة/اللوحة إلا أنها لا تترك ذلك الانطباع الحزين، فهي مملوءة بالضوء والهواء وتنقل إحساسا متفائلا. والرسّام نفسه يبدو معجبا بجمال البحر.
وربّما لهذا السبب أثارت هذه اللوحة مخيّلة أكثر من شاعر روسيّ أهمهم باراتينسكي الذي كتب قصيدة من وحيها عن الرغبة في القتال والثقة في النصر.
ولد ايفان ايفازوفسكي في مدينة فيودوسيا الروسية في العام 1817 لعائلة أرمنية فقيرة. ووقت ولادته كانت المدينة مدمّرة بسبب الحرب وتعاني من آثار تفشّي مرض الطاعون القاتل.
في طفولته كان الرسّام مفتونا بخليج المدينة الساحر وبآثار قلعة يونانية قديمة فيها. وفي عام 1833 دخل أكاديمية الفنون الروسية حيث درس فيها رسم المناظر الطبيعية على يد رسّام الطبيعة فوروبييف.
وفي عام 1838 اُرسل إلى شبه جزيرة القرم لمدّة سنتين حيث رسم هناك لوحات تتناول عناصر الطبيعة. ثم ذهب بعد ذلك إلى الخارج، ليعود إلى روسيا في العام 1844. وما لبث أن ُمنح لقب "أكاديميّ" وُعهد إليه بمهمّة رسم الموانئ العسكرية الروسية الكبرى الواقعة على بحر البلطيق.
خلال حياته الطويلة، سافر ايفازوفسكي كثيرا، فزار روما وباريس وغيرهما من مدن أوربّا. كما عمل في القوقاز وأبحر إلى شطآن آسيا البعيدة وقضى وقتا في مصر، بل وحتى سافر إلى الولايات المتحدة.
لكن رحلته إلى ايطاليا كان لها أهمّية خاصّة، إذ اكتسب أسلوبه هناك تميّزا اكبر. جون تيرنر، رسّام مناظر البحر الانجليزيّ المشهور، التقاه في روما ورأى لوحته "الهدوء في البحر" فذُهل للمنظر وكتب قصيدة شعر يمجّد فيها الرسّام ويصفه بالعبقريّ.
قضى ايفازوفسكي معظم حياته في فيودوسيا، المدينة التي ولد ونشأ فيها. وكثيرا ما كان ينظّم معارض للطلبة الفقراء في أكاديمية الفنون في المدينة. وبالإضافة إلى الرسم، كان بارزا في عدّة مجالات، فقد كان يعزف الكمان، كما كان مهندسا معماريا وخبيرا في الآثار.
وفي آخر عشر سنوات من حياته حاول رسم البورتريه، لكن معظم بورتريهاته التي رسمها لم تلاقِ النجاح المنشود.
غير أن ايفازوفسكي هو اليوم أكثر رسّام روسيّ يبحث عنه مقتنو الأعمال الفنّية من القرن التاسع عشر. وأعماله تُباع في المزاد بأسعار قد تصل أحيانا إلى ملايين الدولارات.